العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ

معارض الكتب والحرية الفكرية

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

جدل عنيف دار ومازال يدور حول ما يجري في معرض الرياض الدولي للكتاب وأعتقد أن هذا الجدل لن ينقطع قريبا لأن أسبابه - ببساطة شديدة - لاتزال قائمة.

وابتداء فإنني أود تهنئة وزارة الإعلام السعودية على جهدها المتميز في إدارة هذا المعرض على رغم حداثة تجربتها في إدارة هذا اللون من المعارض. هذا الجهد الذي بدا واضحا على رغم كل ما قيل عن أوجه النقص فيه إذ لا أتوقع أن يكون هناك عمل بشري يخلو من العيوب.

أشياء جميلة كانت واضحة لكل الزائرين فهناك صور لبعض علمائنا في الجامعات ونبذة مختصرة عن إنجازاتهم العلمية ومساهماتهم في تطوير المعرفة البشرية. هذه الالتفاتة كانت مهمة فمعظم المثقفين في بلادنا يجهلون جهد زملائهم ومثابرتهم في أعمالهم، فإذا كان هذا حال المثقفين فكيف بغيرهم؟

عرض تاريخ الصحافة السعودية كان أمرا لافتا للنظر وإضافة بارزة لكل المهتمين بالشأن الصحافي والثقافي في بلادنا، وهو جهد يشكر عليه الزملاء في وزارة الإعلام.

وأعتقد كذلك أن تكريم الشعراء الأوائل كان لفتة جملية ومثله تسمية الممرات بأسماء مجموعة من الإعلام الذين كانت بصماتهم واضحة على الشأن الثقافي في بلادنا.

من الإضافات التي لفتت نظري في المعرض الاهتمام البارز في الشأن «الطفولي»، فهناك مسرحيات هادفة للأطفال تخللتها جوائز تشجيعية، هذا فضلا عن المكتبات المتخصصة في كتب الأطفال... ومعلوم أهمية الطفل في حياة كل أمة وكيف يجب الحرص على تربيته بصورة سليمة، فالشكر لكل الذين ساهموا في هذه العملية التربوية المقدمة لأطفالنا.

أشياء جميلة كثيرة كانت واضحة في المعرض ربما أشرت إلى بعضها وتركت البعض الآخر لضيق مساحة المقال تماما كما سأفعل عندما أتحدث عن مساوئ المعرض التي كانت واضحة أيضا بالمستوى وضوح المحاسن نفسها.

وابتداء، فإن «المحاسن والمساوئ» في الغالب قضايا نسبية، فما أراه حسنا قد يراه آخرون سيئا والعكس صحيح أيضا فهذه وجهات نظر يختلف فيها الناس ومع هذا كله ومع قناعتي بأحقية الاختلاف بين الناس إلا أن هناك ثوابت يجب عدم الاختلاف عليها في المجتمع المسلم الذي يدين بالإسلام.

ربما أقبل في معرض «فرانكفورت» مثلا أن أرى كتبا تشجع على الإلحاد أو الجنس الرخيص أو الشذوذ ولكني لا أقبلها في معرض الرياض أو مصر أو البحرين أو سواها من بلاد تعتنق الإسلام ووجودها في الرياض خصوصا - بلاد الحرمين - شيء مرفوض تماما مهما قيل فيه من تبريرات لا قيمة لها.

بعض الزملاء يطرحون قضية حرية الرأي وأهميتها والمساوئ البارزة من حجب المعلومات وسوء الرقابة التي تدفع بعض الكتاب إلى طباعة كتبهم خارج المملكة وما شابه ذلك من الأقاويل التي يعتقدون أنها مبرر كافٍ للمطالبة بعرض كل شيء في المعرض ولهذا تجدهم مسرورين مما حصل ومطالبين بزيادة الانفتاح! لست أدري أي انفتاح أكثر مما رأيناه؟

ومع أنني شخصيا من المنادين بحرية الرأي وسواها من كل ألوان الحريات ومع أنني أعد من «كبار» منتقدي وزارة الإعلام على منعها لمجموعات من الكتب من دون مبرر إلا أنني مع هذا كله أرى أن فسح المجال لبعض الكتب ووجودها في المعرض كان خطأ قاتلا ما كان ينبغي أن يكون تحت أي ظرف أو تعليل.

مرة أخرى كثير مما أرى خطورته وأعتقد أنه مدمر للأخلاق ومضاد لتوجهات الدولة - سياسية ودينية - موجود في منزلي ومنذ سنوات ولكني لا أسمح لأبنائي بقراءته لأنني أجزم أنه يسيء لهم في مراحلهم العمرية المبكرة وكنت أعتقد أن هذه النظرية من الأشياء المتفق عليها ولكني صدمت عندما استمعت بالمصادفة إلى لقاء عن المعرض شارك فيه السبيّل والنعمى وفوزية أبوحالد إذ كان النعمى متطرفا في كل شيء ومثله كانت فوزية أبوخالد وكأني بهما لا يعلمان التفاوت الكبير بين طبقات المجتمع! سنا وثقافة وأن ما يصلح للبعض قد لا يصلح للبعض الآخر...

أما السبيّل فحاول أن يكون «وسطيا» إذ قال إن الكتب التي في المعرض التي احتج عليها آخرون هي كتب علمية يحتاجها البعض وهي تفسح للمعرض فقط وتمنع بعد ذلك!

أتفق معه في العموميات وأختلف معه في التفاصيل وفي التطبيق أيضا! اتفاقي معه أن العلماء والمختصين من حقهم أن يطلعوا على كل ما يكتب في أي مكان، ولكن هل الذي يعرض في المعرض وقفا على العلماء والمختصين وحدهم؟ ثم لماذا لم نرَ كتب سيد قطب وأخيه محمد؟ أليس من حق العلماء والمختصين أن يطلعوا على هذه الكتب؟ كان ينبغي وضع ضوابط لما ينبغي أن يطلع عليه المختصون أو سواهم، فترك كل شيء أمام الجميع أمر غير مقبول.

هل كتب أبوزيد التي حكم عليه من أجلها أفضل من كتب محمد قطب؟

الأمثلة كثيرة وليس هذا مجالها ولكني أردت القول إن مسئولية الحفاظ على ثوابت شبابنا أمر لا ينبغي التفريط فيه تحت أية ذريعة وأردت القول أيضا إن التطرف - إلى اليسار - قد يقود تطرفا إلى الجهة الأخرى فتصبح بلادنا «الوسطية» تعيش بين تطرفين لا أعتقد أنه يخدم أحدا.

أعرف أن هناك كتبا دخلت من دون علم الوزارة - كما تدخل المخدرات - وهنا تقع المسئولية على كل مرتادي المعرض ليتعاونوا مع المنظمين وهذه لا نحمل الزملاء وزرها ولكننا نلومهم على ما فعلوه عامدين.

في البحرين معارض كثيرة وشعب البحرين مثل الشعب السعودي، فهل يمكن أن تتمازج تجارب الدولتين لنرى معارض أفضل مما رأيناه فيهما؟ أرجو ذلك.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1642 - الإثنين 05 مارس 2007م الموافق 15 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً