مرحبا
هل هناك أحد في الداخل؟
أومئ برأسك إن كنت تسمعني
هل هناك أحد في البيت؟
هيا، إذن
أسمع أنفاسك ثقيلة، محبطة
أستطيع التخفيف من ألمك
واسترجاع معنوياتك
بُح لي، أولا
بأولى الحقائق
هل تستطيع وضع اليد على مكان الألم؟
«COMFORTABLY NUMB»
PINK FLOYD
أغنية «فاقد للحس»
مجموعة البينك فلويد البريطانية
وحدي في هذه الطريق المقفرة، أخطو نحو اللاهدف، أفكر في اللاشيء وأستمع لوقع خطاي على الأرض. وحدي أتقدم إلى الأمام بلا حماس أو هدف. وحدي أتسكع وصبيب الهواجس الثقيلة والوساوس الغامضة تدب في شراييني محذرة من مغبة تعرضي لاعتداء لا ينفع معه دفاع:
ماذا لو اعترض سبيلي مجموعة من قطّاع الطرق أو المجرمين هنا؟
ماذا لو جربت فيّ رصاصة قوتها وفتكها؟
ماذا لو عبثت بتوازني حجرة وأحالتني إلى سكير مترنح؟
الوساوس ترفرف داخل جمجمتي في مأمن من كل الأيادي العابثة.
نقرة فجائية قوية على مؤخرة رأسي تترك صدى نحاسيا رنانا في كل جمجمتي.
الطنين، الطنين، الطنين...
سائل ساخن يراوغ عمودي الفقري نزولا، يتدحرج حارا حارا حارا. الفوران يتضاعف أعلى رأسي والحرارة تتضاعف في كل جسمي.
كل الأجسام الصلبة تذوب تحت فعل الحرارة واليوم دوري.
إحساس غامض بالفتور يعتريني. إحساس بالسكر والثمالة من غير سكر ولا ثمالة.
الألوان حولي تتخذ ألوانا غامقة وداكنة، والأشكال حولي تتداخل في بعضها البعض في شكل لولبي، والأرض تدور وتدور وتدور ولا متكأ لي ولا مسند.
هل سأسقط؟
كأني في الهواء. الشمس أمامي تدور في سماء تدور فوق جبال تدور بأشجار تدور وتدور وتدور... هل أنا مطرح أرضا؟
السائل الساخن لازال يفور من رأسي وينعشني بخذر لذيذ.
يداي ممدودتان بعيدا عن جذعي براحتي مقلوبتين للأعلى ورجلاي متباعدتان ووجهي للسماء.
هل هي حالة احتضار؟
هل هي الموت؟
ألازلت على قيد الحياة؟
بماذا يُشَهِّدُ الناس وهم على حافة الموت؟
بأصابعهم؟
أين أصابعي؟ أصابع رجلي ليست مني!...
سبابتي اليمنى لا أتحكم فيها!...
سبابتي اليسرى لا تطاوعني!...
لساني أثقل من رجلي!...
هل سأموت من دون شهادة!...
تعالوا شَهِّدُوا لي!...
تعالوا ولوا وجهي للقبلة!...
هل سأموت هكذا بوجهي للسماء، كالمِدفع؟...
هل تسمعونني؟
هل يسمعني أحد منكم؟
هل أنا الوحيد الذي يسمع ما أقوله؟...
هل صرت المتكلم والمخاطب وأنا أحتضر؟...
ولوا وجهي للقبلة، فضلا!...
أجلوا عذابي إلى ما بعد الدفن، من فضلكم!...
هل سأُترك للموت وحيدا على هذه الطرقات المقفرة بضربة مجهولة من قاتل مجهول؟...
حسنا، يا معشرَ الصم!... ليكن ما أردتم. لكن ليكن أيضا ما أردت، أنا أيضا: سأموت هنا وسأتحلل إلى جراثيم قاتلة وسأملأ المكان فيروسات فتاكة وسأهب على صدوركم مع أولى طلائع النسيم طاعونا وسلا وحمَّى إسبانية وأنفلونزا طيور وأنفلونزا بهائم... أمهلوا الروح أولا كي تلتحق بخالقها... وموعدنا بعد حين.
قصة قصيرة بقلم القاص والباحث والمترجم المغربي محمد سعيد الريحاني
العدد 1651 - الأربعاء 14 مارس 2007م الموافق 24 صفر 1428هـ