العدد 1652 - الخميس 15 مارس 2007م الموافق 25 صفر 1428هـ

مصارحات في ختام «عاشوراء»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحتل شهرا محرم وصفر موقعا خاصا في وجدان الشعب البحريني، لما يحفلان به من مناسباتٍ دينيةٍ ذات طابعٍ مأسوي. ومع نهاية صفر يتخذ الإحياء طابعا من التواصل «الأممي». ففي الخامس والعشرين تحيى ذكرى مريم (أم السيد المسيح) عليهما السلام، وفي الـ 27 ذكرى النبي يحيى بن زكريا (ع)، وفي الـ 28 يُختتم مع ذكرى وفاة سيد المرسلين (ص).

ومع اقتراب إسدال الستارة على هذا الموسم الديني الثقافي التاريخي، هناك ملاحظاتٌ لابد من طرحها، من باب المصارحة والنقد الذاتي، إن لم تكن نوعا من التقييم الأولي. فهذا الموسم يعتبر أكبر عملية إحياءٍ للتاريخ وإعادة تمثّله على المستوى الشعبي، إذ يعيش الجمهور على مدى شهرين في ظلال التاريخ وذكرياته وعِبَرِه.

وقد شهدت الأعوام الأخيرة بعض الإضافات التجديدية والإبداعات الفنية (رسم، مسرح، معارض، تصوير...). وفي كل عملية إنتاجٍ ثقافيٍّ مشابه، تكون هناك حركةٌ نقديةٌ موازيةٌ، وهو ما يفتقر إليه مثل هذا الموسم الثري في البحرين. ولا يدّعي الكاتب القدرة على القيام بهذا الدور، ولكنه يوجّه دعوة لكلّ من يعنيه أمر إحياء هذا الموسم الديني الثقافي، لممارسة هذا الدور الإرشادي والتوجيهي لما فيه الخير، وخصوصا أننا اعتدنا على ترك الحبل على الغارب حتى تحدث المشكلات أو تتراكم التعقيدات.

هناك ظواهر إيجابيةٌ كثيرة، لكن سنتوقف هنا عند بعض الملاحظات المهمة و«الممكنة» طلبا للإصلاح. لن يكون الحديث عن الشعائر، فتلك قضيةٌ أخرى، لكن سنركّز على بعض الجوانب الحديثة التي تحتاج إلى تقييمٍ ونقدٍ قبل أن تتحوّل إلى مقدّسات. فمن الأمور المستحدثة؛ الأعمال الفنية (المجسّمات)، وبدأت بهدف تجسيد أرض معركة كربلاء والخيام والجنود، لكنها انتهت إلى مجسّمات لنساء أو أطفال البيت النبوي الشريف، تفتقر في غالبها إلى الذوق الفني أو حسن الصنعة، فتؤدّي إلى تشويه المناسبة، وتسبّب السخرية أحيانا، وهو ما يتطلب وقفة مسئولة من علماء الدين والخطباء، لأن كلمة غيرهم غير مسموعة في هذا المجال.

أمرٌ آخر، هو عودة الموسيقى وبقوةٍ إلى «الشعائر الحسينية»، بعد أن اختفت ربع قرن، ولا ندري ما هو الغطاء الشرعي لمثل هذه العودة، التي تستبطن روح التبعية ولا تنبع من قناعاتٍ داخليةٍ أصيلةٍ، وخصوصا أننا في مناسبةٍ دينيةٍ حزينةٍ، هي أبعد ما تكون عن أجواء الموسيقى وأدواتها وفِرَقها، إلاّ إذا استحسنا تقليد الممارسات الكنسية أو الإمبراطورية. ومرة أخرى، هذه من مسئولية علماء الدين، فكلمة غيرهم قد تجرّ إلى الإدانة والاتهامات، بينما كلمتهم من فوق المنبر أكثر قبولا وأسهل طريقا للقلوب.

من ناحية «اللافتات» و«شعارات» الموسم، فإن ما نشاهده هو أنها تترك لمجموعاتٍ من الشباب صغار السن، الذين يدفعهم حب العمل التطوعي إلى نشرها على أوسع نطاق، وفي بعض الأحيان يتم اختيارها على عجل، أو انتقائها من كتبٍ قديمة، فتأتي لغتها متنافرة مع ظروفِ وأوضاعِ العصر. وأحيانا تسبّب إرباكاتٍ غير محسوبةٍ للوضع، وهو ما يتطلّب أن تهتم اللجان الثقافية بالمآتم بحسن اختيارها حفاظا على جلال المناسبة، وهو طلبٌ غير صعبٍ على مجتمعٍ له مثل هذه المؤسسات الدينية المنظّمة.

أخيرا... هناك سوء التقدير «الفني» سواء في اللوحات أو تصميم الملصقات وحتى إعلانات المسرحيات. بمعنى آخر: هناك خللٌ في «اللمسات الفنية». فهناك تركيزٌ على إبراز منظر السيوف والدماء والأيدي المقطوعة، ربما مجاراة للمنبر في رغبته باستدرار الدموع وتهييج العواطف. ومن مسئولية الشباب المثقّف المهتم بفعاليات الموسم، إعادة النظر في هذا الجانب لتقديم مسرحٍ متطوّرٍ يطمح إلى تحقيق التطور الذاتي وتقديم مادةٍ تاريخيةٍ يمكن أن تجد طريقها إلى قلوب شرائح جديدة من الجمهور.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1652 - الخميس 15 مارس 2007م الموافق 25 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً