صدرت للأديبة المعروفة خولة القزويني قبل فترة غير قصيرة رواية تحت عنوان: «هيفاء تعترف لكم» أهدتها إلى «نوارة عمرها، وإشراقة أيامها، ابنتها حوراء» والرواية مقسمة إلى ستة عشر قسما قالت في القسم «الأول منها» كان لغياب أبي وقع حزين على قلبي، إذ جعلني أفكر الأيام كيف استقبل حياتي بخطها الجديد، والموت ذلك المارد الخفي يقتحم المنازل الآمنة ليخطف أعزتنا على حين غرة، رحل أبي وخبا صوته في عتمة الليل الموحش ليتوغل في أعماقي قلقا مدويا يقض مضجعي». وفي القسم الثاني قالت المؤلفة «كل شيء بدأ يتراجع إلى الوراء، تشتكي المدرسة أهمالي، ارتباكي، انفرطت كل مسئولياتي حتى كانت تحدد موقعي في المدرسة، استقبلنني الناظرة بوجه متجهم لتعزلني عن قيادة مجلس الطالبات، فأين هي والقدرات والإمكانات التي كانت وساما على صدري أسمو به على الزميلات ؟».
وفي القسم الثالث تقول المؤلفة «أشياء كثيرة جعلتني قلقة يفترسني الخوف من الداخل، ثمة عينان تترقبان في خفاء وأنا اتوجس خيفة من ذلك المجهول الآتي من غفلة الزمن، أدور في هذا القصر الفاره أناجى الجدران الصمام، اقتحم الغموض كي أسترد ثقتي بزوجي ليس في هذا المكان ما يدعو إلى الارتياح، قلعة صامدة معزولة عن البشر تحكمها هذه العجوز».
أما الفصل الرابع فقد بدأته المؤلفة بقولها «اليوم أنعم بصباح هادئ ،يغمرني حنين جارف إلى استنشاق هواء الربيع ملء إرادتي، تجولت في أرجاء القصر. كان الخدم يتناولون فطورهم في المطبخ، والصالة أنبأني صمتها عن غياب خالتي فلم أجد ابريق الشاي في مكانه، والهاتف الذي كان دائما قربها بقي في محله، سألت احدى الخادمات عنها قالت إنها غادرت القصر مبكرة».
وفي بداية القسم الخامس قالت المؤلفة (خولة) «التقيت مروة هذا الصباح، سرني وجهها المشرق، احتضنتني بحنان، وعندما لمحت الحزن باديا على وجهي انبرت تحدثني: اجلسي يا هيفاء، تبدين صفراء ذابلة، تنهدت طويلا، سبقتني الدموع فاختلجت الكلمات في حلقي ولم اعد قادرة على البوح، شدت على يدي تستحثني على الكلام». وقالت المؤلفة في بداية القسم السادس : «يقظتني صرخة المولود مدوية في الأثير، وتنهيدة مريحة أرخت أعصابي المشدودة. النعاس يدب في كالمخدر اللذيذ يكاد يشل قواي فلا اقدر على الحراك وعيناي تطرفان ناحية أمي وأبرار تقفان مذهولتين شاحبتين، وفور أن همست بصوت منهوك «طلب جرعة ماء، اقتربت أمي ناحيتي تقبلني : «الحمدلله على السلامة، ولدت طفلا جميلا ومتعافيا» وجاءت أبرار تحضنني بلهفة».
وفي مطلع القسم السابع تقول المؤلفة، بعد حادثة زوجي والخادمة، عدت ثانية إلى حالة التوجس من كل شيء لكني الآن متسلحة أكثر من أي وقت مضى، ثمة شخص يقف ورائي يحمل في يده مصباحا مضيئا يكشف إليّ عن الخبايا المعتمة التي تعترض سلامة طريقي، أمل جديد تدفق داخلي أشبه بالنداوة على غصن قد اصفر فتبرعمت وريقاته بعد أن شرب هذا الرذاذ».
وفي القسم الثامن من الرواية تقول المؤلفة : «عندما حل بنا المقام في لندن اشتدت حالة خالتي الصحية سوءا فقد أرضنتها الرحلة وامتصت حيويتها بشكل ملاحظ فقمت بمداراتها كي تسترخي بعض الشيء، إذ بدا أن حالتها النفسية وهي تدنو من الهوان والانحلال مبعث إشفاق كبير .
أما القسم التاسع فقد بدأته المؤلفة بقولها: «عدت إلى وطني متلهفة إلى كل شبر فيه، متشوقة إلى أهلي وصديقاتي يغمرني الفضول والابتهاج، واستقبلني في المطار أخي وزوجته وقد بان التجهم والانكسار في ملامحهما، ارتميت في أحضانهما وأنا أقدم طفلي الذي اشتد عوده».
وإليك ما قالته المؤلفة في بداية القسم العاشر : «مازالت مروة تستثير مكامن فضولي، تبدو في غاية الانكسار، دعوتها ذات مساء إلى إحدى المقاهي لشرب الشاي، جلسنا وجها لوجه نطل عبر النافذة على البحر الهادي المموج، اتخذ حديثي معها طابعا متوددا بعيدا عن منغصاتي الخاصة».
وقالت المؤلفة في بداية القسم الحادي عشر : «ألحقت باسل برياض الأطفال وتعهدت برعايته النفسية أكثر من أي وقت آخر، وكانت والدتي تصحبه في نزهات على شاطئ البحر حينما تضطرني ظروف العمل للانشغال عنه في المكتب لفترة طويلة ولعلي أتعمد البقاء هناك تفاديا لجو البيت الخانق». وفي مطلع القسم الثاني عشر قالت المؤلفة : «منذ أن باشرت عملي في مكتب الأستاذ سامي ومروة أحسست لديها فتورا غريبا ناحيتي وحاولت مرارا كسرهذا الجفاء واستئناف ماكنا عليه سابقا من ألفة وانسجام».
أما في القسم الثالث عشر فقد جاء قول المؤلفة كما يلي : «كيف أعود بهذا العبء إلى ذلك البيت المضطرب، وما في قلبي أشد خرابا وحزنا، أمي العابدة التي انقطعت عن الدنيا تسبر أغوار المجهول في انشداه روحي غريب تبدو في رنين صوتها الخافت أشبه بالبقايا المودعة تجتاحها رغبة عارمة في الحج إلى بيت الله، ومن جانبي سعيت كي أوفر لها مبلغا كافيا ريثما يحل موسم الحج».
وقالت المؤلفة في بداية القسم الرابع عشر : «كانت هند منشغلة في عملية نقل الأثاث والأغراض من البيت القديم الذي تم بيعه عن طريق سمسار العقارات إلى حيث البيت الجديد، وعذرتها بعض الشيء، فلهجتها المتعجلة أنبأتني أنها غير مستعدة للدخول في حوار، فأقفلت الهاتف معتذرة: سأتصل بك على رقم الهاتف الجديد».
كما قالت المؤلفة في بداية القسم الخامس عشر : «توالت الأحداث في تعاقب سريع، إذ توفيت أبرار بعد شهرين في المستشفى، ومضى أخي إلى إحدى المصحات للعلاج من الإدمان، واستعاد بعضا من حيويته ونشاطه، وقد أثرت فيه حادثة الوفاة بشكل ملحوظ فقرر أن يبذل سعيه لتربية الولدين، والبحث عن عمل مناسب».
وفي القسم السادس عشر - وهو الأخير - قالت المؤلفة خولة القزويني : «استطاعت أمي هذا العام أن تحج إلى بيت الله الحرام، وقد أقمت لها حفلة رائعة حين عودتها، أثلج صدري استقرارها الوديع. سكونها المقدس، إذ شقت طريق الجمال الروحي والولاء الثابت لله سبحانه».
العدد 1654 - السبت 17 مارس 2007م الموافق 27 صفر 1428هـ