في حياتنا اليومية، عادة ما نستخدم عبارات جيدة/بذيئة وأخرى قد لا نعي معناها، ولذلك نستخدمها في غير موقعها، مثل ذلك «الله يغربلك» التي غالبا ما نطلقها إن انتابتنا حال من الغضب تجاه شخص ما بغض النظر عما إذا كان عدوا أو صديقا... نطلقها بمعنى «الله يوقع عليك الأذية والبلاء»، مع أن معناها الحقيقي يختلف عن ذلك تماما، ولو أدركنا ماهيته لما وجهنا تلك العبارة إلا إلى العزيز والقريب!
«الله يغربلك» لها حكاية - عهدتها على راويها- أن رجلا سئم من ترديد ابنه لكلمات بذيئة كان قد تلقنها من نظرائه، فاختار أن يحتال على ابنه بطريقة ما تجعله يردد ما هو حسن على اعتبار أنه سيئ، فكانت «الله يغربلك» هي الطريق... وبدوره، لقن الابن أقرانه هذه الكلمة حتى انتشرت بشكل واسع فوجئ به الوالد نفسه. طبعا، الأولاد تناقلوها على أنها كلمة تجلب السوء، لكنها في معناها الحقيقي بعيدة تماما عن ذلك، وما «الغربال» إلا المصفاة، فإن قلت لك «الله يغربلك» فإني أقصد «الله يصفيك من كل ما هو سيئ يدنس النفس مثل الحسد والكراهية والغيبة... إلخ».
تلك طريقة ابتدعها رجل في الزمن الغابر وتناقلتها الألسن حتى وصلتنا اليوم، ولا أظنها ستكل من الترحال... حقيقة، المعنى الجوهري للعبارة يدفعني لترديدها في كل حين، حينما أتأمل وضعنا ومشكلاتنا التي بتنا نتوارثها كما ورثنا تلك العبارة التي خفي جمالها عن الغالبية منا، لأدعو ربي صبح مساء قائلة:
الله يغربل «الإسكان» لتتكرم علينا ببيت أو قرض ضاع عمرنا بانتظاره... الله يغربل «الصحة» لتزيد (على الأقل) من عدد أسرّتها وتطور كوادرها وخدماتها قبل أن نشل كلنا... الله يغربل «التجار» فيرحمونا من ارتفاع الأسعار... الله يغربل «التربية» كي تعترف فقط بوجود خطأ أو خلل ما فتكثف جهودها (الراكدة) لحله... الله يغربل...
اكتشفت أخيرا، أنني لو بقيت أعدد ما يحتاج إلى «غربلة» فإني سأؤلف مجلدات ما لها أول من تالي... ومع هذا بقي شيء عز علي أن أدعو له بـ «الغربلة» كونه «متغربل» أصلا حتى لم تعد فيه أية شائبة... إنه «جيبنا الفارغ»! الأمر الذي يدفعني إلى اختصار دعواتي بقول شامل، إن أراد الله واستجاب له أظننا سنكون بألف خير، وبدورنا، «سنتغربل» جميعا بشكل تلقائي، ما أقول إلا «الله يغربل أصحاب الكراسي ومن عهد إليه التحكم بمصيرنا»... اللهم آمنين.
العدد 1656 - الإثنين 19 مارس 2007م الموافق 29 صفر 1428هـ