العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ

غيوم الشتاء... وغيوم الشقاء

انحسرت عنا الغيوم بأمطارها ومياهها، ومنَّ الله علينا بشتاء وافر بالخيرات، فاخضرَّت الأرض، وازَّينت، وكشفت عن قلبها النابض بالحياة وكأن النباتات تواسي أرضها وتظللها بأوراقها النحيفة، في محاولة منها لتخفيف حرقة أشعة الشمس، بعدما كانت مقفرة، شاحبة، يغطيها السراب والذبول طيلة الصيف الحارق، فحيثما تذهب بنظرك إلى أية جهة أو بقاع ترى الخضرة والزهور الصفراء وكأنك في جنات الفردوس تستمتع بالنعيم والإحساس بالجمال الخلاب الذي يستلهم القلوب ويسرح بالألباب.

ولا أعجب حين أرى عائلة قد أخذت من تلك البراري مكانا للراحة والاستجمام والتمتع بطبيعة خلابة في أرض لم تتدخل فيها يد الإنسان، تجد العائلة فيها راحة لها من أعباء الحياة وسط جو دافئ مفعم بالنقاء، بعيدا عن الضوضاء، تجده متنفسا للترويح وملاذا من الضغوط.

وتارة أرى في الأفق البعيد آخرين يبحثون بين الحشائش والنباتات البرية من غير حاجة لكنما لأجل التمتع بالطيبات التي تنبت في مثل هذه المواسم من العام كالفطر والحنصل والشخدب وخبز خبيز وغيرها على ما تعارف الناس عليه من تسميات لهذه الثمار. ويذهب بالخيال طعمها الساحر ويحلق بها بعيدا في رحاب الطبيعة، وفجأة أتساءل عن الأرض، أرضنا، جزيرة المليون نخلة فأندبها حزنا عليها نخلة بعد نخلة... فأين النخيل؟ وماذا هو حصادنا؟ وماذا نزرع؟ فالنخيل قد قطِّع ولا نراه إلا للزينة!

فوا أسفاه، أهكذا حال النخلة اليوم؟ أبعد أن كانت عصب الحياة وقلبها النابض وروحها، بل وأما لأجدادنا، يصبح هذا حالها؟

ليس ألمي على النخلة وإنما ألمي على حالنا من دون اكتفاء ذاتي واستغلال لمواردنا وثرواتنا بالشكل الملائم والصحيح، فنحن حتى البصل نقوم باستيراده من الخارج!

الآن نحن في معترك تهديدات من هنا وهناك بين قوى عالمية وأخرى إقليمية، ماذا لو لا سمح الله وقع المحظور واشتعل فتيل حرب لا أراها إلا حربا ضروسا تطحن الأرواح والأموال كالرحى وتأكل الأخضر واليابس؟ فلسنا إلا أول من يتلظى بنارها ويشقى بلهيبها، فبكم سيصبح الرز؟ وبكم السكر؟ فهل بعد تضاعف في الأسعار من غلاء آخر مقبل؟ فليت الفقير حينها يشبع بطنه، وليت الغني حينها يستطيع بماله أن يبتاع الرطب ليسد جوعه في موسم الرطب وما هو إلا أيام، وهل سيكفي للجميع؟ فادعوا معي ضارعين إلى الله أن يجعل أسعار التمر حينها ضعفين، ضعفين فقط لا غير! لا أن تكون أضعافا مضاعفة لضعف سعرها الحالي، حتى يكون فطورنا صباحا تمرا بالماء، ووجبة الغداء تمرا بمعجون الدبس، وعشاءنا تمر فيليه وعصير الرطب! فتعالوا ندعو الله خاشعين أن تنقشع الغيوم بعيدا من غير رجعة، وتتوقف طبول الحرب عن عزفها البائس، ونكون في أمان، وترحل عنا الغيوم برصاصها وقنابلها.

علي الشهابي

العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً