العدد 1668 - السبت 31 مارس 2007م الموافق 12 ربيع الاول 1428هـ

الدول العربية بين قرارات الحد الأدنى والهجوم الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الخط البياني الذي رسمته القمة العربية في الرياض يشكل خط الدفاع الأخير لحماية المنطقة من المزيد من الانهيار. فالقرارات التي صدرت بشأن الملفات الساخنة وما أعقبها من تصريحات ومواقف ووجهات نظر أكدها «إعلان الرياض» في وثيقته الرسمية تمثل الحد الأدنى للمطالب والحقوق العربية.

اتفاق الدول العربية على الحد الأدنى يعتبر الملاذ الأخير لوقف سياسة التفريط بالقضايا وخصوصا تلك المسألة المركزية المتصلة بالموضوع الفلسطيني. كذلك يوجه رسالة واضحة للقوى الكبرى بوجود نهاية للتراجع العربي وعدم استعداد الخطاب الرسمي للمزيد من المساومة على حقوق تعتبر حتى في إطار القوانين الدولية مشروعة ومضمونة وغير قابلة للتعديل.

القمة إذا ساهمت في رسم خط بياني أخير للتراجع العربي. لذلك يمكن القول إن ما صدر من مواقف يشكل الحد الأدنى الذي يعكس موازين القوى وما أسفر عنه الميدان من تعادلات سياسية. وهذا الأمر يمكن رصده في مناطق مختلفة في مسرح «الشرق الأوسط». الموضوع الفلسطيني مثلا لم يعد بإمكان الدول العربية تقديم المزيد من التنازلات بشأنه بعد أن وصل التراجع في القضية إلى شفير التفريط بمختلف عناصره. وفي الموضوع العراقي وصل الانهيار العام إلى حد تشكيل وحدات (فيدراليات) سياسية تقوم على تنويعات طائفية ومذهبية ومناطقية وبالتالي فإن المزيد من التفريط يعني الإخلال بالأمن القومي واستقرار دول الجوار والتخلي نهائيا عن العراق وموقعه المركزي في التوازن الإقليمي. وفي السودان قدمت الدول العربية مراجعة عامة للأزمة وطرحت مقاربة مقبولة دوليا ومعقولة سياسيا حين دمجت بين المصلحة الوطنية والدور الإفريقي والموقع العربي في ميزان التعادل في إقليم دارفور. وفي موضوع الملف النووي طرحت الدول العربية صيغة حل تضمن توازن المصالح ولا تفرط بحق الدول الإقليمية في السعي لتطوير الطاقة السلمية وتنويع مصادرها وعدم جرجرة المنطقة إلى سباق في التسلح النووي.

كل هذه القراءات الموضوعية للملفات الساخنة رسمت الخط الأخير للتنازلات والتراجعات وبالتالي حددت السقف العربي الرسمي في التعامل مع مختلف القضايا المركزية والحساسة.

لاقت هذه المقاربات ردود فعل متفاوتة تراوحت بين الدهشة والاستغراب وبين الترحيب والاحترام. الفريق الذي عبر عن دهشته ركز تعليقاته على جانب الاستغراب من المواقف العربية الرسمية. فهذا الفريق يعتبر أن الجانب العربي ممزق ويعاني من الضعف والتشرذم ولا يستطيع الدفاع عن نفسه ويتعرض لضغوط دولية جبارة وحملة إعلامية عنصرية كبرى وحصار سياسي وتهديدات عسكرية وحشود تحيط به من كل الجهات، وبالتالي لا يحق له الكلام أو النقد أو حتى إبداء رأيه في نقاط حساسة أو ملفات ساخنة خرجت من رقابة العالم العربي وباتت الدول الكبرى تشرف على إدارتها. الفريق المذكور تألف حصريا من الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي. أميركا امتعضت من «المكابرة» العربية وأبدت انزعاجها من تلك الخطابات والكلمات التي وجدت فيها معاندة للواقع ومخالفة لموازين القوى على الأرض وربما تحديا لسياسة واشنطن وخصوصا في الملفات الثلاثة: فلسطين والعراق والطاقة النووية السلمية.

«إسرائيل» بدورها وصفت الموقف العربي بـ «الثوري» ورأت في الإصرار على إعادة إنتاج المبادرة السلمية كما هي ومن دون تعديلات تناسب وجهة مصالحها محاولة للالتفاف على حقائق الواقع وعدم استعداد للتجاوب مع تلك المتغيرات التي فرضت بالقوة على المنطقة وخصوصا بعد احتلال العراق وتقويض دولته وتمزيق شبكة علاقاته الأهلية إلى وحدات طائفية ومذهبية.

فريق آخر

مقابل هذا الفريق الذي استكثر على الدول العربية تمسكها بالحد الأدنى من حقوقها ومطالبها ومصالحها واستهجن وصف خادم الحرمين الشريفين القوات الأميركية في العراق بالاحتلال غير المشروع، تشكلت وجهة نظر مضادة عبرت عن تقديرها للجهود العربية لتسوية الأمور سلميا.

الفريق الآخر تعامل باحترام مع التواضع العربي ورحب بتلك الخطوات والقرارات والمبادرات ووجد فيها عناصر إيجابية وجادة يمكن أن تبنى عليها مجموعة تصورات سياسية تساعد الدول الكبرى والمعنية بشئون «الشرق الأوسط» على اكتشاف مخارج عقلانية وموضوعية لأزمات تهدد السلم العالمي والاستقرار الإقليمي. الاتحاد الأوروبي مثلا رحب بالمبادرة العربية ووجد فيها تلك النقاط المطلوبة لضمان حسن السير في خرائط طرق شائكة ومتداخلة. كذلك صدرت تصريحات روسية وصينية وأوروبية ودولية أبدت احترامها وتأييدها للتوجهات العربية الرسمية وطالبت الولايات المتحدة و «إسرائيل» بأخذها في الاعتبار والتعامل معها بوصفها الملاذ الأخير لسلسلة تراجعات وصلت إلى نهاية الخط البياني.

حتى الآن يمكن القول إن قرارات القمة العربية المتواضعة نجحت في تحقيق ذاك الاختراق السياسي للجبهة المضادة لمصالح دول المنطقة وحقوقها الدنيا. وهذا الاختراق يساعد لاحقا في تشكيل قوة ضغط عربية لتعزيز خط الدفاع الأخير لمواجهة استحقاقات كثيرة قد تظهر على شاشة «الشرق الأوسط». فالولايات المتحدة تبدو غير مقتنعة بالحد الأدنى من الممانعة العربية ولاتزال تراهن على مزيد من التراجع لتضمن مصالح حليفها الاستراتيجي في المنطقة. وهذا الموقف السلبي الأميركي قد يؤدي إلى تعطيل الكثير من الخطوات العربية في المستقبل القريب في حال فشلت دول الاتحاد الأوروبي في تشكيل قوة فصل دولية تمنع واشنطن من التهور وارتكاب مزيد من المغامرات.

المشكلة العربية إذا كانت ولاتزال مع الولايات المتحدة وسياستها الهجومية على المنطقة وانحيازها المطلق إلى فريق حتى لو تعرضت استراتيجيتها ومصالحها للأضرار والإعطاب. وهذا التحيز يمكن رسم معالمه في أكثر من ميدان. فواشنطن لاتزال ترفض المبادرة العربية بشأن الموضوع الفلسطيني وتطالب بتفريغها من عناصر القوة حتى تضمن موافقة تل أبيب عليها. وواشنطن كذلك غير مطمئنة للمواقف العربية الرسمية الرافضة لسياسة التقويض المنهجي التي ارتكبتها قواتها المحتلة في العراق. وهي أيضا غير مرتاحة للخطاب العربي الرسمي المتعلق بالملف النووي وتجريد «إسرائيل» من أسلحة الدمار الشامل.

هذا الاختلاف في حدود الرؤية والمصالح يعيد رسم خطوط تماس متوترة بين الموقفين الأميركي والعربي الرسمي. ففي الملفات الثلاثة وغيرها تبدو وجهات النظر غير متطابقة سواء على مستوى القضية الفلسطينية المركزية، أو على مستوى نكبة العراق، أو على مستوى موضوع السباق النووي في المنطقة. والاختلاف يعني في المنطق السياسي أن الولايات المتحدة أصبحت في موقع يفرض عليها إعادة قراءة خياراتها الاستراتيجية فهي إما أن تضغط على «إسرائيل» وتطالبها بضرورة التكيف مع المستجدات الإقليمية والدولية، وإما أن تضغط على الدول العربية وتطالبها بالتنازل والتراجع إلى وراء خط الدفاع الأخير. وبين الضغطين يرجح أن تميل واشنطن إلى الخيار الثاني وذلك لأسباب كثيرة منها أن التطرف الإسرائيلي واستقواء تل أبيب على دول المنطقة مجتمعة يعتمدان في الدرجة الأولى على السياسة الأميركية الهجومية والرافضة لكل مساومة. فالمشكلة كانت ولاتزال في الولايات المتحدة فهي إذا لم تتراجع عن استراتيجية التقويض وتفكيك الدول ومنع الجامعة العربية من لعب دورها فإنها لا شك ستواصل سياسة المغامرة والتفريط بالحد الأدنى من المطالب والحقوق والمصالح التي رسمت خط بيانها الأخير قمة الرياض.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1668 - السبت 31 مارس 2007م الموافق 12 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً