العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ

انتهازية سياسية مرة أخرى!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لم يمض كثير من الوقت ولا يزال الفصل التشريعي الأول متواصلا قبل أن يبلغ نهايته حتى نستعيد ذكرى المنافسة الانتخابية الحامية التي انخرط فيها فرقاء سياسيون تعددت أطروحاتهم واتجاهاتهم وتصوراتهم لمستقبل المشروع الإصلاحي، كما هي تنوعت غاياتهم ومآربهم من الترشح للبرلمان، فمنهم من دخل حاملاَ ذخيرة نضالية وطنية وقيمة مبدئية عالية، يود استثمارها في البرلمان لممارسة الإصلاح من الداخل ورفع قضايا ومشكلات المواطنين إلى أعلى السقوف على أمل أن تزداد السلطة والصلاحية التشريعية لممثلي الشعب بالضغط المتواصل.

ولربما من فيح أو قل شذى المعارك الانتخابية نتذكر المرشحة النيابية وعضو كتلة التغيير الوطنية «وعد» الدكتورة منيرة فخرو، وكيف برزت على الساحة الانتخابية اسما لامعا ووجها مميزا لطالما عرفته البحرين بالبذل والعطاء والصمود والنضال في عهد أمن الدولة الغابر، كما أننا نستحضر وبعين من الأسى مجمل الوسائل والتكتيكات غير الملائمة التي استهلكت ضد هذا الوجه النسائي النضالي الوطني المشرق وعموم كتلة «التغيير»، وكيف تم التواطؤ عموما على المرأة وحقوقها وتمكينها وضرب جميع تلك الأضابير في حائط المبكى الديمقراطي لأجل تيسير إنجاح وتوصيل لوردات البرلمان السابق ولو بـ«الدز» عبر قنوات أخرى!

وربما من بين تلك التكتيكات الخبيثة المستهلكة هو محاولة إحدى المقاولات والأبواق الصحافية المدفوعة الأجر والأجل المهني أن تقحم وتؤطر منيرة فخرو في جدل اصطناعي مستعاد بشأن مشاركتها في برنامج بقناة الجزيرة، قامت من خلاله بـ« سب» الصحابي الجليل والخليفة الراشدي أبوبكر الصديق «رضي الله عنه»، في حين أنها حقيقة لم تعمل إلا على الاستشهاد بنقد للصحابي أبوبكرة «رضي الله عنه»، ولم توجه شخصيا أي سب وشتيمة، وهو ما لم يفهمه الكثير من الفقراء معيشيا وفكريا من غالبية الشعب المستباح إقطاعياَ!

عملت الأبواق الصحافية وبعض لوردات البرلمان السابق على تصعيد القضية في شكل فج وتضخيمها وإعطائها أبعادا مغايرة لنوايا انتهازية ووسائل هي غايات تعرقل وصول المناضلة بأي ثمن، فانتشرت حينها «المسجات» الطائفية التي تتهم منيرة بمحاباة حلفائها السياسيين وتملقهم عبر سب الصحابة، وذلك بهدف قطع الصلة ما بين منيرة فخرو والشارع السني في دائرتها ليتم تطييف الأمور قدر الإمكان عسى أن يسر ذلك «الباغوان» الطائفي الأعظم!

وربما مازال الكثير منا يتذكر استرجال الكثير من الأطراف الملمعة اصطناعيا من «مشايخ دين» وغيرهم بحجة «الفزعة» للذود عن الصحابة ومحاربة أعدائهم الذين يسعون لنشر الكفر والفسوق والفجور من خلال وصولهم للبرلمان، وبالتالي لا بد من تحمل أكل الميتة في الجولة المقبلة أكانت هذه الميتة هي التجربة الديمقراطية و«المشروع الإصلاحي»، أم هي جثث جميع القضايا الكبرى التي تكدست على قارعة الطريق بعد أن اختنقت بعبراتها من أمثلة لأداء/ كأداء النيابي الرديء «اللي ما سوا شي»!

ولو كنا هنا في البحرين نتعامل مع «فزعة» وغيرة حقيقية، واختلاف واقعي موضوعي يمثله أصحاب مبادئ وقضايا وقيم أخلاقية لكان الأمر جد مختلف، ولساد الاحترام بين الجانبين، إلا أننا للأسف لم نكن نتعامل إلا مع انتهازية سياسية دارجة ومألوفة سرعان ما أدت إلى اضمحلال هذه «القضية» المحبوكة برداءة وانتهاء الجدل السطحي بنجاح المحاولات الالتفافية في عرقلة وصول منيرة فخرو إلى البرلمان، فالوسيلة قد تكون أفلحت والغاية لم تكن إلا الوجه الآخر من عملة الوسيلة المدفوعة الثمن من رصيد الأخلاق والمبادئ في بنك الإقطاع المتحد، ولا داع لطرح هذه القضية مرة أخرى والعودة إلى مربع الجدل الاصطناعي الأول طالما توجد هنالك غاية سياسية دنيئة ترتمي وراء هذه العباءات الأخلاقية، وقد نجح فيلق « حمالات الحطب» في أداء المهمة انتخابيا وبرز بالتالي كتمكين معتبر للمرأة!

وسواء أكنا أمام ألاعيب انتهازية سياسية في حال منيرة فخرو سرعان ما كشفت عن قواعدها المعروفة سلفا، أم انتقلنا إلى المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي الذي كان صاحب الرصيد الأكبر من المكابدة ضد كثير من الألاعيب التي تحولت فيها مؤسسات إلى شبكات فعصابات، وجميعنا يتذكر «المسجات» التي أزهرت بتحذيرات من ولاء عبدالرحمن النعيمي المزدوج لإيران ومن مشروعه الهدام للقيم والأخلاق، حتى إذا ما تمت عرقلة وصول هذا الرجل إلى منصة البرلمان، توقفت جميع تلك «المسجات» وانمحت وامحقت جميع تلك الأزمات والقضايا المثارة، حيث أصبح عبدالرحمن النعيمي رمزا وطنيا مشرقا بمجرد عرقلة وصوله إلى البرلمان، وبمجرد كونه خارج سكة الوصول الانتهازي لتحالف «الدلة» والفناجين المضروب بقرار أتى كالوتد، أو شلة «المتردية» والنطيحة وما أكل السبع والضبع!

وكما أننا في كل السياقات وفي معظم الحالات لم نكن نتعامل مع «مشايخ» و«دعاة» و«كتاب صحافيين» حقيقيين من أصحاب قضايا ومبادئ وقيم، بل متسلقين وانتهازيين وصوليين فاحت روائحهم وأزكمت الأرجاء، فإننا وفي سياق ما يثار بشأن «ربيع الثقافة» نيابيا قد نكون أمام وضع آخر شبيه بالذي عشناه انتخابيا، وتتكرر فيه الوجوه ذاتها إلا أن هناك دافع للإنصاف والحياد الموضوعي لابد أن يدفعنا لممارسة النخل والغربلة الجادة لجميع المواقف النيابية المتحفظة على «ربيع الثقافة»، إذ توجد هناك مواقف نيابية مبدئية معترضة نحترمها على رغم وصائيتها، وذلك لكون أصحابها لم يقوموا بتوجيه سهام التجريح والتشهير إلى مجمل الثقافة والصحافة والمجتمع المدني واكتفوا بوقار الصمت وإيجاز التعبير، في حين توجد أطراف ووجوه أخرى لطالما عرفت بتشرخها أخلاقيا في مجال الممارسة المهنية والتواصل الإنساني، وإفلاسها تعبيريا وسطحيتها ثقافيا، وها هي قد عاودت التسلق على أكتاف الصحافة نحو جنة الوصول البرلماني، وما أن طرح موضوع «ربيع الثقافة» من أعلى حتى ابتهجوا كبدو صحراء هطل عليها مطر غسل همجيتهم وغبرتهم وأنقذ تجردها وقفرها!

واليوم الوجوه ذاتها التي كانت بالأمس أقلاما صحافية ملمعة أضحت تفضل التعامل مع الصحافة والثقافة و«المجتمع المدني» أخذا بمقولة وشعار جاهلي معروف هو « يوما كيوم بدر» ولا تتورع عن التلذذ باستخدام بذيء الألفاظ ضد الجميع بشكل سادي!

وإن كنا نحسب الصحافة والثقافة و«المجتمع المدني» ليست جميعا مقدسة أو معصومة يحرم انتقادها، إلا أننا نرى بأنه من مهازل القدر أن يكون بعض محققي ومفتشي الثقافة ممن لم يحضوا بأي اطلاع أم ملاحظة فنية تذكر، مثلما هم قد عجزوا انتخابيا وأمام الملأ عن التفريق ما بين «الناصري» و«النصراني» فهذا مخالف لشرط أبسط الاطلاع الثقافي العام على الأقل، وبالتالي يشنق أي تخصص محتمل!

كما وإن كان أحد أبرز المحققين والمفتشين ممن اشتهروا بعداوتهم للجنون والمجانين فقالوا محذرين «يود مجنونك حتى لا يأتيك من هو أجن منه» تجاه منافسين انتخابيين آخرين، وهو بالتالي لا يصلح أن يكون محققا لـ «مجنون ليلى» لكونه يحمل نية مبيتة وانحيازا مدونا في ملفاته المكشوفة ضد الجنون والمجانين وربما ضد أعقل العقلاء!

وآخر يرى في مساندته للتحقيق تأتي من منظور «قرش أبيض ينفع في يوم أسود»، فهو الذي لطالما اتهم بكونه غارقا حتى أنفه في وحل اللاأخلاقيات الفندقية الرخيصة، وقد يجد في مشاركته ضد «مجنون ليلى» أو ضد «ربيع الثقافة»، والتي ستدون وتوضع في مطبوع فاخر وملون بعد أربع سنين، خطوة ذهبية مسعفة لابد من استغلالها!

حتما سنكون في غالبية الحالات أمام انتهازية سياسية فجة تعاود إظهار ذاتها في كل موقف ومقام وبألوان شتى، وعلى رغم أنها تدعي المحافظة على الأخلاق والقيم فإنها تكون الأكثر تحللا منها من دون أن تدري!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً