العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ

حشود عسكرية... وجنون سياسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حرب أم لا حرب؟ مفاوضات أم لا مفاوضات؟ سلم أم لا سلم؟ أسئلة مطروحة بقوة على مسرح «الشرق الأوسط». وكل سؤال يحتاج إلى قراءة عمودية وأفقية للتوصل إلى نتيجة منطقية. والمشكلة في المنطقة العربية - الإسلامية وتلك السياسة الدولية أنها تفتقر إلى المنطق. فالمنطق يقول: إن المصلحة تقتضي عدم الاندفاع نحو الحرب. واللامنطق يقول العكس. وبما أن السياسة الأميركية التي تديرها إدارة جورج بوش تفتقر إلى المنطق فإن مروحة من الاحتمالات باتت مطروحة وكلها تعطي إشارات متناقضة.

ميدانيا هناك سياسة تعتمد الحشد العسكري وتجميع القوات البرية في العراق والأساطيل البحرية في مياه الخليج وتدريبات ومناورات متبادلة. سياسة «استعراض القوة» ترسل إشارات بأن الأطراف المعنية غير خائفة ومستعدة للمواجهة والمغامرة والتضحية مهما كلف الأمر.

سياسيا هناك تحركات ميدانية واتصالات ولقاءات وحوارات معلنة أو من وراء الكواليس تشير إلى وجود استعدادات للتفاوض والمقايضة وتبادل المنافع. وهذا الأمر يقلل من المخاوف ويعطي فرصة للاستقرار ويوفر مغامرة على منطقة تعاني من الإحباط والفوضى.

كيف يمكن قراءة هذا التعارض بين الميداني والسياسي؟ وما الوسائل المنطقية التي يجب اتباعها لتفكيك المشكلة وإعادة تركيبها؟

القراءة صعبة وخصوصا أنها تتعرض لمعلومات غير دقيقة تطلقها قوى متنوعة الآراء وتتجاذبها مصالح من الصعب توحيدها في سياق منهجي موحد. روسيا مثلا أطلقت معلومات صحافية واستخباراتية تؤكد أن الولايات المتحدة تخطط لهجوم جوي - صاروخي في 6 أبريل/ نيسان الجاري لمدة 12 و24 ساعة يستهدف مواقع التخصيب النووي والتصنيع العسكري. وألحقت المصادر الروسية معلوماتها بإضافات أكدت أن الهجوم سيحصل في ليل 6 أبريل وسينطلق من المطارات العسكرية في أذربيجان الواقعة على الحدود الشمالية الغربية من إيران. المعلومات الروسية تكررت أكثر من مرة وعلى أصعدة مختلفة خلال الأسبوعين الماضيين... كذلك نفتها واشنطن مرارا مؤكدة أن خيار الحرب ليس مطروحا الآن ولن تلجأ إليه أميركا إلا بعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية والسياسية.

6 أبريل يعني بعد يومين. فهل أصبحت الولايات المتحدة جاهزة ميدانيا لشن هجوم محدود ومدمر بعد غدٍ؟ سؤال محير، ولكنه يدفع إلى الشك. ويرجح أن تكون المعلومات سربت للاختبار والتخويف أو الضغط النفسي على قيادة إيران ودفعها إلى التنازل أو التفاوض تحت سقف التهديد بضربة جوية - صاروخية.

احتمال الابتزاز مسألة واردة باعتبار أن الولايات المتحدة تؤكد يوميا أنها لم تستكمل استعداداتها الميدانية. فالقوات البرية الإضافية التي قررت إرسالها إلى العراق وصل حتى الآن النصف منها. والنصف حُشِدَ في بغداد وجوارها بقصد تنفيذ الخطة الأمنية لا بهدف فتح جبهة عسكرية جديدة. كذلك تقول واشنطن: إن الحشد الإضافي خطوة مؤقتة وإن القيادة تفكر في سحب الزيادة في القوات البرية في شهر أغسطس/ آب المقبل.

هذا بريا. أما بحريا فإن القيادة الأميركية أعلنت إرسال حاملة الطائرات النووية «يو. إس. إس. نيمتز» إلى مياه الخليج وأنها ستصل إلى هناك بعد أسبوعين (18 أبريل) لتحل مكان حاملة الطائرات «يو. إس. إس. ايزنهاور». الإشارة واضحة وهي أن واشنطن تستبدل قواتها ولا تطمح إلى حشد المزيد من الأساطيل. وبما أن الحاملة البديلة ستصل بعد 15 يوما ولن تبقى إلى جانب الحاملة الموجودة فمعنى ذلك أن أميركا لا تنوي الحرب ولا تخطط لها في 6 أبريل.

الابتزاز موضوع وارد إذا وهو يشكل قوة ضغط نفسية تستدرج إيران إلى التوتر والاستنفار وربما دفعها نحو ارتكاب أخطاء تعطي ذريعة لواشنطن لحشد التأييد الدولي وربما الإقليمي إلى جانبها وتكون كافية سياسيا ودبلوماسيا لتغطية أية ضربة هجومية مخطط لها سلفا.

الحرب خدعة

لكن ماذا عن الخدعة في الحرب؟ احتمال الخدعة من التكتيكات المشروعة في كل الحروب. فالخصم لا يسرّب معلوماتٍ للخصم كذلك لا يحدد مواعيد للهجوم وأيضا لا يتحدث علنا عن حشود برية في العراق وبحرية في الخليج واستعدادات ومناورات تدريبية في بحر العرب وعلى حدود إيران من جهة أذربيجان. ما القصد إذا من وراء تسريب كل هذه المعلومات ثم إلحاقها بالنفي وإعادة التأكيد أن خيار الحرب غير وارد الآن؟

فعلا توجد مشكلة هنا. فالرد يحتمل التناقض. فهو يرجح مرة أن المعلومات للتخويف والابتزاز وزعزعة استقرار إيران من الداخل والتشويش عليها. وأيضا يرجح مرة أخرى أن تكون المعلومات صحيحة وأن نفي الولايات المتحدة احتمال وقوع الحرب قريبا مجرد خدعة تستهدف تطمين قيادة طهران في وقت يكون قرار الهجوم اتخذ.

أي احتمال يمكن ترجيحه؟ فعلا المسألة صعبة؛ لأنها أساسا مفتوحة على جهات مختلفة وتحتاج إلى معلومات دقيقة لا يعرفها سوى أصحاب القرار وتلك الحلقة الضيقة المحيطة بالرؤوس الكبيرة والعالية.

في المنطق العسكري الحشد نصف حرب. أما في المنطق السياسي فقد يعني أشياء كثيرة منها أن الولايات المتحدة تملك معلومات دقيقة عن قدرات إيران العسكرية وهي مرتاحة سلفا لنتائج أية مواجهة نظامية بين الطرفين. وبما أنها هي الطرف الأقوى في المعادلة وتستطيع متى تشاء تحطيم إيران وتدمير مؤسساتها والبنى التحتية في ساعات وأيام... فلا بأس إذا من تسريب المعلومات وتهريب الأخبار عن حشود واستعدادات وتدريبات ومناورات وعن انتقال حاملات وذهاب حاملات بديلة. فهذه المعلومات والأخبار سواءٌ أكانت صحيحة أم كاذبة فهي في النهاية لن تؤثر على المعادلة التي ترجح قوة أميركا بشكل كاسح وحاسم.

الولايات المتحدة التي تمر في فترة ضعف في العراق وارتباك في العالم وتوتر في أميركا، تتصرف مع إيران من موقع الأقوى والقوة العظمى التي تملك الإمكانات والقدرات والوسائل والمعدات والتجهيزات والأموال... وهي عناصر تفوّق تساعد على كسر المعادلات وإعادة تكييف التوازنات وفق سياق مغاير لتلك المشاهد التي نراها يوميا على محطات التلفزة والفضائيات.

أميركا تملك معلومات دقيقة وكافية عن قدرات إيران العسكرية في حين لا تملك إيران تلك المعلومات. وبناء على هذا تناور الولايات المتحدة، وهذا هو منطق اللامنطق الذي تتصرف إدارة بوش في ضوء انعكاساته السلبية والايجابية وما ترسله من إشارات متضاربة ومعلومات غامضة ومواعيد مؤكدة وغير محتملة. وبسبب هذا الجنون المنطقي تشهد المنطقة ذبذبات سياسية تتحدث تارة عن اتصالات بريطانية/ إيرانية بشأن البحارة وعن مفاوضات أميركية/ إيرانية تشمل بعض النقاط، وطورا تتحدث عن تأسيس خطوات دبلوماسية ستفتح الطريق لتحسين العلاقات مع دمشق وطلب مساعدتها في الملفات العراقية والفلسطينية واللبنانية وأضيف أخيرا إلى رزمة المساعدات السورية الملف الإيراني.

حرب تنتهي إلى دمار أم مفاوضات تؤسس للسلام؟ أسئلة مرعبة وتنتظر أجوبة لاتزال حتى اللحظة مجهولة أو مخفيّة وراء الكواليس. فالولايات المتحدة تحشد ميدانيا وتبدي استعدادها للتفاوض ضمن شروطها السياسية وتحت سقف القرارات الدولية. وإيران تستعد ميدانيا وتظهر ليونة في التفاوض السياسي على شرط ألا تكون التسوية على حساب حقوقها ومصالحها ونفوذها ودورها الإقليمي.

كيف ستسير الأمور؟ وإلى أين ستتجه الرياح؟ لا جواب قاطعا. 6 أبريل ليس بعيدا كذلك 15 أبريل و18 أبريل أو نهاية أغسطس. فالمواعيد ليست مهمة مادامت النتيجة واحدة بالنسبة إلى القوى العظمى. إنه اللامنطق الذي يدفع العالم إلى حافة الجنون السياسي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً