العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ

يوم غد... ليس بعيدا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تصح التوقعات الاستخباراتية الروسية وتقوم الولايات المتحدة غدا بتوجيه ضربة عسكرية جوية - صاروخية للمؤسسات الحيوية والصناعية الإيرانية؟ المؤشرات الميدانية والسياسية لا ترجح هذا الاحتمال. فأميركا نفت مرارا هذه المعلومات وأكد أكثر من مسئول عدم وجود نية الآن باتخاذ مثل هذا القرار. تل أبيب بدورها كررت نفيها لصحة المعلومات الاستخبارية الروسية بل اتهمت موسكو بأنها تقف وراء هذه التسريبات الصحافية بهدف جرجرة المنطقة إلى حرب مفتعلة ويمكن الاستغناء عنها. وبرأي المصادر الإسرائيلية أن أميركا ولا «إسرائيل» تفكران أو تخططان للحرب، ولكنها تخوفت من استعدادات إيرانية وسورية ولبنانية (حزب الله) لخوض حرب دفاعية ضد هجمات تتوقع أن تقوم بها واشنطن وتل أبيب في الصيف المقبل. وأرسلت تل أبيب إشارات تطمين لدمشق وطهران وحزب الله من خلال الوفود والوسطاء تؤكد على أن خطط الحرب غير موجودة لا في الماضي ولا في المستقبل. المترشح اليميني المتطرف (تيار المحافظين الجدد في طبعته الفرانكوفونية) نيكولا ساركوزي على انتخابات الرئاسة الفرنسية أكد في خطاب عاصف له أن الحرب غير واردة. وأشار إلى أن معلوماته المؤكدة تقول: إنه ليس هناك من حرب لا أميركية ولا بريطانية ولا إسرائيلية.

هذا الإجماع السياسي الأميركي (البريطاني) والفرنسي والإسرائيلي على عدم وجود نية في إشعال حرب جديدة لا ضد سورية ولبنان (حزب الله و ما تبقى من بنى تحتية للدولة) ولا ضد إيران يرجح الاحتمال بأن التوقعات الروسية قد تكون صحيحة في التحليل عموما ولكنها غير دقيقة في تحديد موعد الهجوم غدا في الفجر أو في الليل.

إلى هذا الإجماع السياسي يمكن الانتباه إلى تصريح أدلى به أمس الأول نائب رئيس الوزراء الروسي بشأن احتمال توجيه ضربة أميركية - إسرائيلية لإيران. التصريح الروسي شديد اللهجة وقيل قبل يومين من الموعد وجاء في إطار الرفض وصولا إلى التذكير بأن إيران تقع على حدود روسيا وبأن موسكو لن تقبل بصورة حاسمة وقاطعة قيام أي تحرك عسكري يعرض مصالحها للخطر.

قراءة تصريح نائب رئيس الوزراء الروسي مرة ثانية ضرورية لفهم المخاوف وردة فعل موسكو على مثل هذا الاحتمال. فالكلام قوي في وضوحه وتوجهاته وهو لا يحتمل الجدل أو التأويل لأنه أشار بشكل حاسم وقاطع إلى أن الكرملين سيتعامل مع هذا الاحتمال بأسلوب جديد ومغاير ويختلف عن ذاك الذي بدر منه خلال اجتياح أفغانستان في 2001 وغزو العراق 2003.

الموقف الروسي الرافض يعتبر نقطة تحول أو على الأقل خطوة إضافية تؤشر على بدايات سياسية يمكن أن تعيد ترسيم خطوط التماس الدولية في منطقة «الشرق الأوسط». هذه البدايات تحتاج إلى وقت لتستقر على ثوابت استراتيجية تحدد معالم الطريق في الأسابيع والأشهر المقبلة. وفي حال تمسكت موسكو في هذه البدايات واجتهدت في تطويرها سياسيا يمكن القول آنذاك إن المنطقة خرجت من عنق زجاجة التهديد العسكري وخطت خطوة مهمة باتجاه تداول الملفات الساخنة بعقل بارد وفي ضوء توازن المصالح الإقليمية و الدولية.

حتى الآن لاتزال إدارة جورج بوش تعاند الوقائع وترفض التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية وفق رؤية استراتيجية تختلف عن تلك التي اتبعتها في السنوات الست الماضية. فالرئيس بوش لم يخرج حتى اللحظة من أوهام تيار «المحافظين الجدد» وسياسة التقويض من الخارج وتعديل الموازين من فوق وصنع الحلول من خلال استخدام الحطام وإعادة تشكيل الدول بعد تدمير بناها التحتية. هذه السياسة التي اتبعتها واشنطن بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ساهمت في زعزعة الاستقرار، وجذبت إلى المنطقة المزيد من الفوضى والإرهاب، وبددت الثروات، وشجعت السرقات، وأثمرت الفساد، وأورثت الدول جاذبيات طائفية ومذهبية. وهذا النوع من السياسة تأسس على مجموعة فرضيات خاطئة ومعلومات غير ناضجة عن جغرافيا المنطقة وأخبار غير متكملة عن تاريخها. والسياسة التي تتأسس على نظريات تافهة وبائخة لا تنتج سوى معادلات تافهة وبائخة.

سلوك شوفيني

المشكلة في الإدارة الأميركية أنها تتعامل مع المنطقة بأسلوب شوفيني وفوقي وتتعاطى مع القوى المحلية والإقليمية من موقع القوة العظمى التي توجه التعليمات وعلى الجميع أن يلتزم الأوامر. ومثل هذه المشكلة من الصعب تجاوزها بسهولة مادامت إدارة بوش ترفض إعادة قراءة ملفات المنطقة بمنهجية نقدية. وكل ما فعلته الإدارة بعد تلك الصفعة التي تلقتها في الانتخابات التشريعية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنها اعترفت بارتكاب أخطاء وقررت تصحيحها بزيادة القوات البرية في العراق والبحرية في مياه الخليج. وهذا السلوك يعني أن إدارة واشنطن لاتزال متمسكة في نهجها السابق ولاتزال تتعامل مع الملفات الساخنة من زاوية أمنية وليست سياسية.

هذا السلوك الملتوي يمكن قراءة الكثير من تفصيلاته سواء على مستوى رفض اخذ توصيات بيكر - هاملتون في الاعتبار أو على مستوى التعامل مع نتائج الانتخابات الأميركية باحترام. فالرئيس بوش قدم بدائل وتحايل على الوقائع وانتهج سياسة الهروب إلى الإمام فقرر إعادة احتلال العراق بدلا من الاعتذار من الشعب وما سببه الغزو من دمار وخراب ونهب وسرقة واستنزاف ثروات البلاد وتشريد سكانها وتوزيعهم على مناطق صافية طائفيا ومذهبيا.

مضى نحو 5 أشهر على الانتخابات التشريعية النصفية ولايزال الرئيس بوش يعاند الوقائع ويستأنف سياسة كشفت عن الكثير من السلبيات في موقع أميركا الدولي ودورها الإقليمي في «الشرق الأوسط». فهذا الرئيس يراهن على حكومة نوري المالكي لإنقاذه من الورطة ويخطط معها لتنفيذ مشروع أمني في بغداد والمحافظات التي يرى أنها تقاوم الغزو وساهمت في إفشال هجومه التقويضي على المنطقة. كذلك يراهن على تكتيكات وزير الدفاع روبرت غيتس الاستخبارية ويرى أنها كفيلة بوضع حد لنفوذ دول الجوار في بلاد الرافدين. وأيضا وهذه طامة كبرى يصر على أن مصير خططه سيكون النجاح، ولذلك يتهرب من تحديد موعد للانسحاب حتى لو تأجل البدء في تنفيذه إلى ربيع 2008.

كل هذه التصرفات تشير إلى أن الرئيس بوش لم يتوصل إلى قناعة سياسية تفرض عليه إعادة قراءة الملفات وفق منهجية متواضعة تتناسب مع النتائج الكارثية التي لحقت بالمنطقة. أفغانستان تحطمت في العام 2001 ولاتزال قوات الاحتلال تقاتل «طالبان» في جبال تورا بورا. العراق تدمر وقوضت دولته وتناهش الاحتلال ثروته وتعاطى الغزاة مع بلاد الرافدين كغنيمة حرب ولايزال بوش يراهن على حكومة المالكي ويطلب منها المساعدة لإنجاح خطته الأمنية. ولبنان تقطعت أوصاله في 2006 وقذف العدوان بأبناء بلاد الأرز إلى الشوارع لممارسة التراشق السياسي وتبادل الاتهامات. الآن وبعد خسارته في الانتخابات يجدد الآمال باحتمال تصويب السياسة من خلال توسيع دوائر العدوان.

مشكلة سياسة إدارة بوش أنها تحتاج إلى قراءة غير منطقية. فالأزمة التي يعاني منها هذا الرئيس تطورت الآن وانتقلت نسبيا من الخارج إلى الداخل. والضعف المرضي الذي تعاني منه سياسة الرئيس لم تعد تقتصر على مسلكيات العدوان وآثاره المدمرة في أفغانستان والعراق ولبنان وإنما امتدت أعراض السياسة الدولية إلى الداخل الأميركي. فالضعف الذي اخذ يضغط على إدارة بوش وبدأ يؤدي إلى نوع من الشلل السياسي لا يبتعد عن «البيت الأبيض» سوى مئات من الأمتار. المشكلة أصبحت في واشنطن إلى حد كبير ولم تعد تقتصر على كابول وبغداد وغزة وبيروت. ومشكلة بوش لم تعد تتلخص في تلك الحرب الوهمية على «شبكة إرهاب دولية» مفتعلة ومضخمة لتبرير موازنات الاعتداءات بل أخذت تتجمع وتتركز في الكونغرس ومقاعد النواب ومجلس الشيوخ.

نقطة ضعف بوش تتمثل الآن في الكونغرس ومنافسة الحزب الديمقراطي وأزمة الحزب الجمهوري وحركة احتجاج الناخب الأميركي واعتراضه على استراتيجية أسفرت عن مجموعة أصفار بكلفة مئات المليارات من الدولارات.

نقطة الضعف هذه يتجاهلها بوش ويتحايل بشأنها ويحاول الرد عليها بالهروب إلى الأمام وتأليف أعذار واصطناع أزمات. فهل تصح التوقعات الاستخباراتية الروسية عن وجود خطة هجوم جديدة ستشنها القوات الأميركية المنتشرة في الخليج ومحيطه غدا أم أن معلومات موسكو مجرد تحليلات لسياسة مجنونة وغير مفهومة تقودها إدارة تعاني من حرب داخلية يقودها الكونغرس ضد البيت الأبيض؟ يوم غد ليس بعيدا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً