العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ

فيلم «ألفا دوغ» يروي سيرة عائلات أميركية ممزقة

فيلم «ألفا دوغ» الذي يعرض حاليا في سينما السيف يتناول قصة وقعت حوادثها في لوس انجليس في العام 1999. وحتى يعطي المخرج ذاك الإطار التوثيقي للسيناريو يبدأ بمقدمة تصور مشاهد أطفال يلعبون ويضحكون وينتهي بمشهد يصور مقابلة مع أم فقدت ابنها الشاب الصغير (15 عاما) لسبب تافه لا علاقة له به.

البداية والنهاية ربطت دراما الشريط السينمائي الذي ينطلق من حادث وقع في ولاية كاليفورنيا وحتى الآن لاتزال المطاردات والمحاكمات جارية لمحاسبة القتلة.

القصة لا تتحدث عن عصابة من المجرمين وإنما تروي للمشاهد كيف يمكن ان تتحول شلة من الأصدقاء إلى عصابة؟ وكيف يمكن أن يؤدي المزاح وقلة الخبرة وعدم إدراك مخاطر كل لعبة إلى جريمة كبيرة يعاقب عليها القانون ويصدر بشأنها أقسى الأحكام؟

فكرة الفيلم المركزية لا بأس بها. فهي تبدأ بتقديم تصور شامل عن نمط حياة عائلات تنتمي اجتماعيا إلى طبقات وسطى تعيش حياة مرفهة خالية من المسئولية والالتزام الخلقي. وعادة تتشكل طبقة هذه الأسر بسرعة وسهولة وتتقدم في حياتها الاستهلاكية بأسلوب عشوائي ورغبتها في البذخ وطموحاتها غير الواقعية على مصادر غير شريفة. والدخل غير الشريف يرسم السلوك غير الشريف. ومن يكسب المال بسرعة ومن دون تعب ينفقه بالسرعة ذاتها. فالسهولة في تأمين المال تفتح الباب أمام السلوك الملتوي والمخادع الذي بدوره يدهور العائلات ويورط الأبناء في مكائد صعبة ومزالق خطيرة. فالمال الوفير لا يوفر بالضرورة السعادة وإنما يجلب الانحطاط والانهيار الأسري والكوارث الاجتماعية.

من هذه الفكرة المركزية ينطلق مخرج «ألفا دوغ» ليروي مأساة ذاك الشاب الصغير الذي لقي مصرعه على يد شلة من الأصحاب قررت أن تخطفه للضغط على شقيقه الكبير الذي شاركها في لعبة تهريب مخدرات ورفض دفع مبلغ 1200 دولار لرئيس الشلة.

يقدم المخرج في مشاهده الأولى لمحة عن تلك العائلات. فهذا الشاب (رئيس الشلة) ابن مهرب مخدرات يستخدمه والده لتسويق البضاعة وتهريبها أو توزيعها بين الطلبة. وذاك الشاب الضحية هو ابن عائلة ميسورة تعاني من أزمة اجتماعية سببها طلاق الأب من الأم وزواجه من امرأة أنجبت له الولد الضحية. هذا الولد وديع وعاقل ولا يعرف الكثير عن عالمه الخارجي وذاك المحيط العنيف الذي انخرط به شقيقه الكبير العنيف من زواج والده الأول.

إلى هؤلاء الثلاثة هناك مجموعة من الأصدقاء لكل منهم قصته العائلية. فهذا مشرد وذاك هارب والآخر يعاني من أزمة وغيره يعيش في جو غير سوي. كل هؤلاء اجتمعوا في مشاهد مشتركة تصور حفلات الرقص والشرب وتدخين الحشيشة والماريغوانا. فهناك عدم مسئولية وبساطة في الحياة العامة وعدم احترام للآخر. وكل هذه السلبيات جاءت بسبب سوء التربية وقلة التهذيب أو إهمال الأب في رعاية أولاده أو تهرب الأم من تحمل المسئولية. وأساس سوء التربية جاء من المال المجمّع من أسواق المخدرات وهو وفير إلى حد انه يزيد عن الحاجة ويدفع بأصحابه إلى البحث عن السهرات والحفلات والمحرمات على أنواعها لإنفاقه في حياة طائشة ولا حدود لتجاوزاتها.

هذه المجموعة الطائشة شكلت عصابات شللية تنسق أعمالها وتوزع أدوارها لتهريب الشحنات وتوزيع المخدرات وثم جمع مالها وإعادة تقسيمه وفق نظام الحصص والمراتب والأولويات. وبسبب كثرة المال انحرفت هذه الشلل وأخذت تتصرف مع الحياة بعبث وعدم مسئولية وقلة اكتراث للقانون والنظام العام.

المال الذي يأتي هكذا يذهب هكذا. إلا ان المخرج ربط هذه الفكرة المركزية بتلك المأساة التي وقعت في 1999 وأودت بحياة الشاب الصغير الذي خطف لابتزاز شقيقه الكبير والعنيف بقصد الضغط عليه لتسديد مبلع أنفقه على صفقة فاشلة.

تبدأ القصة عفوية وكأنها لعبة أطفال ولكنها تتحول إلى كارثة. الخاطفون مثلا كشفوا وجوههم. والرهينة لم تتعرض للإهانة والضرب بل عاشت حياة اللهو والتسلية وانخرطت بالشلة. وبسبب قلة الخبرة وعدم توقع الأسوأ اكتشفت الشلة أنها تورطت في مشكلة قانونية كبيرة قد تؤدي إلى سجن الخاطفين فترات طويلة وربما مدى الحياة.

هنا بدأت الشلة تفكر بإخفاء معالم خطأ الخطف. ولكن كيف؟ فالشاب الصغير طيب وبسيط ومتعلق بأهله ولا يعرف الكذب والخداع وهو أيضا غير مقنع وبات على علم بأسماء الخاطفين وعلى علاقة طيبة معهم. ولهذا خافت الشلة من كشفها في حال سلمته إلى الشرطة أو أعادته إلى أهله. وبناء على هذه المخاوف قررت التخلص منه بقصد إخفاء معالم الجريمة. مشهد نقل الشاب الصغير إلى المكان الذي قررت الشلة قتله فيه مؤلم جدا. فالصورة قاسية ومؤذية للمشاعر ولكنها في النهاية كانت تنقل إلى المشاهد ما حدث فعلا.

بعد القتل تنكشف المخالفة على جريمة أكبر من الخطف. وهكذا تبدأ ملاحقات الشرطة وتنفضح أسرار تلك العائلات التي تكسب المال بأساليب ملتوية وتربي أسرها بطرق غير سوية تنتج في النهاية تلك الحياة السهلة التي تركض وراء الاستهلاك للتخلص من ذاك المال الوفير.

إنه إذا عالم من دون قيم لا يحترم القانون ولا يقدر قيمة الحياة ولا يعرف مصادر الرزق الشريف. ومثل هكذا عالم يؤسس تلك الأسر المفككة والممزقة حيث الأم تعيش في مكان والأب في مكان، وحيث يمارس كل طرف ما يشتهيه من حفلات مجون وسهرات خمر ومخدرات. ولكن هذا العالم الذي يسبح على المال الوفير لا يدرك تعقيدات الواقع ولا يكترث بالصعوبات ولا يتمتع بالذكاء أو يملك ذاك البعد الاجتماعي الذي يلجمه ويضع له الثوابت التي تتحرك تحت سقف القانون. فمن يخالف القانون بتهريب المخدرات يخالفه أيضا بالخطف وصولا إلى قتل الرهينة خوفا من الفضيحة.

قتل الرهينة أنهى الشلة التي انفضحت بسهولة لسبب بسيط وهي إنها قامت بفعلتها للتسلية وكشفت عملها أمام 38 شاهدا. نهاية الفيلم كانت مؤلمة ولذلك لجأ المخرج إلى توثيق اللحظات الأخيرة حين نقل تلك المشاهد المصورة مع الأم التي كانت تتحدث عن ابنها الضحية الذي خسرته لسبب ليست له علاقة به...

المشاهد الموثقة في البداية والنهاية أعطت الفيلم تلك الجدية ونقلته من سيناريو يتخيل وقائع لم تحصل إلى شريط سينمائي يسرد تفصيلات حادث وقع.

العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً