حصل فيلم «البحريني الأخير» (The Last Bahraini) أخيرا على جائزة لجنة التحكيم من مسابقة أفلام من الإمارات التي نظمت في الفترة 7-13 مارس/ آذار الماضي. الفيلم لم ينتزع اعجاب لجنة التحكيم وجمهور المهرجان فقط، لكنه حقق نسبة مشاهدة عالية على موقع youtube.com، وهو واحد من أشهر مواقع أفلام الانترنت.
فريد الخاجة مخرج العمل الذي سعد بفوزه هذا، فاجأ جمهوره من البحرينيين هناك حين تحدث عن فيلمه، وإذ أكد رغبته في ايصال رسالة مغايرة تماما، لما استنبطها معظم جمهوره من البحرينيين. الخاجة يتحدث مع «الوسط» في لقاء توجب ان تجريه «الوسط» عبر الشبكة العنكبوتية بسبب ظروف اقامته في الشارقة إذ يدرس في الجامعة الأميركية هناك.
بالنسبة إلى كثير من المشاهدين يبدو فيلمك وكأنه يتحدث عن التجنيس، لكنك في ردك على أحدهم عبر أحد المواقع الالكترونية، نفيت ذلك، وأكدت أنه فيلم يتحدث عن العنصرية. فما هي حقيقة القضية التي تناقشها، وهل تتخذ موقفا من التجنيس في هذا الفيلم؟
- نعم كان ذلك على موقع يوتيوب حين كتب أحدهم شيئا عن كون فيلمي يتناول قضية التجنيس، وكانت تلك هي المرة الأولى التي اسمع فيها شيئا كهذا، أصبت بصدمة من أن يتوصل أحدهم الى مثل هذا التفسير. بالنسبة إلي الفيلم يتحدث عن بحريني يعاني ويجبر على أن يعيش حياته كلص غير محترف. يدخل في محاورة مع سائق سيارة أجرة هندي، يعيش في البحرين وينعم بحياة أفضل من البحريني. اللص، الذي يصاب بغيرة بالغة بسبب ذلك، لا يزال يرى نفسه أفضل من سائق الأجرة، فقط لأنه ينتمي لعرق مختلف، لكن تتغير الأمور حين يخرج سائق السيارة جوازه البحريني.
بالنسبة إلي لا أجد في حصول هذا الهندي على جواز سفر بحريني عدم انصاف من قبل الحكومة تجاه مواطنيها. أنا أعتقد أن الهندي يستحق الجواز فعلا، فبعد أن عاش في البلد لسنوات كثيرة واستفاد من اقتصادها، فإنه من المنطقي أن يستحق مثل هذا الشخص أن يعطى امتيازات كتلك التي يحصل عليها من ولدوا بحرينيين. في حين أن معظم البحرينيين يحصلون على الجواز عن طريق الصدفة إذ إنهم ولدوا من والدين بحرينيين، وليس عن استحقاق وجدارة.
أخيرا ينتهي الفيلم بأن نشاهد اللص وهو يسير في أحد المحلات التي حاول سرقتها في بداية الفيلم، وذلك للحصول على عمل فيه، إذ يلاحظ في النهاية أنه يتوجب عليه أن يكسب رزقه بالطريقة نفسها التي فعلها السائق. الأمر الذي لم يلاحظه كثيرون ممن شاهدوا الفيلم هو أن موظف المحل الذي يوظف البحريني أسيوي أيضا.
أثناء مشاركتي في مسابقة أفلام من الإمارات، كان هناك الكثير من البحرينيين الذين اعجبوا بالفيلم لكنهم انتهوا بتفسيرهم بشأن التجنيس. حين شرحت وجهة نظري لبعضهم أصبحت غير محبوبا من قبلهم. الأمر الذي أثار اهتمامي هو أن معظم غير البحرينيين الذين شاهدوا الفيلم لم يأتوا بتفسير التجنيس، بل وجدوا الفيلم يتحدث عن العنصرية وهو ما قصدته تماما. أعتقد أن اخراج الهندي للجواز، ربما، هو ما جعل أذهان المشاهدين البحرينيين تتجه إلى التجنيس، وحينها أصبح اللص ضحية.
كيف ظهرت فكرة الفيلم لديك؟
- جاءتني الفكرة من موقف حدث لي مع أحد الأصدقاء يوما، وذلك حين كنا في أحد المطاعم نطلب السندويتشات فأخطأ الطباخ في طلبي، فما كان من صديقي إلا أن ذهب الى مطبخ المطعم ونهر الطباخ وعامله باحتقار شديد. صديقي كان يشعر أنه أفضل من هذا الطباخ الهندي فقط لأنه بحريني، وذلك ما أحزنني كثيرا، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم.
لماذا اخترت أن تعرض فيلمك على موقع يوتيوب؟
-عرضت الفيلم على يوتيوب لأن الممثل الذي عمل معي ألح عليّ بذلك، كذلك لدي صديق في كندا أقنعني بوضع الفيلم على الموقع لكي يتمكن من مشاهدته إذ لم تكن هناك وسيلة أخرى أوصل بها الفيلم إليه.
هل كنت تريده فيلما مفتوحا لتأويلات المشاهدين، ليستبنط كل منهم الرسالة التي تود إيصالها بشكل مختلف؟ وهل تعتقد أن صانعي الأفلام مسئولين عن كل التفسيرات التي يقدمها الجمهور لأفلامهم، في حالتك هل أنت مسئول عن الفكرة التي يستنبطها الجميع من فيلمك؟
- نعم أعتقد أن كل شيء يقع على أكتاف المخرج، فهو يتحمل مسئولية أي خطأ يقع، بما في ذلك التفسيرات التي تتناقض مع رسالة الفيلم. لكني في الوقت ذاته أعتقد أنه يتوجب على المخرج السماح لمشاهديه بتقديم تفسيراتهم، وهذا ما فعلته حين قمت بسحب ملاحظتي تلك التي كتبتها على موقع يوتيوب. الفيلم فيلمي حين أعمل عليه فقط، وحين انتهي منه، يصبح ملك الجمهور. عموما، اعتقد أن رسالتي وصلت لمعظم زملائي المخرجين وأساتذتي في مجال صناعة الأفلام وحتى لعامة الجمهور، لكن المشكلة التي واجهتني كانت في إيصال الرسالة للبحرينيين.
ألا يقلقك أن يحمل البعض تفسيرا مختلفا لفيلمك عن ذلك الذي قصدته، بل انه تفسير متناقض تماما فأنت تتحدث عن حقوق الأجانب، بينما يعتقدك الجميع تهاجم التجنيس، وأنت في الواقع لست ضد التجنيس لمن يستحقونه على الأقل، وفيلمك ينقل رسالة لأولئك الذين يعارضونه عموما. هل يقلقك أن يوجه إليك أي طرف لوما بسبب وجهة نظرك هذه؟
- نعم، لأن جمهوري المقصود هم البحرينيين، وأنا شعرت أنني فشلت في ايصال رسالتي إليهم. ربما أضعف جانب الفكاهة في الفيلم قدرتي على ايصال الرسالة، لكني عموما لا أحب تقديم أفلام واعظة للمشاهدين لأن ذلك أمر مزعج.
في المقابل، أنا ألوم انتقائية المتفرجين البحرينيين، الذين امتنعوا عن التفكير في أي شيء آخر لا يتفق مع توجههم ذاك وذلك من دون أي وعي منهم. في بعض الأحيان أقول ساخرا إنه لو كان فيلم عاطفة المسيح (The Passion of the Christ) أكثر ظرافة، لاعتقد اليهود أنه فيلم مناصر لهم.
كم استغرق منك العمل على الفيلم، أي أنواع الكاميرا استخدمت فيه، من هم ممثليك، وهل هي أول أفلامهم؟
- قصة هذا الفيلم ظلت في ذهني لما يقارب العام، النص كان جاهزا منذ فترة طويلة وقمت بإعادة كتابته ثلاث مرات. والآن حين أعود بذاكرتي إلى الوراء، أشعر أنه كان بامكاني عمل كتابة رابعة لتقديم نص أكثر انصافا.
استغرق تصوير الفيلم يومين، بينما تطلب عمل المونتاج ثلاثة أيام، صورته بكاميرا كانون Canon XH-A1 وهي كاميرا رائعة. على أية حال لا أعتقد أن الكاميرا هي ما تصنع الفيلم، لكنها بكل تأكيد تساعد على صناعة فيلم جيد خصوصا إذا شعر المتفرجون بذلك وهو ما يجعلهم يتعاملون مع العمل بجدية أكبر.
لعب دور اللص حمد البنعلي وهو أحد أصدقائي المقربين، وهي المرة الأولى التي يمثل فيها، وقد ندم على مشاركته ليّ بداية، لكنه الآن أصبح مشهورا بفضل موقع يوتيوب، كما أنني حصلت على إشادات كثيرة بسبب ادائه من قبل اساتذتي.
أما دور سائق الأجرة، فقد لعبه أمير حسين، وهو حارس في مجمع يعيش فيه أحد أصدقائي. أدهشني بأدائه الرائع الذي فاق كل التوقعات.
ماذا عن فيلمك الأول (Happy People) الناس السعداء؟
- كان ذلك تجربة أولى بالنسبة إلي من الناحية التقنية، وهو يتحدث عني وعن شقيقي التوأم الشرير الذي قتل والدي، وهو الذي يتحداني الآن ويطلب مني الدخول معه في مباراة ملاكمة. صورت الفيلم بأكمله في غرفتي، وعملت مباراة الملاكمة مع نفسي مستخدما شاشة خضراء. تقنيا، كان الفيلم سيئا للغاية، لكني تمكنت من الحصول على الكثير من الضحك من مشاهديه، وكانت تلك تجربتي الأولى مع ما يسمى بتقنية الكروما كيينغ (chroma keying) (تقنية الشاشة الخضراء). الفيلم تسبب لي باحراج كبير اتذكر بعض اللقطات التي لم أقم بعمل مونتاج لها والتي ظهرت في الفيلم وكانت تصورني وأنا ألاكم الحائط.
هل تنوي أن تواصل عملك في مجال صناعة الأفلام، أم أن ذلك سيكون بمثابة هواية لك؟
- كلا الأمر ليس هواية بالنسبة لي، أنا بدأت كحالم وعملت بجد حتى تمكنت من تحقيق شيء يصعب عليّ الوصول إليه وهو أن أكون الأفضل. أذكر أنني تحدثت مع والدي منذ نحو العامين بشأن مواصلة دراستي في مجال صناعة الأفلام, لكنه رفض في الحال. ولذلك صار هدفي أن أثبت له أنني جاد في ذلك عن طريق فوزي في مسابقتي أفلام. الحمد لله تمكنت من أن أفوز بجوائز لفيلمي الأول Happy People الناس السعداء (2006) والبحريني الأخير (The Last Bahraini) 2007 ،أنا سعيد لأن والدي الآن يدعمني في قراري ذلك. كذلك شاركت في مسابقة أفلام من الامارات لأثبت لنفسي أن لدي قدرة على سرد التفاصيل أفضل من كثير من المخرجين الآخرين.
امكانات فريد في مجال صناعة الأفلام تفوق أعوام عمره الذي لا يتجاوز الحادية والعشرين، وطموحه بتطوير تلك الامكانات يتجاوز الاختلافات في وجهات النظر، حتى وإن تعلقت بموضوع شديد الحساسية كالتجنيس. الخاجة هو كفاءة بحرينية شابة استطاعت أن تثبت وجودها ولذلك تستحق كل رعاية وتشجيع.
العدد 1693 - الأربعاء 25 أبريل 2007م الموافق 07 ربيع الثاني 1428هـ