العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ

إكليل زهور... توج مهرجان مسرح أوال الثالث

تنوعت ألوانه وعطوره بتنوع مبدعيه

قدم مسرح أوال سبع ليال متميزة، لا نقصد بها مسرحية «سبع ليالي» التي عرضت في الليلتين الأوليين لمهرجانهم المسرحي الثالث فحسب، وإنما الليالي السبع جميعها التي امتدّت خلالها فعاليات المهرجان، التي كللت نجاح الحراك الثقافي والمسرحي في البحرين من خلال خليط الأعمال المتنوع الذي قدمته الفرق المشاركة، والذي فاق بتميزه كل أدبيات الوصف.

العروض الستة التي قدمت خلال المهرجان، حملت الأذواق المتنوعة للمخرجين والفرق المشاركة، فقدم بعضهم التجريب والعبث اللامعقول، وأحيا بعضهم مسرحيات تراثية، لتكون في مجملها باقة الورد التي أهداها مسرح أوال لجمهوره من عشاق المسرح بمختلف أذواقهم، وليلبوا ما كان الجميع يأملونه منهم في العام الثالث للمهرجان.

«سبع ليالي» في ليلتين

المخرج خليفة العريفي أحيا مسرحية «سبع ليالي» خلال الليلتين الأوليين من المهرجان، وهي النص المسرحي الذي قام بكتابته راشد المعاودة، والذي تم عرضه في مطلع السبعينات، ليقوم العريفي بإعادة صوغه على خشبة المسرح، وفق رؤية حديثة تنقل من خلال النص الصراع الطبقي الذي كان يدور بين فقراء الحي من البحارة مع النواخذة.

تدرج الأحداث يستعرض معه مجموعة من الشخصيات المحركة للقضية، منها شخصية المثقف الذي يحث الناس على الثورة والمطالبة بالحقوق، وفق المبادئ الشخصية التي يحملها من جانب، ومن جانب آخر قدمت شخصية رجل الدين الذي يخضع لإكراميات النواخذة من المواد الغذائية، رافضا استغلال خطبة الجمعة لتوجيه الناس للمطالبة بحقوقهم.

محرك الأحداث هو صاحب المقهى الذي ترك حياة البحارة، واستقر في عمله، والذي ينازع أطماع النواخذة في مقهاه، ما يؤدي في النهاية إلى تحريكه الجموع للثورة ضد الظلم.

شخصيتان إضافيتان احتوتهما المسرحية، وهما: لمجنونين تسبب لهما أذى النواخذة المادي بانعكاسات نفسية، أدت بهما إلى مرحلة الجنون.

الفنان والمخرج عبدالله السعداوي أثنى على العرض من خلال الندوة التطبيقية التي تلت المسرحية، مشيدا بفكرة إحياء العروض المسرحية القديمة، واصفا ما أنجزه العريفي بأنه «يعيد ذاكرة البحرين من خلال المسرحية التي قدّمها».

«ألوان أساسية» تعبث بالحاضرين

قدم المخرج حسن منصور من خلال نص الكاتب العالمي يوجين يونسكو (مشاجرة رباعية)، المصنف ضمن مسرح العبث اللامعقول، عملا مختلفا برؤيته وروحه الخاصين، وهي المسرحية التي أسماها (ألوان أساسية).

العمل حاز إعجاب الحاضرين - وتعجب البعض - ذلك لأن المسرحية قدمت بصورة مغايرة عما تعوّد عليه الجمهور، وشاب العرض غموض عبثي من أوله لآخره، إذ يتضمن النص الذي قدم في مشهد واحد، شخصيتين رئيسيتين يتحاوران بأسلوب يوحي بوجود خلاف بينهما، ويدخل عليهم شخص ثالث محاولا حل الخلاف، ما يؤدي إلى زيادة الأمر سوءا.

الشخصيات كانت تنتقد بعضها لما تقوم به من تصرفات، أو ما تقوله من عبارات مكررة، وتنظم في نهاية المسرحية شخصية رابعة، لسيدة جميلة، يتصارع الجميع للحصول عليها.

حسن منصور، الذي قدم عملا يعود للفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، يعلل سبب ظهور هذا النوع من النصوص المسرحية هو عدم إيمان الناس آن ذاك بحالة الرقي الإنساني؛ لأن هذا الرقي أوصلهم لكارثة الحرب والدمار، مضيفا «قربت النص القديم للعبث الموجود حاليا في محيطنا، والعمل قائم على كلا وبلى، الرفض والإيجاب، السالب والموجب، بين شخصيتين، فيدخل شخص آخر بدور المثقف ليعقد الأمور أكثر من السابق، تظهر بعدها الحقيقة في صورة فتاة، يحاول كل شخص أن يغتصبها وأن تصبح جنبه وإليه».

سعى منصور لأن يطعّم العمل بنكهته الخاصة، ناقلا نظرته للحياة العبثية، من خلال تقديم صورة الإنسان البسيط الذي يسحب آلامه وأحلامه في علب فارغة، ما أعطى صورة واقعية، إلى جانب توظيف أجهزة تلفاز في العرض، «التلفاز هو الجهاز الذي لا يوجد فيه ذاكرة، وإنما ينقل إلينا صور كثيرة، ونصبح متلقين نستقبل ولا نرسل، لا يسمع لنا ونصبح وعاء يحتوي، وفكرة المسرح اللامعقول هو عدم قدرة الإنسان على التوصيل».

«آمنة» بأمان الحي القديم

أدمعت عينا المخرج أحمد الصائغ خلال الندوة التطبيقية التي اعقبت عرض مسرحيته «آمنة»، متأثرا بالتجاوب الإيجابي للعمل الذي أخرجه وشارك في تمثيله، والذي لقي كلمات المديح من النقاد، لم يكن الصائغ يتوقعها.

تسرد مسرحية «آمنة»، التي أدتها فرقة البحرين المسرحية، صورة من المجتمع البحريني القديم، الذي تعاني فيه سيّدة من الوحدة في غياب ابنها بعد أن توفي زوجها، مع تصوير العلاقة الإنسانية التي تربط أبناء الحي بهذه السيدة.

الأحداث تسرد اندفاع هذه السيدة لبيع منزلها وسط الحي القديم لتدفع لابنها قيمته كي يسدد ديونه، الذي يطلب منها أن تحتفظ لنفسها بغرفة في المنزل حتى بعد بيعه كي لا تنتقل للعيش معه.

السرد الدرامي في الأحداث يبين الترابط الاجتماعي بين «آمنة» وجيرانها، الذين يجاهدون للحفاظ عليها وإبقائها وسط المجتمع الذي عهدوها فيه، مبادرين بشهامة لتقديم كل ما يلزم لذلك.

وفي تقديره لنجاح عمله قال المخرج أحمد الصائغ: «فاجأتني ردود الفعل، كنت انتظر انتقاد الناس لي، ولكن يبدو أن الناس أظهروا لي المحبة أكثر من انتقادهم».

وأكد الصائغ أن المهرجان تميز من خلال التشكيلة المتنوعة، ومشاركة الكثير من الفرق بالقول «التميز أتى بمشاركة الفرق الخارجية، وخصوصا من الكويت والعراق، إلى جانب الفرق الخاصة من داخل البحرين، إذ شكل اختلاف الرؤى من المخرجين باقة متنوعة من الأعمال، وحقق مهرجان أوال المسرحي ما يريده».

«المطحون» في راحة الأيام

ممثلو مسرح الريف، بقيادة المخرج طاهر محسن، قدموا للجمهور في خامس ليالي المهرجان النص المسرحي للكاتب حسن بو حسن، الذي حمل عنوان «المطحون».

و»المطحون» محاولة الكاتب والمخرج لنقل صورة المعاناة التي يعيشها أحد أبناء الطبقة الفقيرة، من خلال صراعه في عمله كمنظف للسيارات، والذي يجرّه في دوامة من النزاعات مابين أحلامه ورغباته ومبادئه.

تدور الأحداث في فلك تجريبي، يمر خلاله «صباح» بطل المسرحية بنزاع مع الشيطان، الذي يزيّن له الخطيئة، بدافع من كونها الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يحقق أحلامه التي يطمح إليها، إلا أن الشيطان يفاجأ بعدم وجود أحلام لدى صباح، رغم تكرار محاولاته لإغرائه بذلك عن طريق شهوة المال والرغبة في الحصول على فتاة أحلامه.

تكرار رفض صباح المطحون لإغراءات الشيطان، يجعل من الأخير يسعى لإجراء عملية لغرس أحلام له، كي يتمكن من التأثير عليه عن طريق رغباته.

وتسجل المسرحية في رسالتها كيفية انقياد الشخص وراء رغباته وشهواته التي يزيّنها له الشيطان، ليحصل عليها بالطرق الغير مشروعة، كونها الأقصر والأسهل.

العمل تم تأديته بإطار ممتاز، رغم أن النقاد ركزوا على المستوى اللغوي المتدني للممثلين، إلى جانب تقصير بعض الممثلين في أسلوب تمثيلهم.

هادي ينادي: «أين دوائي؟»

شكلت مشاركة فرقة الزبير العراقية في المهرجان بعرضها «أين دوائي»، الجانب المثري في تراكميات العروض التي قدمت خلال المهرجان.

إذ قدم مؤلفها وممثلها الأوحد فرحان هادي عرضا مميزا بنصه وأسلوب تمثيله، الذي كان يصور حالة رجل وحيد في داره، بعد أن هجره أهله ضحية الحرب إلى غير رجعة. الرجل الوحيد في داره ملأ أركان المسرح جميعه بحركته المتواصلة ونشاطه، رغم أنه كان يؤدي دور رجل عجوز، إلا أن هادي قدم عرضا متميزا أشاد به جميع الحضور، كما تم توظيف سينوغرافيا مميزة للخلفية، إلى جانب مؤثرات صوتية وإضاءة متميزة، خدمت أجواء العرض، ناقلة للجمهور الإحساس الذي سعى هادي لنقله من خلال عمله، والذي أثر إيجابا على الجمهور، رغم طول المدة التي استغرقها.

الفنان عبد الله السعداوي أثار انتقادا للسينوغرافيا التي عمل عليها المخرج عدنان الحسن، إذ أبدى رأيه بأن الأداء المسرحي كان صوتيا، وبإمكان الممثل أن يحتوي المشاهد جميعها من دون الحاجة إلى خيال الظل الذي ظهر في خلفية المسرح، والذي برز كشمس وظلال احباء الرجل وهم يغادرون بعيدا عنه.

القمة مع «غسيل ممنوع من النشر»

من دولة الكويت، استضاف المهرجان مسرحية «غسيل ممنوع من النشر» لمسرح الخليج العربي، الحائزة جائزة أفضل عرض في مهرجان الكويت التاسع، بدعم من قطاع الثقافة والتراث الوطني، إذ شهد العرض تفاعلا غير مسبوق في باقي العروض التي تم تقديمها خلال باقي ليالي المهرجان.

العمل يدور في حياة أحد الصحافيين المهمشين والمسحوقين، والذي يقوم مع توالي الأحداث بكشف أفكاره ومجادلة نفسه، وترجع به الذكريات إلى علاقاته السابقة بوالديه وابنة عمه، بالإضافة إلى استعراضه لعلاقة والده بـ «المعزب» الذي يعمل لديه.

تتدرج بعد ذلك أحداث المسرحية من خلال أفكار هذا الصحافي المتجسّدة من خلال ممثلين آخرين يطرحون ويتفاعلون للموضوعات التي يطرحها اجتماعيا وسيكولوجيا، إذ يقدم الهم الأكبر الذي يحمله الإنسان أمام التمييز الطبقي، ولاسيما بعد الثورة النفطية التي شهدتها منطقة الخليج، لتشكل موضوعا سياسيا يطرح بشكل فني.

العرض حظي بالتصفيق الشديد من الجمهور، ونال بعض الصفرات الحماسية من هنا وهناك، وعلق على العرض المخرج أحمد الصائغ بالقول: «تفاعلت مع العرض الكويتي الجميل المتناسق، وأعجبت بالجوقة، كما أعجبت بحضور الممثلين وأدائهم، الكاتب كان متمكنا والممثلين متمكنون ويستحق العمل حصوله على المركز الأول في الكويت».

إطلالة نقدية على المهرجان

رئيس تحرير نشرة المهرجان اليومية محمد حميد السلمان، الذي اعتبر شهادته مجروحة في المهرجان، رغم أنه المراقب العام لكل ما يحدث أكد تطور المهرجان في بعض النواحي قياسا بالمهرجانين السابقين، إذ بدأ المهرجان في مدرسة، وانتهى بصالة ثقافية، معبرا عن ذلك بالقول»ارتقى المهرجان بفضاء العرض الذي قدم خلاله، كما تطورت العروض نفسها من خلال تطور المخرجين الذين شاركوا في المهرجان الأول والثاني، فكان المهرجان حافزا لهم للتطور، ولم يستمروا على الوتيرة نفسها التي كانوا عليها في السابق».

التطور الثالث الذي يقيسه السلمان فهو حول مستوى التنظيم، إذ يجد أن المسرح استفاد من الأخطاء التنظيمية السابقة، إلا أن التراجع في نظره تمثل في الندوات التطبيقية، معللا «لظروف المكان أيضا كما خدمهم المكان في التطور خدمهم في عكس ذلك في الندوات أنه لم يتطور، ففي السابق كان هناك مكان خاص للندوات، أما الآن فالندوات منعت من أن تكون حول المكان ولا حتى في مقدمة الصالة أو مركز الفنون، فأصبحت في الصالة، وبالتالي هذا يؤخر استعداد الفرقة التالية، مكان الندوة داخل الصالة غير منطقي».

العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً