العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ

عفريت القاهرة يسأل: «كم الساعة»؟

الكتابة لدي فعل مقاومة العدم... الغيطاني:

تحت عنوان «خصوصية الرواية العربية» قدم الروائي المصري جمال الغيطاني محاضرته بمركز الشيخ إبراهيم آل خليفة، وتعتبر زيارته هذه الثانية للبحرين بعد أكثر من خمسة عشر عاما. بدأ الغيطاني محاضرته بالإشارة إلى أنه سيقوم من خلال تجربته بالبحث عن الخصوصية في الرواية العربية، معتبرا أن المكان من عناصر تكوينه، إذ يقول: «يكونني المكان، فأنا مدين للقاهرة في تكويني».

ثم استرسل الغيطاني في سرد حكايته مع الكاتب والروائي المصري نجيب محفوظ، بالقول إنه كان يتردد على منتدى محفوظ كل يوم جمعة، وفي أحد الأيام كان أول الحضور، فالتفت إليه محفوظ قائلا: «ليه بتكتب يا جمال»، لتكون إجابة الغيطاني بـ «لا أعرف»، ويعتقد الغيطاني أن محفوظ كان يقصد من وراء هذا السؤال إخراج القلق الداخلي المعتمل في نفس محفوظ.

بعدها أشار الغيطاني إلى موضوع الأشكال الروائية التي ساوقت زمنه، معلقا على ذلك بأن الأديب الذي لا تشكل كتابته إضافة إلى التراث الإنساني يعد ناسخا. وفي الوقت نفسه يشير إلى ما دفعه إلى مغامرة التجريب والابتكار في الأشكال، بسبب أن الأشكال السردية في زمنه لم تكن تساعده على كتابة ما يريد، في حين كان يعتبر مغامرة الخروج على المنجز.

يقول الغيطاني إنه ترعرع في حواري القاهرة القديمة، هذا المكان المدجج بالزمن، وهي قلب مصر الروحي، معللا ذلك بوجود الأزهر الشريف فيها، كما تحيط بها المكتبات، وباعة الكتب على الأرصفة، إذ مازال الغيطاني مدينا لكل هؤلاء في قراءاته، وهي الفترة التي أطلق عليها الغيطاني بالعصر الذهبي لقراءاته، لدرجة أنه كان يعيش مع شخوص الكتب التي يقرأ. جعله هذا التفاعل مع إحدى الشخصيات يعلن الحداد ثلاثة أيام، وبذلك عرف أن هدفه من الكتابة هو كتابة ما لم يقرأ مثله.

ثم قسم المصادر التي استقت منها القصة العربية الحديثة إلى نوعين، المصادر الأولى أطلق عليها «المباشرة»، والمصادر الأخرى «غير المباشرة»، ويمكن فهم المباشرة منها في عمل «ألف ليلة وليلة»، الذي يعده الغيطاني عمدة هذه النوعية من المصادر، إذ يعكس هذا الكتاب كما يذكر الغيطاني الثقافة والبيئة العربية، ومن جانب آخر كان هذا الكتاب من المحرمات في البيوت، إلا أن الأرصفة فتحت نوافذ كثيرة للحصول عليه، مرجعا سبب ذلك لمجهولية نسبه، معتبرا في الوقت نفسه أنه نتاج الحكايات الشعبية.

إلى ذلك، لمَّح إلى أن «من المشين أن أساتذة الغرب هم من لفتوا انتباهنا إلى أهمية عمل (ألف ليلة وليلة)، وهو يشير بصراحة إلى أن القص كان ضمن الحياة اليومية، وحتى من قال إن رواية (زينب) لحسنين هيكل المطبوعة العام 1921، تعتبر أولى الروايات العربية، يغيب عن ذهنه نتاج كبير مثل (ألف ليلة وليلة)، وذلك ما حدث معي حين قال لي أحدهم إن الرواية فن غربي، فأجبته: ماذا تقول عن كتاب (ألف ليلة وليلة) إذا»، ويمكن هنا الإشارة إلى أن نجيب محفوظ أسس الرواية العربية على النمط الغربي، كما أورد المحاضر.

لعل من خصوصية الرواية «أنها استفادت من التوفيق بين اللغة القديمة واللغة الحديثة، فقراءتي للنتاج القديم جعلتني أكتشف (الطراوة) التي افتقدتها في اللغة السائدة عند أبناء زمني، ويمكن الرجوع والتعمق لفهم هذه السمة إلى (الحوليات)، وهي مدونات يومية. هذه السمة من ابتكار المصريين، وفي المقابل وصف بعض الأكاديميين هذه الفترة بأنها فترة انحطاط لتداخل العامية بالفصحى، غير أني اعتبر ذلك إنجازا يضاف إلى المصريين، فشكل ذلك عنصرا مهما لتمكيني من الكتابة بطريقة مختلفة».

علما - كما يشير المحاضر - أنه ليس مع الذين يذهبون إلى تأصيل كل الفنون إلى العرب، لكن اهتمامه - كما يقول - كان منصبا على خصوصية العمل، إذ «بهذه الخصوصية يمكن لأي قارئ لرواياتي أن يدرك أنها عربية، وسأذهب بعيدا هنا في قضية القص عند العرب، لأقول إنه لا يمكن فهم الشعر العربي القديم من دون استيعاب القص المرتبط به».

أما المصادر غير المباشرة، فهي مثل تراث النثر الصوفي والأساطير، كما كان يقال عن عفريت القاهرة أنه يخرج للناس ليسأل: «كم الساعة؟»، وعندما تجيبه يذهب، وكذلك كتب المقامات، وأزعم هنا - كما يذكر المحاضر - أن تجربة النثر الصوفي لم تكتشف بعد، فالأدب الصوفي مصدر مهم، وكل هذه المصادر يمكن أن تمد الكاتب بالمغامرة القصصية. ومن هنا، أي دراسة هذا النوع من القص، ندرك خاصية مختلفة، وهي ارتباط الجزء بالكل، ويمكن فهم ذلك من خلال القرآن، فكل آية فيه يمكن أن تستتب لوحدها، ولكن يمكنها في الوقت نفسه أن تكون جزءا من كلٍّ هو القرآن، وهذا ما أطلق عليه التصميم الخاص للحكي العربي، الذي يحتاج بالطبع إلى دراسة.

أما من جانب اللغة - كما يشير الغيطاني - فإن سمتها أخذت من خلال تزاوج العامية بالفصحى، وهو ما أكسبها خصوصية، وهي مزاوجة بين الشكل الفصيح وإيقاع العامي، «ولعل من سعادة حظي أني لم أدرس الأدب في الجامعة، إذ درست فن السجاد والصباغة، فتعلمت الكثير منه، وربما أجد أن الوقت مناسب بعد مضي كل هذه السنوات لأعترف لكم بأني لم أكن أتذوق الأوبرا، وأنا واثق أن المسئولين الذين يشعلون الصالة بالتصفيق أمام الأوبرا لا يدركون منها شيئا، غير أني ارتبطت بالموسيقى، لأنها علمتني الإيقاع في الرواية، كما علمني اهتمامي بالعمارة، فن العمارة في الرواية»، علما بأن المصري - كما قال المحاضر - همه أن يبني، سواء بيتا أو مدينة أو حتى مقبرة، فالبناء والكتابة فعل مقاومة للعدم، «لذلك حاولت توظيف الفن الإسلامي بكل أنواعه في كتابتي الروائية».

العدد 1700 - الأربعاء 02 مايو 2007م الموافق 14 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً