العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ

البطل سيركب حصانا متعبا

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

عبادة الفرد وشخصنة أحداث التاريخ الكبرى واختزالها في بطل قائد هي عادة ذهنية كسولة عند كل البشر. فالإنسان بطبعه يفضل أن ينظر إلى ما حوله بتثاؤب يقيه بذل الجهد والطاقة.

هذا ما يتمثل الآن في الترحيب الهستيري بانتخاب الرئيس الأميركي الجديد. فالرئيس أوباما شخصية كريزميّة ذكيّة متَّّّّّّّّّّّّّقدة بالحيوية والأحلام الكبيرة وملتزمة إلى حدّ كبير بقضايا الفقراء والمهمَّشين. هذا واضح في الكثير من خطاباته ومواقفه، وأعتقد أن الأيام القادمة ستثبت ذلك.

لكن تبسيط المشهد الأميركي بهذا الشكل المخل والاعتقاد أن فردا ما سيكون قادرا على تغييره هو أمر يجب تجتنبه وخصوصا من قبلنا نحن العرب. فماذا الذي سيبقى من البطولة والالتزام أمام مجموعة كبيرة من المستشارين والموظفين الكبار البيروقراطيين الذين سيحيطون بالرئيس في كل مكان ويدخلوه في قفص انتهازية «الواقعية والاعتدال والتوازن والمصالح الوطنية العليا»؟

ما الذي سيستطيع المتحمّس فعله أمام أعضاء الكونغرس ومجلس النواب الذين يخضعون لضغوط جماعات المصالح الداخلية والخارجية عندما يترجمون ذلك إلى مواقف في المجلسين تجاه القوانين والمشاريع التي يتبنَّاها الرئيس؟

من الذي يستطيع العمل في أميركا دون تناغم وانسجام مع المؤسسة المالية - الصناعية - العسكرية - الإعلامية الأميركية البالغة القوة والتأثير والقادرة على تحجيم أي رئيس أميركي مهما كانت شعبيته ومحبّة الناس له؟

ثمّ ما الذي سيفعله أوباما مع الخزينة الأميركية المثقلة بالديون، الخاوية على عروشها في الوقت الحاضر، غير القادرة على الالتفات لحاجات المسحوقين الفقراء في بلد العسل الأميركية؟

إذا فالبطل سيركب حصانا متعبا، مثخنا بالجروح والأوجاع، غير قادر على صعود الجبال الوعرة.

كل الحقائق السابقة ستجعل حركة الرئيس الجديد محدودة النطاق. لكن الجانب الآخر من موضوع الانتخابات الأميركية يجب أن يوضّح، ذلك أن هستيريا الفرح والترحيب بأول رئيس أسود تخطئ، إذ تعتقد أن المجتمع الأميركي قد انقلب من محالات الانحيازات العرقية ضدّ السُّود والأقليات الأخرى وأصبح متسامحا ديمقراطيا قادرا على ممارسة العدل في إعطاء الفرص لكل أبنائه.

لقد صوّت اثنان وخمسون في المئة من الأميركيين للرئيس الجديد، فما نسبة الذين صوتوا باسم الديمقراطية العادلة الفاتحة أذرعها لكل أميركي مهما كانت أصوله العرقية ومهما كانت ديانته، وما نسبة الذين صوتوا ضدّ الجحيم الذي أدخلهم فيه الرئيس بوش وجماعات اليمين الأصولي المتطرف التي أحاطت به؟، فالأميركيون خيّروا بين استمرار الفواجع التي عاشوها عبر ثماني سنوات عجاف مليئة بالجهل والجنون إذا صوّتوا لماكين الجمهوري وبين إمكانية خروجهم من ذلك الجحيم إذا صوتوا للرجل الأسود غير «الانجلو سكسوني».

إنه من المؤكد أن تاريخ أميركا الذي تلوّن بتعصّب فاحش ضدّ أشكال من الأقليات التي هاجرت إلى بلد الفرص، ومنهم الايرلنديون واليهود واليابانيون وبالطبع السود، إن هذا التاريخ لن يصل إلى نهايته بهذه السهولة. وبالتالي فالمهلّلون بأن فجرا جديدا للديمقراطية الأميركية قد بزغ يجب أن يضبطوا عواطفهم المتفائلة.

إن التعصّبات والانحيازات والتمييز في أميركا هي راسخة وعميقة الجذور. دعنا نستعيد ما حلّ بالعرب والمسلمين الأميركيين من عنف مادي ومعنوي وحملات اتهامات ظالمة وأصوات تنادي بترحيلهم، وذلك بسبب مأساة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول المشئومة التي لم يكن لهم فيها يد ولا حيلة، حتى نعرف كم هو سهل إشعال حرائق التعصّب والكراهية في المجتمع الأميركي.

إن ظاهرة نجاح أوباما شيء وحقيقة المجتمع الأميركي شيء آخر. وعلينا أن ننتظر لنرى، وحتى ذلك الوقت لا نملك إلا الدعاء للبطل الأميركي الجديد بأن تتحقق بعض من أحلامه

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 2256 - السبت 08 نوفمبر 2008م الموافق 09 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً