العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ

ظهور قرن الفتنة في المؤتمر القومي العربي

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

لم يمر أكثر من أسبوعين على تصريح وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الذي اعتبر الطائفية أخطر تهديد تواجهه البحرين، حتى حلّ علينا المؤتمر القومي العربي الثامن عشر، وفيه حاول أيتام طاغية العراق المقبور خطفه وخطف مبادئه حين سعوا لتوظيفه لصالح نزعتهم الطائفية بفتح جراحات غائرة يعاني منها السنة والشيعة وغيرهم من أبناء هذه الأوطان، وليست مقتصرة على طرف من دون آخر كما رام هؤلاء الترويج له بلغة لا تقل وقاحة وخسة عن تلك التي كانوا يتعاملون بها مع الشعب العراقي ومع بقية العرب حين كانوا في سدّة الحكم.

في هذا المؤتمر أثبت بعض كبار رجاله أنهم مبدئيون، وأما الحثالة التي أربكت المؤتمر بطروحاتها الفضة الوقحة وكادت تحرف المؤتمر عن أهدافه، فقد أثبتت أنها شرذمة منبوذة مغضوب عليها، من الضالين الذين يتبرأ منهم حتى الأقربون.

ومع قناعتي التامة أن الفكر القومي عاجز ذاتيا عن دعاواه لافتقاده لفلسفة وقاعدة للحضارة، إذ إن القومية ليست سوى رابطة لغوية وتاريخية وليست فلسفة تحمل في طياتها مبادئ أو عقيدة ذات قاعدة. ونتيجة لطبيعتها الحيادية تجاه الأديان والمذاهب، ولكونها مجرد مادة خام في حاجة إلى اتخاذ وجهة نظر معينة في مفهومها للوجود والحياة والكون والإنسان، وفلسفة تصوغ على أساسها نهضتها ونظامها الاجتماعي، وجدت بعض الحركات القومية نفسهما وهي تتقمص مختلف المبادئ الوضعية، كالاشتراكية ولكن تحت مسمى اشتراكية عربية. ويرى بعض المفكرين كالإمام محمد باقر الصدر، أن القومية في الحقيقة محاولة للتغطية على مبادئ مستوردة تحمل الأمة العربية تجاهها حساسية شديدة كالاشتراكية مثلا، وهي «تغطية فاشلة... وليست سوى تأطير ظاهري وشكلي للمضمون الأجنبي» الذي تمثله تلك المبادئ. غير أن قناعة كاتب هذه السطور بالعجز الذاتي للفكر القومي لا يمنع من التحدث بلسان هذا الفكر وتقمص شخصيته، فإذا كان هذا الفكر يرى أنه قادر على صهر كل الطوائف والأديان في بوتقة القومية العربية، سواء كانوا مسلمين سنة أو شيعة، أو مسيحيين، فلماذا إثارة البعد الديني الطائفي من قبل من أنيط بهم تنظيم المؤتمر بتكرار دعاوى الصفوية؟

ما الذي يهم الفكر القومي أنْ تحوّل السني لشيعي أو الشيعي لسني مادام قادرا على توحيد الجميع بما فيهم المسيحيون العرب في إطاره؟

لقد أثبت المؤتمر أن الأذيال المتقطعة عن جسد النظام العراقي البائد غير مبدئيين مطلقا، بل يقدمون خدمة مجانية لأعداء الأمة باستعداء الأصدقاء وأهل الجوار كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتحريض على الفتنة الطائفية في بلدانهم، أما شرفاء الفكر القومي فقدّموا صورة رائعة بتصديهم لقرن الفتنة الذي ظهر متلبسا بلباس القومية، وتم على أيدي هؤلاء المبدئيين تفويت الفرصة على تلك الشراذم الضالة من تحويل المؤتمر لمسرحية تهريجية.

ويمكن من خلال تلك العقليات الاستبدادية التي أقصت عن المؤتمر أقوى التيارات في الساحة المحلية كجمعية الوفاق وجمعية الأصالة، يمكن استيعاب ما قامت به بعض الأقلام على المستوى المحلي من بعض أتباع هذه الزمرة في توظيف التصريح المهم والشجاع لوزير الداخلية لأغراض تصب في منحى الفتنة التي جاء التصريح محذرا منها، وذلك بالإدعاء أن الحوادث الجارية كحرق الإطارات وحاويات القمامة وتفجير اسطوانات الغاز، تمثل أعمالا طائفية وإرهابية، وهو زعم فجّ أراد بعضهم تسويقه في برنامج محلي كما قامت به قبل ذلك ومازالت أقلام معروفة بنزعتها الطائفية. وهذا هروب متعمد عن ملامسة الأسباب التي تهدد المجتمع بالفتنة، إذ الكل تقريبا متفق على أن حوادث الحرق حوادث لا تملك مبررا لها مادامت فرص التظاهر والاحتجاج السلمي الذي كان محظورا أثناء انتفاضة التسعينات متاحة حاليا، وهي أعمال مرفوضة كما صرّح كبار الرموز بذلك.

المثير للريبة والشك، ما تسطره أقلام صحفية معروفة جيدا بمرض الطائفية، وتركيز هذا النفر على إشعال إطارات السيارات في الشوارع وتعاميهم عن الأحقاد الطائفية التي يزرعها بعضهم في أدمغة الجمهور من خلال الخطب التي يلقيها يوم الجمعة بلا رادع ولا مستنكر، بجانب بث النعرات والأحقاد عن طريق توزيع كتيبات تكفيرية ونشرات وأقراص مدمجة لهذا الغرض، ففي هذه الأنشطة وهذه الممارسات التي يتعامى القوم عن نبش وفضح أمر الذين يقفون خلفها، يكمن الخطر والسبب الأكبر الذي يمهد لانفجار قنبلة الفتنة التي لو حدثت ستحرق الأرض من تحت أرجل أهلها جميعهم إن لم تنسفهم نسفا.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً