العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ

إدارة المياه الجوفية في دول مجلس التعاون (1)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تمثل المياه الجوفية حاليا المصدر الرئيس لتلبية المتطلبات المائية المختلفة في دول المجلس، وتتراوح نسبة الاعتماد عليها في هذه الدول من حوالي 45 في المئة (دولة الكويت) إلى 95 في المئة (المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان)، وبمتوسط يبلغ 91 في المئة لإجمالي استخدامات المياه في دول المجلس. وتمتلك دول المجلس مخزونا كبيرا نسبيا من المياه الجوفية العميقة، إلا أن غالبية هذه المياه هي مياه «إحفورية» غير متجددة تم تخزينها في الطبقات الجيولوجية العميقة منذ عشرات الألوف من السنين عندما كانت أرض الجزيرة العربية تتمتع بمناخ جغرافي رطب. وبحسب الدراسات الجيولوجية القديمة فإن المنطقة قد تمتعت بهذه الفترات المطيرة نتيجة لمرور الكرة الأرضية بفترات جليدية تمددت فيها الأقطاب الشمالية والجنوبية المتجمدة وتزحزحت فيها النطاقات المناخية باتجاه خط الاستواء؛ ليصبح مناخ الجزيرة العربية مشابها للمناخ الذي تتمتع به حاليا المناطق القريبة من خط الاستواء من غزارة في الأمطار وكثافة في الغطاء النباتي والحيواني، وتشير هذه الدراسات إلى أن المنطقة قد مرت بهذه الفترات المطيرة في فترات جيولوجية طويلة نسبيا، منذ 20 ألفا إلى 35 ألف سنة، و ثم أقصر منذ 12 ألف سنة وثم أقصر منذ 6 آلاف سنة. وكانت الجزيرة العربية أرض خضراء مليئة بآلاف البحيرات والغابات وعدد كبير من الحيوانات التي تعيش في هذا النوع من المناخ بحسب الدراسات الجيولوجية المتعلقة بالحفريات، قبل أن تعود مرة أخرى إلى طبيعتها القاحلة التي تعيشها في الوقت الحاضر.

وتعتبر إعادة تغذية هذه الخزانات المائية الجوفية حاليا شبه معدومة، وتقدر بعض الدراسات هذا المخزون الجوفي غير المتجدد بأكثر من 530 مليار متر مكعب، يقع معظمها في المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان وبدرجة أقل في الإمارات العربية المتحدة. وبالإضافة لهذه المياه غير المتجددة، تمتلك بعض دول المجلس، مثل: سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، خزانات لمياه جوفية متجددة على أعماق قريبة من السطح، تتم تغذيتها حاليا بواسطة الأمطار القليلة التي تستقبلها المنطقة، ولقد قدر معدل تغذيتها الإجمالي في دول المجلس بنحو 5.2 مليارات متر مكعب في السنة بحسب تقارير هذه الدول.

وقديما، اعتمدت الغالبية العظمى من سكان منطقة الخليج العربي على المياه الجوفية لتلبية متطلباتهم المتواضعة من المياه من استخدام آدمي وزراعة وذلك من خلال تدفقها على هيئة عيون طبيعية وأفلاج، بالإضافة إلى بعض الآبار البدائية المحفورة يدويا. وعرفت مناطق العيون الطبيعية تاريخيا بأنها كانت مراكز الجذب والاستيطان للتجمعات السكانية الأولى المتفرقة في منطقة الخليج، مثل مملكة البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية والعين في دولة الإمارات العربية المتحدة والأفلاج العديدة المنتشرة في سلطنة عمان، وكذلك، كانت هذه العيون مناطق النزاعات والحروب للسيطرة عليها بين القبائل العربية والحركات السياسية في المنطقة.

وكما هو معروف، فلقد مرت دول مجلس التعاون خلال العقود الثلاثة الماضية بتنمية متسارعة في مختلف النواحي الاجتماعية والعمرانية والصناعية والزراعية، وصاحبها زيادات متعاظمة في الطلب على المياه، وخصوصا من القطاع الزراعي بسبب سياسات التنمية الزراعية التي انتهجتها دول المجلس خلال هذه الفترة في محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لسد متطلبات الزيادة المتعاظمة للسكان. وارتفع الطلب على المياه في هذه الدول من حوالي 5 مليارات متر مكعب في العام 1970 إلى أكثر من 30 مليار متر مكعب في العام 2000، تم تلبيتها أساسا من مصادر المياه الجوفية، المتجددة وغير المتجددة.

ولقد أدى هذا الاعتماد الكبير على المياه الجوفية، المتجددة وغير المتجددة، وغياب الإدارة الحكيمة لها إلى الاستخدام المكثف لهذه المياه بشكل عشوائي واستنزافها وتدهور نوعية مياهها بشكل مستمر. وحاليا، تستخرج جميع دول مجلس التعاون، بدون استثناء، الموارد المائية الجوفية بطريقة غير قابلة للاستدامة، فعلى سبيل المثال تشير التقارير الهيدروجيولوجية إلى أن الاستغلال الشديد للمياه الجوفية غير المتجددة في المملكة العربية السعودية قد أدى إلى نضوب حوالي ثلث احتياطيات هذه الموارد فيها، وفي دول الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين تتجاوز معدلات السحب للمياه الجوفية فيها أضعاف الكميات الآمنة (معدلات التغذية السنوية)، وتتراوح ما بين 200 إلى 1400 في المائة منها.

ونتج من جراء هذا الاستنزاف الشديد انخفاض المستويات المائية للمياه الجوفية وتناقص تدفق العيون الطبيعية والأفلاج وجفاف الكثير منها، وكذلك تدهور نوعية المياه الجوفية بسبب غزو مياه البحر والمياه العميقة المالحة لها. ولقد أدت خسارة المياه الجوفية إلى العديد من التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي يتحملها المجتمع الخليجي حاليا، ويأتي على قائمتها خسارة المياه الجوفية نفسها كأصول طبيعية وفقدان جاهزيتها للاستخدام المباشر للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التنموية المختلفة، وخروج العديد من الأراضي الزراعية المعتمدة على الري بالمياه الجوفية من دائرة الاستثمار بسبب نضوب وتملح المياه وتصحر هذه الأراضي، وفقدان وظائف المياه الجوفية الحيوية المتعلقة بفقدان العيون الطبيعية وتدهور البيئات والموائل الطبيعية للحياة الفطرية النباتية والحيوانية المصاحبة لها، المحلية منها والمهاجرة، وخسارة التنوع البيولوجي والأجناس الطبيعية فيها. أضف إلى ذلك خسارة المجتمعات الخليجية لفرص استثمار هذه البيئات الفريدة من نوعها في السياحة والتعليم والثقافة والفنون والبحث العلمي، والقيم الجمالية والتراثية والإبداعية لهذه المناطق الطبيعية.

ويعتبر الوضع المأساوي والحرج الذي وصلت إليه المياه الجوفية في دول المجلس حاليا هو نتيجة طبيعية للمستوى الضعيف وغير الكفء في إدارة وتخطيط وتنظيم استخدامات هذه المياه في الفترات الماضية، وافتقار هذه الإدارة لفهم أبسط القوانين الطبيعية التي تحكم هذه المياه، وعدم قدرتها على التعامل مع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتداخلة التي تؤثر على استغلال هذه الموارد الطبيعية، ناهيك عن ضعف القدرات البشرية والمستوى العلمي والتقني الضعيفين للجهات المسئولة عن إدارتها خلال تلك الفترة.

وهذا ليس بسمة فريدة في دول المجلس فقط، وإنما هي سمة شائعة في معظم دول العالم النامية، حيث أنه غالبا ما تطلق الصيحات والتحذيرات للتعامل مع المياه الجوفية بجدية أكبر والتحكم في استغلالها والمطالبة برفع مستوى إدارتها بعد حدوث التدهور في نوعية وكمية هذه المياه وظهور آثاره على الأراضي الزراعية والعيون الطبيعية وموائلها الطبيعية وعلى المستفيدين منها. وإذا لم يتم التدخل الإداري والتنظيمي للتحكم في استنزاف هذه المياه في مراحله المتقدمة، تتشكل دائرة شيطانية (vicious circle) لهذه الموارد: فمع الاستخدام العشوائي غير المنظم للمياه الجوفية وهبوط مستوياتها وتدني نوعيتها وتملحها، وفي غياب التدخل الإداري والتنظيمي المطلوب لوقف ذلك، يلجأ المستخدمين لزيادة أعماق آبارهم أو استخدام مضخات ذات سعة أعلى لتعويض النقص في المياه، وفي حالة الزراعة يلجأ المزارعين إلى استخدام كميات أكبر من المياه لغسل التربة من الأملاح المترسبة وزراعة أصناف تتحمل الملوحة، ما يزيد استنزاف المياه الجوفية بشكل أكبر وزيادة معدلات هبوط مستوياتها وتدني نوعيتها، وهكذا، إلى أن يفقد المصدر برمته ويصبح غير صالح للاستخدام. وللأسف فإن هذه العملية تدريجية وبطيئة وتستغرق عشرات السنين، وغالبا ما يتم الانتباه لها بعد أن تكون المياه الجوفية قد استنزفت لدرجات عالية يصبح من الصعب إعادة تأهيلها، وفي بعض الأحيان بعد فقدانها كلية.

وعموما، تعتبر إدارة المياه الجوفية وتنظيم استغلالها، مقارنة بالمياه السطحية، من أصعب الموضوعات التي تواجه مسئولي ومديري المياه للكثير من الأسباب. فعلى رغم أن كلا من المياه الجوفية والمياه السطحية يمثلان صورتين مختلفتين من نفس الدورة الهيدرولوجية، إلا أن المياه الجوفية تمثل الجزء المخفي أو غير المنظور منها، ما يعقد عمليات تقييمها وإدارتها كميا ونوعيا، بالإضافة إلى صعوبة التنبؤ بالمخاطر التي تحدق بها. ففي حين يمكننا أن نرى بأعيننا المياه السطحية تتدفق في قنوات محددة ومساراتها معروفة بشكل جيد ويمكن الاستدلال من التغيرات التي تطرأ عليها على وضعها، وتكون عمليات قياسها وتقييمها والتوقعات المستقبلية لما يطرأ عليها من تغيرات في متناول اليد، نجد أن الوضع مختلف وعلى العكس من ذلك في حالة المياه الجوفية، إذ تجرى المياه الجوفية بين الصخور والتشققات تحت السطحية وفي العديد من الاتجاهات ومن الصعب رسم حدودها الطبيعية، وتوجد هذه المياه في خزانات جوفية مترامية الأطراف وتكون كمياتها كبيرة جدا مقارنة بالمياه السطحية، وتتغير حدودها مع الوقت مع حجم الاستخراج لها وتدرج التدهور في نوعية مياهها، ولذا، يحتاج تقييمها إلى أدوات رصد ووسائل تقييم تقنية حديثة عالية الكلف نسبيا، لتقربنا من الواقع الطبيعي لها وتبسطه ليتسنى إدارتها.

وبالإضافة لذلك فإن قابلية التلوث للمياه الجوفية من الأنشطة السطحية هي أقل منها في حالة المياه السطحية بسبب الحماية الطبيعية النسبية التي تمتلكها، إلا أنه في حالة وصول الملوثات السطحية إلى هذه المياه، فإنه من الصعب إعادتها إلى حالتها الطبيعية، وقد يستمر التلوث لعقود من الزمن وفي بعض الأحيان يكون مستحيلا إعادة تأهيلها لوضعها السابق، وإذا كان بالإمكان عمل ذلك، فإنه يكون بكلفة عالية جدا.

ومما يزيد من تعقيد وصعوبة إدارة المياه الجوفية هو نظرة المستفيدين منها والمجتمع ككل لهذه الموارد الطبيعية، فبالنسبة للكثير من الناس فإن المياه الجوفية، حالها كحال الأشياء غير المنظورة الأخرى، تمثل لغزا محيرا وسرا غامضا يصعب تصوره وتفسير وجوده وحركته في باطن الأرض. ولقد أدى عدم الفهم الواضح للمياه الجوفية وخصائصها على مدى عقود من الزمن إلى اعتبار المياه الجوفية مادة مشاعة لا تنضب ويمكنها أن تتحمل ما يلقى فيها من ملوثات. ولقد أدى هذا الفهم والتصور لهذه الموارد الطبيعية عند الكثير من الناس على مختلف مستوياتهم، وكذلك في أحيان عديدة المسئولين عن المياه، إلى تضاعف المشاكل والتحديات التي تواجه المياه الجوفية مما أدخلها في دوائر متهاوية من التدهور والضياع نتحمل تبعاتها نحن وأجيالنا القادمة.

إطارات مقترحة

«لقد أدى عدم الفهم الواضح للمياه الجوفية وخصائصها على مدى عقود من الزمن إلى اعتبار المياه الجوفية مادة مشاعة لا تنضب ويمكنها أن تتحمل ما يلقى فيها من ملوثات».

«يعتبر الوضع المأساوي والحرج الذي وصلت إليه المياه الجوفية في دول المجلس حاليا هو نتيجة طبيعية للمستوى الضعيف وغير الكفء في إدارة وتخطيط وتنظيم استخدامات هذه المياه في الفترة الماضية».

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:16 م

      الوضع حرج

      نعم الوضع حرج جدا ، وعلية فان لم تتخذ دول المجلس مجتمعة استراتيجية موحده في ادارة الموارد المائيية الجوفيه ، فمستقبل الأجيال القادمه في خطر ، لذا لابد من التفكير في البدائل المناسبة كما لابد من وضع سياسة الترشيد في أولية كل استراتيجية ، ونعتقد أن محطات التحلية هي من البدائل رغم كلفتها ولكن لوتوحدت الجهود لقلة الكلفه

اقرأ ايضاً