العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ

كما هيبة ملك!

اعترض المخرج عبدالله السعداوي - خلال حديث جمعني معه منذ أسابيع - على تسمية «الوسط» له بـ «الملك». كان ذلك خلال تغطية ملحق «فضاءات» لفعاليات احتفال مسرح الصواري بيوم المسرح العالمي التي نظمت في أبريل/ نيسان الماضي. قال مازحا: «إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَة أَفسَدُوهَا». ولكنك ملك ليس ككل الملوك، علّقت عليه مازحة أنا الأخرى، وأضفت «ثم إن لطلتك في المسرح هيبة شبيهة بهيبة ملك».

نعم للسعداوي حضور لا يُخْطَأُ، وللمساته أثر لا يغفل. كان هناك في احتفالات مسرح الصواري الأخيرة بيوم المسرح العالمي، وكان الجميع هناك، ولكن لا «طلة كطلة السعداوي» ولا حضور طاغيا كحضوره.

في كل مساء وبينما أحتل أحد مقاعد الصفوف الوسطى في الصالة الثقافية أراه يتنقل بين صفوف المقاعد الأمامية. جالسا يصيخ السمع، عيناه الصافيتان يعتمرهما قلق مسرحي فذ يعيشه السعداوي منذ عقود ويبدو أنه لا يجد إلى الخلاص منه طريقا.

في الصالة الثقافية كانت خطاه بطيئة. «الديسك» اللعين أنهكه وأبطأ خطواته. أراه كذلك واسترجع كلمات أحد الزملاء: إنهم يقتلون السعداوي!. لكن من هم أولئك؟ الديسك وآلامه ومتاعبه والعكاز الخشبي الذي لا يجد السعداوي مفرا من مصاحبته إياه، أم هم أهل الصواري انفسهم؟. لا، مُحال أن يقتله تلامذته، عشاقه وعشاق مسرحه. من إذا؟ هل هي وزارة الإعلام التي ترفض الاعتراف به وهو سيد مسرح التجريب وأحد أبرز وجوهه إن لم يكن الأهم؟. لا يهم، لكن السعداوي يموت. أتساءل: كيف سيموت؟. أيموت واقفا شامخا على خشبته؟. أيموت وسط طلابه؟. وساعتئذ هل ستوقّع «الإعلام» على صك الاعتراف بإبداعه، أم هل ستنكشف الحجب حينها عن سر غيريته واختلافه: إنسانا، ومسرحا وروحا تأبى إلا أن يستفزك وجودها الطاغي.

على يدي هذا المجنون ظهر التجريب في المسرح البحريني. وعلى يديه حصدت البحرين جائزة مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي للعام 1994. على يديه أيضا نشأ جيل لا يعرف سوى التجريب مسرحا. وعلى وعلى. إلى متى سنظل نردد!

هذا المجنون الذي يعيش مسرحا، يأكل، ينام، يتنفس، تجريبا. هذا الذي لا يغريه الكلام، فتراه على الدوام يعيش حال صمت شبيهة بتلك، حال الوجد الصوفي التي تعتري شيخ الزاوية. لا يتحدث، بل يكتفي بتدريب تلامذته. لا يقول كثيرا، ولكنه يصنع جيلا من المسرحيين لا يبدون كسواهم. لا تنبس شَفَتَاه، ولكن تعتمرهما ابتسامة قلقة، تجعله يمسح الصالة بعينيه، يمسح لحيته الكثة، ويضرب الأرض بعكازه ثم يجلس على كرسيه مراقبا متوثبا.

إنه السعداوي، فكيف لا يعرفونه؟. إنه الملك فكيف لا يتواضعون لأجله قليلا؟. فليعذرني السعداوي، إنما لأن لطلته هيبة ولأن لحضوره سطوة لا أملك إلا أن أردد مع المرددين إزاءها: كرموا السعداوي، أعطوه حقه أو... حتى - إن شئتم - اقتلوه!

العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً