العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ

«فشت الجارم» ليس للبيع

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طرحت «الوسط» قبل ثلاثة أيام خبرا رئيسيا على صفحتها الأولى، عن محاولةٍ لبيع «فشت الجارم»، وصمتت الحكومة لمدة 48 ساعة، وبعدها قامت عدة أطراف حكومية بنفي الخبر (الإعلام، البلديات، والتسجيل العقاري). وهو نفيٌ يسرنا ويثلج صدورنا، ولكن العبرة ليست في مجرد نفي خبر صحافي بقدر كونها مدخلا طبيعيا لمناقشة قضية الأرض في بلدٍ يعاني من صغر المساحة وطريقة إدارة الأرض التي تؤثر على حياة الغالبية العظمى التي باتت تعاني من مشكلة إسكانية متفاقمة.

اليوم تقوم الصحافة الوطنية المسئولة بواجبها في قرع أجراس الخطر، في واحدةٍ من أهم القضايا التي تمس المواطن ومستقبله. وهذه المهمة تفوق طاقة السلطة الرابعة، ولا ينبغي تحميل الصحافة وحدها مهمة الدفاع عن المصالح العليا للوطن والمواطن، فالكل مسئولٌ عن هذه القضية، بدءا بالجمعيات السياسية التي تمثل القوى والتيارات الشعبية، مرورا بمؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها لجان حماية البيئة، انتهاء بالمواطن العادي. على أن المسئولية الأكبر هي في أعناق النواب الذين انتخبهم الناس ليمثلوهم ويدافعوا عن مصالحهم. ففي هذه القضية وغيرها من القضايا الحساسة، ينبغي أن يقف النواب مواقف الرجال، ولا تأخذهم في مصلحة الوطن لومة لائم، وألاّ ينسوا قسمهم قبل ستة أشهر على القرآن للدفاع عن مصالح الشعب، وليس هناك ما هو أكبر وأخطر من قضية «فشت الجارم»، الذي يمثل أكثر من ثلث مساحة البحرين.

على أن حديثنا مع النواب يطول، وخصوصا أن غالبيتهم ممن يرفعون الشعارات الإسلامية، ويحلمون بعودة البلاد والعباد إلى أيام الإسلام الأولى. ونحن لا نضيف إلى معلوماتهم جديدا إذا قلنا بأن الإسلام اهتم بتأمين مصادر الثروة الرئيسية وجعلها مشاعا لكل الناس، في ذلك المجتمع نصف الحضري الناشئ على أطراف الجزيرة العربية. هذا المجتمع عاش نزاعاتٍ طاحنة بسبب الأرض وثرواتها، كغيره من المجتمعات. من هنا اهتم صاحب الرسالة (ص) بتأمين مصادر الثروة للجميع، ولخّصه في الحديث الشهير: «الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار». ولم يأتي هذا الموقف النبوي من فراغ، وإنما وفق رؤيةٍ مبدئيةٍ واضحةٍ تمهيدا لإقامة الحضارة التي مازالت حركات الإسلام السياسي تفخر بهاوتحلم بالعودة إليها.

من هذا المنطلق، إذا كنا نصرّ على النواب بتحمّل مسئولياتهم التاريخية في دعم هذه القضية وأمثالها، والابتعاد عن العصبيات الطائفية، ونلح عليهم إلى درجة «التعيير» أحيانا، فبسبب ما نشاهده من تخلٍّ عن القضايا الكبرى والإنشغال بالتوافه والصغائر، بما يشيع أحيانا الشعور بوجود نوعٍ من التواطؤ ضد مصلحة الوطن والمواطن، بهذه الحجة أو تلك.

«فشت الجارم» ليس مجرد ثلاث جزر صناعية صغيرة على بعد ثمانية كيلومترات عن الساحل فقط، ضمن محيطٍ من الأراضي الضحلة يبرز عند الجزر ويختفي عند المد، وإنما تمثل متنفسا استراتيجيا للأرض التي ضاقت بأهلها، وموردا مهما يغذي البحرين بثلث احتياجاتها من الثروة السمكية، وفضاء سياحيا يحمل إمكانات ضخمة للسياحة النظيفة بعد أن لوّث البعض سمعة البحرين بالسياحة غير النظيفة التي بتنا نشتهر بها في دول الجوار.

«فشت الجارم» ليس قطعة صغيرة من الأرض بـ 60 أو 100 أو 150 ألف دينار، بحيث يمكن أن يغضّ المواطنون الطرف عنها أو ينسونها لتمر مرّ الكرام، وإنما كان الحديث يدور عن صفقةٍ بألف مليون دولار. ألا يستحق ذلك أن يرفع كل مواطن لافتة احتجاجية تقول: «الأوطان ليست للبيع»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً