العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ

وقفة حقوقية على مناهج التربية الإسلامية

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

ما دعاني إلى الوقوف على هذا الموضوع ومعالجته، هو أحد طلاب الدراسات العليا الذي يتناول في دراسته الجانب الحقوقي في كتب التربية الإسلامية في المرحلة الإعدادية، فقد كنت إحدى المُحَكِّمَات على قائمة المُحَكِّمِين لاستبانة دراسة الطالب، ولأنني كلفت بذلك كان لابد لي من الرجوع إلى كتب التربية الإسلامية للمرحلة الإعدادية لأتمكن حينها من تحكيم الأداة المستخدمة في الدراسة وإبداء وجهة نظري بصورة علمية رصينة، وعندما أمعنت النظر في فهارس محتويات الكتب الثلاثة للصفوف الأول والثاني والثالث الإعدادي ذهلت لكوني لم أجد كلمة «حق» سوى في فهرس أحد الصفوف فقط وهو الصف الثاني الإعدادي. كان ذلك في الدرس السادس والثلاثين تحت عنوان «حق الطريق» على حين لم أجدها في كتب الصفين الأول والثالث الإعدادي. وعندما توجهت لقراءة الموضوعات المقررة على طلاب المرحلة الإعدادية وجدت أن هناك بعض المحتويات والمضامين لبعض الدروس تحمل مفاهيم حقوق الإنسان كحق المرأة وحق الطفل وحق الحياة وحق السمعة والكرامة وحق الإنسان في اتباع دين الفطرة وحق الكسب المشروع والحلال وحق التملك والعيش الكريم وغيرها من الحقوق الأخرى ولكن لم ترد بمعنى حقوق ولكن نفهم من خلال السياق أنها جاءت بهدف توعية الطلاب بحقوق تلك الفئات وتلك الأمور، ولكن من دون الإشارة إلى كلمة حق أو حقوق أو تبويبها ضمن مجموعة من المحاور ومن ضمنها المحور الحقوقي، إذ إن تصنيف محتويات الكتب إلى محاور غير معمول به في الوقت الراهن. لا أعرف لماذا على رغم أهميته!

فحق الحياة كما جاء في كتاب الصف الثالث الإعدادي لم يتم تناوله بهذا العنوان وإنما تمت معالجته من خلال بيان عاقبة الانتحار. وحق العمل تمت معالجته من خلال موضوع كسب المال الحلال وإنفاقه وهكذا إذ يتم إعطاء الموضوع حقه ولكن بعيدا عن إدراجه ضمن المحور الحقوقي أو تسميته «البعد الحقوقي».

وعندما دققت النظر في محتويات ومضامين بعض الموضوعات المقررة على الطلاب وجدت أن أكثر من 70 في المئة من المحتوى يركز على الجانب العبادي، أي الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والوضوء وغيرها من الموضوعات التعبدية على حين هناك قلة قليلة من موضوعات المقررات تتضمن موضوعات أخرى سواء تطول الجانب الحقوقي أو غيرها من الأبعاد المهمة. كما أن اختيار السور القرآنية والأحاديث الشريفة لم يكن غير واضح على أي أساس، إذ هل تم ذلك وفق استراتيجية منهجية معينة أم أنه تم اختيار سور محددة وملء الكتب بالموضوعات؟ إذ من السور القرآنية التي كانت مقررة عليهم سور الذاريات والطور والملك والقلم والنجم والواقعة.

ونظرا إلى فقر مناهجنا الدراسية وسطحيتها كان لابد لنا من إغفال الجانب الحقوقي في كتب التربية الإسلامية تحديدا، فلا مجال للشك في أن الدين الإسلامي هو من أرسى الحقوق بجميع أبعادها الاجتماعية منها والسياسية وأكد أهمية المطالبة بالحقوق والدفاع عنها، وأهمية الحصول عليها ونجد ذلك واضحا من خلال الآيات القرآنية الكثيرة والأحاديث الشريفة الكثيرة التي تؤكد مبادئ حقوق الكائنات الحية بلا استثناء بل نظّم حقوق الأفراد بشكل تعجز فيه أية منظومة أخرى عن القيام بعمل متقن كهذا، فهناك حقوق وفي المقابل هناك واجبات تترتب عليها، ولكن ما يؤسف له أن مناهج التربية الإسلامية لا تعكس هذا الواقع بل تغيبه، وفي المقابل نجد أن هناك لهثا من أجل توقيع معاهدات دولية ومواثيق حقوقية لتنظيم حياة الأفراد، وأظن أن لا موقع للتشريعات الدولية أو القوانين الوضعية ولا مكان لها من الإعراب لدينا، فالأمة الإسلامية - باختصار شديد - ليست بحاجة إلى تشريعات حقوقية؛ فلديها ما يكفيها من أحكام شرعية تؤكد لها حقوقها وتبيّنها ولكن نحتاج فقط إلى تطبيقها على الأرض وتوعية الأفراد بالتعاطي معها وفهمها، ولكن لقصور فهم الإنسان لها ولقلة وعيه يضطره ذلك كله إلى التعاطي مع القوانين الوضعية ويعطل القوانين الإلهية التي تنصفه وتؤكد حقوقه.

عموما، أظن أن هناك مجالا رحبا في تبني بُعد حقوق الإنسان من خلال كتب التربية الإسلامية في مراحلها الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية، إذ إنه من الملاحظ أن هناك تركيزا أكبرَ على الجانب الحقوقي في كتب علم الاجتماع والاجتماعيات والمواطنة؛ بسبب الضغوط الخارجية من مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الحقوقية، وهناك غفلة غير مقصودة لمناهج التربية الإسلامية فهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي من الممكن اعتمادها ضمن المناهج والتركيز من خلالها على البُعد الحقوقي بحيث يكون الانطلاق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والشريعة السمحاء؛ فالدين الإسلامي متقدم جدا في المجال الحقوقي إلى جانب المجالات الأخرى فهو منهاج شامل ومتكامل ويصلح لكل زمان ومكان فلا نقبل أن يتفضل علينا دعاة حقوق الإنسان من خلال تشريعات وضعية مليئة بالثغرات والنواقص لا تلبي الحاجة المجتمعية وتعكس حقوقا مبتورة للإنسان ولا تستوعب كلَّ القناعات؛ لمحدودية أفقها.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً