العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ

الأوقاف... ومراجعة سياسة التعيين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مؤسسة الأوقاف من أنضج ثمار الحضارة الإسلامية، والقارئ لتاريخنا سيكتشف الدور الكبير الذي لعبته في المجال التعليمي والصحي والديني، إذ كانت تُوقف الأموال للمدارس والمستشفيات والمساجد والتكيات...إلخ. لكن هذا الدور الحيوي تقلّص إلى حدود دينية صرفة، بحيث انحصرت غالبية الصرف على المساجد والمآتم، ما أدخل المؤسسة في حال من الجمود وقطعها عن محيطها الحيوي، فأصبحت كالشجرة البرية.

قبل ثلاثة أعوام، واجهت الأوقاف (الجعفرية) موجات شديدة من الانتقادات، على إثر ما كشفه مديرها السابق من تجاوزات وأخطاء هزّت كثيرا ثقة الناس بالمؤسسة، وانتهى الأمر إلى جرجرته إلى المحكمة، بحكم سيطرة عقلية «الإسكات» والقمع. المحاكمة ربما أراحت الأوقاف لفترةٍ من سيل النقد، ولكنها لم تتخلّص من إشكالاتها وأمراضها، ولم تستعد اعتبارها وسمعتها بين الناس.

يوم الأحد الماضي، قرأنا خبرا عن إعادة تعيين ثلث الأعضاء السابقين، اعتمادا على فكرة «أن يكون السابقون رابطا بين الحاضر والماضي من مشروعات الأوقاف»، وهي فكرةٌ تصطدم بروح الإصلاح وتكرّس لاستمرار الأخطاء والتعثرات. فهذا التعيين وفق المعايير المبهمة التي قرأناها، معناه إمضاء أعرافٍ خاطئة، لا يسندها الشرع ولا القانون ولا العقل، فمجرد وجود شخص في منصبٍ ما لا يعطيه الحق بالخلود فيه، خصوصا إذا دارت حوله شبهات من قبيل تأجير أراضٍ لأحد الأبناء، أو وجود شراكةٍ من الباطن لترسية مناقصات. والأسوأ من ذلك كله، إعادة تعيين شخص في مؤسسة تطالبه بديون، فذلك إصرارٌ مع سبق الإصرار على تمضية الخطأ ومكافأة المخطئين والمتورطين.

إن الإصلاح الحقيقي يستدعي البحث بإخلاص عن وجوه جديدة وأيدٍ نظيفة، فالبحرين ليست بلدا عقيما لا ينجب القدرات، وليست خلوا من الكفاءات، ليتم تعيين أشخاص دارت حولهم شبهات، وكشفت عشرات المقالات والمقابلات الصحافية إشكالات ومعاملات «غير شفافة»، ومناقصات تمت تحت الكواليس.

إن أحد مطالب الإصلاح إقرار أعرافٍ جديدةٍ تقوم على إبعاد أية عناصر تحوم حولها الشبهات، مع إقرار ألاّ يستفيد أي عضو أو منتسب للأوقاف من أية صفقات أو معاملات أو الدخول في مناقصات، من الظاهر أو الباطن، لقطع الطريق على أية تعاملات ذات منافع شخصية. وهذه الأعراف ليست بدعة نطالب بها، بل هي أعرافٌ يُعمل بها في مؤسسات مدنية وسياسية واقتصادية أخرى، وهي نتاج نضج إداري بلغته البشرية، والأوقاف أولى من يأخذ بها، إبراء لذمم العاملين فيها، وحفظا للحقوق والأموال «الشرعية».

وليس سرا القول إن أحد أكبر أسباب تدهور وضع الأوقاف هو سياسة التعيين السابقة، التي كانت تهدف إلى ترضية بعض الفئات القريبة من قلب الحكومة، واعتبار الموضوع مغانم وجوائز سياسية مستحقة. لقد آن الأوان للخروج من قبضة هذه المعادلة «السياسية» الخاطئة، باعتماد نهجٍ جديد، قائمٍ على اختيار ضوابط تضمن ترشيح الكفاءات والقدرات التي تؤهّل صاحبها للمنصب والمسئولية، ولا يرشّحها القرب من هذا الشيخ أو ذلك التيار.

لنتكلم بصراحةٍ، فالموضوع لا يحتمل المداهنة، والأموال ذات صبغة شرعية بحتة، لها ارتباطٌ عميقٌ بالمعتقد والوجدان الإسلامي، وليس من الصحيح التعيين اعتمادا على خبرةٍ مشكوكٍ فيها أصلا من قبل الجمهور، كما أن ليس من الصحيح إيكال أمر الترشيح إلى المحافظات، مع احترامنا التام لأشخاص المحافظين، وذلك لعدم الاختصاص. فعضوية الأوقاف تحتاج إلى مؤهلات علمية وفقهية وإدارية، لم تتوافر في السابق، ويبدو أنها لن تتوافر الآن حسبما وحي به طريقة التعيين ذات المعايير الغامضة. فلكي لا تفوت فرصة الإصلاح على مؤسسة الأوقاف، ولكي لا نكرّس توريطها في إشكالات أخرى... لابد من مراجعة سياسة «التعيينات» من الأساس.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1727 - الثلثاء 29 مايو 2007م الموافق 12 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً