العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ

المواطنون مغيبون ومرضى... نواب يغيبون ويمرضون

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

المرض كما هو ابتلاء من رب العالمين يبتلي به عباده، ويختبر به صبرهم، ويطهر بماء الآلام شوائب الخطايا والآثام، هو أيضا عقاب وشر عاقبة يجازي بها الله العصاة والفجار على سوء أعمالهم وركام خطاياهم في الدنيا قبل الآخرة، وبذلك يوقن المؤمنون، ومنهم بلا شك الشعب ونوابه، بوجود الله تعالى وبسبحانية هذا الوجود الأعلى وقدراته الخارقة وتنزهه عن الخطأ، وبالتأويلات الميتافيزيقية للإصابة بالأمراض.

على الجانب الآخر من وجهة نظر علمية تجريبية بحتة قد يصنف «المرض» تعريفا واصطلاحا على أنه اعتلال يصيب عضو من أعضاء الجسد أو أكثر من عضو بشكل يعطل ويحرف العضو الجسدي عن أداء وظيفته الحيوية بشكل طبيعي فيما يلبي احتياجات الجسد، وهذا الاعتلال المسمى «مرضا» مثلما هو يصيب الإنسان فإنه يصيب أيضا جميع الكائنات الحية، وتختلف أسباب منشأ المرض أو الاختلال والاعتلال في تنوعها وتعددية مصادرها من وجود عوامل بيئية وكيمياوية مسئولة عن إحداثها، كما تتعدد الأوقات والمواسم الزمنية التي يلمع فيها نجم مرض من الأمراض، ففي حقب اشتهرت ومازالت الأوبئة المعدية، أما في هذا العصر فكانت أمراض العصر هي «الاكتئاب» و»الإيدز»، وأمراض أخرى مستحدثة كـ «إنفلونزا الطيور»، وأمراض أخرى مروعة للغاية تستوطن مكانيا وتستشري على وجه التحديد في ربوع المجاهل الأفريقية كـ «الإيبولا» و»مرض النوم» و»مرض الفيل».

ومثلما يتم إسباغ التأويلات الغيبية والعلمية على جميع الأمراض قاطبة، فإنه وبالمثل غالبا ما يتم الاستناد الى التوصيف الرمزي والمجازي للمرض باعتبار أنه يسبب ألما وإرهاقا وتقاعسا غير طبيعي في أداء الوظائف الحيوية، وذلك لاستخدامه كنعت مناسب لبعض المشكلات والإشكالات والأزمات طارئة كانت أم متراكمة في ذات الموضع والمكان وعلى مدى الزمان نفسه، فهناك أمراض «البطالة» و»الفقر» و»الطائفية» و»لوثة التجنيس» وغيرها من أمراض أو أزمات مجتمعية بحرينية بامتياز يشهد الجميع أعراضها وآلامها ويختلف الإحساس بها بحسب تأثرات الخلايا، كما وتصيب الأمراض أيضا المجتمع بأجزائه وعناصره المختلفة، وهي لذلك تصيب أيضا مختلف أنواع السلطات المتفرعة من جذع المجتمع ومن النسق ذاته، هي تصيب أيضا السلطة الصحافية الرابعة، وليست السلطة الدينية ممثلة في أفرادها بمأمن عنها، وهي قد تلقي بأعراضها على السلطة القضائية وتنهش خلايا السلطة التنفيذية، وترهق وتضني هذه الأمراض عن طريق إصابتها لجسد السلطة التشريعية، فتعطل وتحرف أعضاء هذا الجسد عن أداء وظائفه الفطرية والطبيعية الحيوية، أو ربما تخرجهم بالمرة على غير العادة الفطرية والطبيعية عن أداء الوظائف التي تخدم مصلحة وصحة بقاء هذا الجسد التشريعي المثقل والواهن، وما أكثرها من أمراض!

وإن استشرت وتفاقمت الأمراض بالجسد المجتمعي البحريني وعاثت به فسادا بسبب نمط بيئي معين تتراجع فيه العدالة الاجتماعية عبر توزيع الثروات بشكل غير عادل، وتوهب وتنهب فيه الأراضي في الخفاء أو تباع لأجانب دون أن تعلن سندات ووثائق ملكية الدولة لهذه الأراضي وغيرها، وليس ما يجري في «فشت الجارم» إلا ذروة جبل الجليد والمؤشر لا العارض الطارئ على وجود أراضٍ شاسعة وسواحل وشطآن في هذه الجزيرة لم تخرج من الإطار ذاته، وهناك أعراض مرضية تمثلها الأوضاع المعيشية المتردية التي يجسدها المواطن في ملاحم حياته اليومية، المواطن الذي يصبح أسيرا لقلة ذات اليد وسبيا بالقروض وعبدا مشردا بابتعاد أراضي وسواحل بلاده الموزعة والموهوبة والمنهوبة عن يديه وناظريه رغم سياسات الدولة الرشيدة وعجلتها الإصلاحية المستمرة في اللف والدوران وأرقام بشارات النهوض والتنمية المعلنة.

وهنالك أعراض مرضية تصيب المواطن في أكثر مفاصل حياته اليومية حيوية وأهمية ممثلة في غلاء الأسعار للمواد المعيشية وفشل الدولة والحكومة وعجزهما حتى الآن عن تلبية احتياجات المواطنين الضرورية للماء والكهرباء بشكل متواصل دونما أدنى انقطاع فبتنا كأنما نحن في دولة من العالم السابع، وهناك أمراض أخرى مركبة يعاني منها البدن المجتمعي البحريني بكامل عناصره وأعضائه مرتسما في «لوثة التجنيس»، وما أدراك ما «لوثة التجنيس»، وما أدت وستؤدي إليه من التباس وتلوث اجتماعي ومن هدر للإمكانات والقدرات والمخططات التنموية ورميها في ماء البحر، والمواطن البحريني الذي غابت عنا ملامحه وهويته الثقافية والاجتماعية الفارقة هو الذي سيدفع الثمن غاليا في النهاية وسيعتل ويمرض بعد أن يغيب عن المشهد بتاتا!

ولربما لو ذكرنا جميع تلك الأمراض المجتمعية التي يعاني منها المجتمع البحريني لما انتهينا ولطال بنا الأمر ونحن نواصل عرفاننا لها بالجميل الذي قدمته لداء الكتابة الذي ألم بنا بشكل هستيري وجنوني عسى أن يمكننا من إظهارها وكشفها دونما خجل ومواربة، ولكن بما أن المواطنين هنا في البحرين يعانون كثيرا من أفاعيل التغييب ومن أمراض الدولة والمجتمع وهم قبل أن يطالب منهم أن يكونوا مواطنين صالحين ينبغي أن يكونوا مواطنين صحيين.

وبالمثل هنالك بعض النواب لهذا الشعب المثقل بالغياب والمرض الطويل، ممن يتغيبون ويمرضون أيضا، ويتسببون بالتالي في ما يطرأ عليهم من عذر يبرر غيابهم وما تصيبهم من اعتلالات واختلالات في تعطيل وظائفهم التشريعية، هذا إن لم يتمدد هذا الاعتلال المرضي إلى نطاق الدماغ، أو أن يطبق على السلطة والصلاحية فيفسد الجسد النيابي التشريعي خلية خلية، ليبقى هامدا دونما أدنى حراك ما يتسبب في تعطيل المزيد من التيارات والمجريات الإصلاحية عن حركة سيرها وترقيها!

الفرق بين الجانبين هو أن المواطنين المحرومين من الكثير من الحقوق والنعم كانوا وما زالوا مغيبين ومرضى، في حين أن بعض المساكين من نواب الشعب لا يغيبون ولا يمرضون إلا في يوم العيد (نعم بالله وقضائه وقدره)، وهو عيدهم الذي ينبغي أن يحتفلوا فيه بالمطالبة بزيادة صلاحياتهم وتقوية كيانهم التشريعي عبر تعديلات دستورية طفيفة تكشف وتبين جديتهم للناخب والمواطن، وترسل له رسالات طمأنة أولية عن إعلان حسن نية للتحرك الفعلي لتطبيق الأجندة والوعود المعلنة والتي ينبغي أن تكون مدونة كعقد بين النائب والناخب، لا أن تستخدم في الأمسيات الانتخابية كسفرة أو منشفة لما يسخو به المرشح والنائب من فيض عشاء وبوفيه، فالعقد بين المواطن الغائب المريض والنائب الذي صار غائبا أو مريضا أو مرتبطا لا يتوقف فقط عند البعض على حساب الكميات الموزعة من «خياش العيش» و»علب الدهن» بل هو عقد حقوقي وتنموي وإصلاحي أسمى وأشمل، ومثلما أن هنالك لا وضوء ولا صلاة دون نية، فإنه لا إصلاح أيضا دون وجود النية وبغياب الإرادة!

وكما أنه يتم وأد القضايا من خلال نقلها من المجال الوطني العام إلى المجال الطائفي أو الفئوي الخاص، يتم وأد النواب عبر تحجيم أدوارهم من نواب للشعب بأكمله أو «نواب مراكز عامة» إلى نواب «الدوائر» ونواب «الفرجان» ونواب «الدواعيس» ونواب «الفلل» و»الشقق» وهلم قطعا وذبحا!

لذلك فإنه والحق يقال بأن تغيب 17 نائبا عن الجلسة البرلمانية التي كان من الممكن أن تطرح فيها تعديلات دستورية طفيفة متفق عليها، بحجة الارتباطات الخاصة والمرض وأيا كانت الأعذار التي يحملها الغائب والمريض معه، سواء أعذار واقعية ممكنة أو أعذار خارجة عن الإرادة كابتلاء من رب العالمين جزاء للصابرين وتطهيرا للخطايا والآثام، أو تعبيرا عن التباس ومس واستجابة لشحنة كهربائية فائضة أتت جراء «ضغطة زر» من الخارج، فإن هذا الغياب المرضي قد أماط اللثام عن الصورة البرلمانية الحقيقية لثلة من نواب الشعب أيا كان الحاضرون والغائبون فهناك رصيد كاف من أغلبية مواقع القوى والأرقام داخل البرلمان كفيل بتحريك وجوهه ولاعبيه كل جلسة أو حتى كل فترة انعقاد، وهو أمر لا يخفى على «أهبل»!

هذه الحالة الغيابية والمرضية والتي توحي بأن المجلس أصيب بصاعقة، أتت متوقعة لدى جميع المتابعين، وفضحت أكثر من وجه ولسان للبعض كما صرح بذلك الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» إبراهيم شريف، وكما صرح عن ذلك النائب عبدالعزيز أبل حينما أشار إلى أن ذلك يشير إلى محدودية الرغبة في الإصلاح من الداخل وفي زيادة الصلاحيات والسلطات لتلبية احتياجات ومطالب المواطنين، وبذلك تكون المعارضة داخل البرلمان قد أثبتت نفسها، وإن فشلت طبيعيا في تمرير مقترحات التعديلات الدستورية الطفيفة المطروحة أوليا إلا أنها بهذه الخطوة المرنة الهادئة التي غاب عنها الغائبون، وتخلف عنها المرضى بعذر أو بغيره «فشَلَت» الوضع البرلماني الرديء الذي لا يريد تحسين حاله ووضعيته، ولا يريد ولو إصلاحا هادئا، مما يدل على أنه لا يحترم إرادة ناخبيه وشعبه في الدوائر الخاصة والمراكز العامة، وهنا نقطة المحك الساخنة التي سجلت فشل المقولات والمزايدات النيابية السابقة على قوى المعارضة الوطنية، فهذا للأسف برلمان «لا يودي ولا يجيب» وهنا نواب «ما سووا شي» وآخرون مرشحون لأن «ما يسوون شي»!

اللهم يا شافي يا بارئ يا موحد القلوب، اجمع أمراض جميع المواطنين والنواب، ووحد بينها في الأعراض والمسالك والدروب... واجمع شملها، ولا تفرق مددها، وليكن دواؤها كلمة الحق التي لا يخشى قائلها لومة لائم أو «ضغطة زر» أو «عين حمرة»!

آمين يا رب العالمين

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً