ترى هل يصمت من يرى أن هناك من يحيك مؤامرة انقلابية ضد نظام الحكم في وطنه، وخصوصا عندما يكون الشاهد ممن يعتقدون في أنفسهم الإخلاص والولاء للنظام من دون شبهة نفاق أو رياء؟!
فما بالكم سيدي، عندما أرى من يقوم - وسأفترض حسن النية بمرارة - بهتك النسيج الوطني من خلال ممارسات تكفيرية في الوسط السني، لا تقل خطورة، إن لم نقل إنها الوجه الآخر للعملة التجزيئية للأوطان، لممارسات الفكر الصفوي في الوسط الشيعي.
ما أريد أن أنقله إلى سموكم الكريم، إنني كنت شاهد عيان على فاصل تكفيري في أحد مساجد الرفاع الشرقي بعد صلاة المغرب في يوم 5 يونيو/ حزيران الجاري، للترويج لـ «عريضة شعبية!» لمنع إقامة مسجد في منطقة البحير لإخوتنا أتباع المذهب الجعفري، إذ وفقني الله سبحانه مع آخرين في رفضها والتحذير من امتداد «تسونامي العراق الطائفي» إلى وطننا الآمن عبر ممارسات الكراهية ضد الآخر.
سيدي صاحب السمو...
إن شرارة واحدة من عراق الفتن الطائفية قد انتقلت إلى الأردن الغالي عبر من فقدوا عقولهم في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، وأصابت هذه الشرارة العشرات قتلا وغيرهم كثيرون أصيبوا بإصابات بليغة وإعاقات مريرة، وكانت ابنتي إحدى هؤلاء الضحايا، إذ أقعدتها هذه الشرارة على كرسي متحرك وعطلت الكثير من وظائف جسدها الفيزيولوجية، وكان لطف الله كبيرا، وكانت وقفتكم ورعايتكم الإنسانية عظيمة ومقدرة، واهتمامكم بها منذ ذلك الوقت إلى اليوم. وكان التفاف الجميع في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لها ولنا كوننا أسرة مبتلاة... وعندما أقول «الجميع» أعني كل التنوع البشري عرقيا ومذهبيا في وطننا قد انصهر ليشكل لنا بعد الله سبحانه خزان دعم ومؤازرة. وعلى رغم ذلك يا سيدي فإن طعم العلقم مازال في الروح يتجدد وخصوصا عندما نشاهد صور الدمار والقتل نتاجا للحروب الطائفية في العراق أو أي مكان آخر، ونسأل عن المصابين وكيف سيتدبرون أحوالهم في ظل انهيار الدولة؟
لذلك، يكون استغرابنا ممن ينشرون ثقافة الكراهية للآخر، لأنهم بذلك إنما يهدمون مساكنهم على رؤوسهم، ولأنهم بذلك يقتلون ويصيبون أبناءهم وأحبابهم في مقتل أو في إصابة معيقة لحياتهم. هؤلاء، ناشرو الكراهية يريدون إرجاعنا إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة، إذ يكون هم الإنسان حماية الداعوس الذي يحتضن منزله، وإذ يتحول المواطن إلى قاتل وضحية في آن واحد، وإذ اعمال الغرائز البدائية قتلا وإفناء لكل شيء... للحجر والبشر.
سيدي صاحب السمو...
إن الفكر الذي يعادي الآخرين في طريقة وصولهم إلى عبادة الخالق، لابد من أن يمتد عداؤه إلى كل اعمال للفكر البشري والمنعكس توهجا كنحت للتماثيل أو نظم لبيت شعر أو تأليف لسيمفونية خالدة... فهذا الفكر هو المنجل الذي يريد أن يجتث كل تنوع بشري، سواء كان تعبديا أو ثقافيا، ولو كان بيده لأزال آيات القرآن الكريم التي تؤكد حكمة رب العالمين من هذا التنوع البشري تعارفا وحبا وتآلفا.
ما أثلج صدري في معالجة المشهد المشار إليه في المسجد بشأن العريضة، أن رد فعل الناس تصاعد تدريجيا ما إن انطلق الرأي المعارض لخطوة العريضة، فالناس تفتقد إلى روح المبادرة، وهي - ولله الحمد - بخير. كذلك أفرحنا ما نقل عن رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الحكيم الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة عندما توجه إليه بعض من أصحاب العقول المغلقة بشأن الموضوع ذاته فأجابهم: «إن الوطن يتسع للجميع بمحبة واحترام».
ختاما، سيدي صاحب السمو...
لا أنسى تأثركم البالغ خلال زيارتكم لابنتي في المستشفى بعد إصابتها، إذ كانت انتكاسة عيونكم حفظكم الله نحو الأرض أبلغ تعبير لأنه (لا أفق وراء هذا الفكر وهذه الأعمال). حفظ الله وطننا من الفتن الطائفية، وحفظ وطننا بكم ولكم ولنا.
خالد إبراهيم عبدالغفار
العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ