العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ

متعة الإبداع في الفن

«إن الفن لا ينبغي أن يثبت شيئا، ولا أن ينفي شيئا. إن الفن العالي ليس أداة للجدل، إنما هو شيء كالسحر ينفذ إلى النفوس فتحدث فيها أشياءُ. إن الفنان ليس مصلحا، ولكنه هو صانع المصلح!».

*أندريه جيد

«الفن» التشكيلي، متعة «الفنان» وحده، ومتعة الألوان خاصة، في عمل فني ما، و «الفنان» هو ذلك الخالق الذي ينظم العالم عبر مجموعة من الوسائط الاستطيقية الخاصة به، فمرة يستحضر إبداعات مقروءة للذاكرة، ومرة أخرى يبحث في تكوينات تساجل الطبيعة بالمادة الفنية، فيتورط الفنان بالوصول إلى أعماق التعبير الانفعالي بالصورة ويتورط البصر به.

إن «الفن» هنا، إنما يعبر عن محاكاة «الفنان» لنفسه، للتساؤل، أي بإثارة أفكار جديدة، ودلالات مجهولة، ليس في التعبير والشكل والمادة المستخدمة فحسب، بل طرح تأويلات مختلفة عن اختزال رسوم لا تشبه أي رسوم أخرى، ذات بعد سيكولوجي واجتماعي وإنساني، تكون بذلك، مماثلة لملكات عقله، ومتناهية مع ذائقته الحسية الكونية هناك، وهنا يشاطر «الفن والفنان» متاهة الإغواء التشكيلي للوحة ما، فيصبح الفنان جزءا ملتبسا بالتفاعل الاتصالي للألوان.

يقول دي كوننغ: «إن اللوحة بالنسبة إليّ، ليست مجرد مساحة هندسية ولكنها تملك وجها علينا أن نراه»، ويضيف أيضا «لوحاتي دعوة مفتوحة لكل من يريد أن يدخل تجربة تشكيلية جديدة، ويتعرف إلى الأشكال الجديدة التي أقدمها إليه، بوعي وخبرة سابقة!».

إذا، الجمال الفني المختزل في لوحة ما، ينبع من تصورات فكرية وحالات نفسية مقتضبة من الوعي الواقعي الفردي، قد تكون بمجملها التنفيس عن رغبات مكبوتة، أو الوقوف على أطلال عشق آتٍ، أو ربما لاكتشاف هويته عبر فنه، وبين هذا وذاك، الحالة الأولى التي تغزو غريزة «الفنان» للفرشاة حد الاندغام. و «الفن» بشكله، بات يتملك مشاعر «الفنان» بطبعه، للقضايا الشائكة في المجتمع العالمي، فأصبح يرسم بثراء مدلول لكل القيم الشكلية والأكاديمية القائمة، وأحيانا يخرج عن إطار المفاهيم التقليدية لثقافته، فتارة يعكس روح العصر في تجلياتها المختلفة، وتارة أخرى يحقق أعلى مستويات من الإشباع الروحي.

متعة «الفن»، تكمن في «الفنان» نفسه، بالولوج إلى فضاءات الإبداع، والتغلغل في عناصر الفن، يحدثها فتحدثه، فيخلق من تدرجات الألوان شخصياتٍ فانية وزمنية، لها أثرها وخطواتها وتداعياتها كلها، من موضوعات تشغل ماهية الذات، كوحدة ثابتة، للعلاقة الجدلية المعاصرة التي لا ينفصل فيها عنصر «الفن» عن العناصر الأخرى، إذ تؤثر في استنباط دراسات تحليلية للقيمة الجمالية المحيطة بأدوات «الفنان» وإدراكه الحسي للمتعة في توليد انفعالات انطباعية مليئة بالطاقة المعبرة للعوامل الداخلية والخارجية بحسب اختصاص الفنان بأدائه، سواءٌ أكان التجرد من الخطوط المتعرجة، أم التضمخ الواضح باللون المتمرد الرافض للمُسَلَّمَات البصرية المرتبطة بمكيانيزم الإدراك، «ما تراه عيني»، لذاك، «وما يراه عقلي» من حقيقة فكرية، هناك.

هكذا، يتداخل النسق المعرفي لـ «الفنان» بالفن الحديث، فيكون مهتما بالصورة التي يقدمها، في التوصيف التجريدي، ومهتما أيضا، بمسارات أفكاره وخياله الجامح مسبقا، وببعض من الإلهام الغامض للمعنى، يستخلص ملامح الروح الملحمية، لتعبير أكثر دينامكية وأكثر فهما، وأكثر قدرة على البقاء في الذهن، والأهم من ذلك، ارتداء «الفن» تأثيراتٍ متلاحقة من الإبداع الذاتي، تدرك لأول وهلة وبطريقة مغايرة للمتعة.

*كاتبة بحرينية

العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً