العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ

يا «أبا فيصل»... «فقد الأحبة غربة»

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

بسبب من ظرف شاق نفسيا ومُهلك جسديا، احتجب عمود «وجها لوجه» عن القراء، وإذ اتقدم بالشكر الجزيل لكل من سأل عن غيابي؛ فأنا آسف جدا على ذلك. كنت أحسب أن الابتعاد عن الكتابة يساهم في إزاحة أحمال ثقيلة أنوء بها... وكم كنت مخطئا في ذلك! إذ وجدت أن الابتعاد عن الكتابة أقسى وأشقى للنفس من الجهد الذهني المبذول في الالتزام بمسئولية الكتابة؛ فالانشكاح النفسي الذي يلازم الكاتب حين الانتهاء من كتابة عموده، والذي يتواصل من خلاله مع القراء، لا يدانيه (أي الانشكاح) ألف ألف وسادة ومرتبة وفيرة يتقلب حولها المرء في اليوم عشرين مرة ومرة.

الإرهاق الذهني الذي لازمني طيلة الفترة الماضية كان يحتم عليّ الاستراحة، أو قل هي قيلولة الكاتب. ولم أجد خيرا من «بوفيصل» لتلك القيلولة. وبما أن الكتابة هي عمل ذهني ونفسي خالص، بالنسبة لي وبحسب تجربتي الخاصة على الأقل، أي لا تدخل ضمن حسابات الخطة الموضوعة والمرسومة والمعدة سلفا، أو القلم والمسطرة والموعد والتوقيت، وإن كان في الاستطاعة فعل ذلك في شأن بعض الموضوعات؛ إلا أن بعض الظروف الموضوعية والذاتية تمنع الكثيرين من فعل ذلك وأنا أحدهم.

وقد ساهم، عن غير قصد منه، في كشف ذاتي التي أواريها خلف دروع المجاملات والعادات والتقاليد المجتمعية، الأخ العزيز «أبا فيصل»، هذا الصديق الصدوق، الخل الوفي، الصاحب السند، الجليس الأنيس، الإنسان الراقي خلقا، صاحب الشمائل الفريدة والخصال الحميدة، «النايف» في أصله ومعدنه، أبن ساس العرب وأصلها، المتشح بذروة سنام فضائلها، أبن من ملك «زمام» أمرها على مر قرن ويزيد، والمعضد بمن قولهم «فيصل» الكلام وأخلاقهم «بدر» التمام وفعلهم «ماجد» المرام، حفظهم الله وأهلوهم من كل مكروه وشر، وبارك فيهم وعليهم وأعقابهم بركات خير غير منقطع البتة.

وبما يمتطيه «أبو فيصل» من فضائل الخير والكرم، وبما يربطني به من وثاق أخوي ووشائج شعورية مرهفة، ورابطة إنسانية وقيم معنوية راقية، فقد كانت الفجيعة بالنسبة لي يوم غادرنا مودعا إلى دار أهله وناسه.

يا «أبا فيصل»، قد صدق القائل من مشكاة النبوة حكمة حينما سطر: «فقد الأحبة غربة». ولا أدعي هنا المعرفة الدقيقة لمضمون الاغتراب؛ أهي غربة الجسد وابتعاده؟ أم غربة الأحاسيس والمشاعر؟ أم هي هبوط معنوي، وتدن نفسي ومزاجي حاد يصل حد الاكتئاب؟! ولا أزعم المعرفة الدقيقة لمضمون الاغتراب عند قائلها، وهو حكيم عصره وخير من وطئ الثرى في زمانه؛ إلا أنني أزعم تجرعي مرارة هذه الغربة وأنا في «ديرتي» وبين أهلي وناسي يوم غادرت مودعا يا «بوفيصل».

ويعلم الله وحده أنه ما من تقصير أو عجز ألم بنا في واجب الضيافة إلا كان خارجا عن الإرادة الإنسانية، وهو من تقدير العزيز الحكيم، وما لا شك فيه فإننا آسفون عليه أشد الأسف، وعلى ما فاتنا من منزلة لمكرم ضيفه والتي يتحلى بها العرب وليس غيرهم من قوم يتحلون بها أبدا.

أما الكتابة، فإن لي معها شأنا يغني عن كثير من صداقات قوم لا يحسنون صنعا، ولا يتقنون حديثا، ولا يقيمون للعالمين وزنا. وهذا الكشف الذاتي للنفس يوجب الطاعة والانقياد؛ لكلمة الحق ومقالة الخير، وفكرة الحياة الكريمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً