العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ

أحلام مهاجرات بنغلاديش... كوابيس في كراتشي

كانت تحلم بحياة كريمة لها ولأسرتها المكونة من والديها وإخوتها الخمسة، وذلك من خلال الانتقال للعمل في باكستان، لكن الحلم تحول إلى كابوس عندما وقعت بين براثن تجار البشر بمجرد وصولها إلى الأراضي الباكستانية.

إنها سنا البنغالية التي تركت بلادها متجهة إلى كراتشي مع قريناتها للعمل في «وظائف طيبة» تكفل لهن العيش الكريم ولأسرهن التي عادة ما تكون كبيرة العدد.

وفي حديثها لـ «إسلام أون لاين.نت»، كشفت سنا (29 عاما) عن المأساة التي يتعرض لها المهاجرون إلى مدن باكستان؛ بحثا عن مصدر رزق لم يجدوه في بلادهم.

وبدأت سنا حديثها والدموع تملأ عينيها قائلة: «لا أريد تذكر تلك الأيام... أعتقد كأني كنت في جحيم». وتابعت: «لقد وعدوني بالعمل في وظيفة طيبة، سافرت معهم، وفوجئت بالمأساة، قاموا باغتصابي، ثم أرسلوني للعمل كخادمة يوميّا ما بين 16 إلى 18 ساعة من دون أي مقابل... وإذا وُجد المقابل، فإنه يوضع في يد من جلبونا».

وعن بداية معرفتها بالأمر، قالت سنا: «جارتان زينتا لي فكرة السفر، إذ كانتا تعملان خادمتين في الإمارات العربية المتحدة... اقتادتاني إلى إحدى وكالات السفر، إذ طُلِب مني 10 آلاف تاكا بنغالية (160 دولارا) كنفقات للسفر فقط، وأقنعوني بأني لن أدفع أي أموال أخرى للحصول على الوظيفة».

وأطرقت والدموع تكاد تخنق كلماتها: «لقد وعدوني بالحصول على وظيفة جيدة، ولدى وصولي لكراتشي اصطحبني عدد من الأشخاص إلى جهة غير معلومة بعد أن أوهموني أني سأحصل على الوظيفة».

ومضت تقول: «وهناك اغتصبني 3 رجال... ظللت أستجديهم أن يرحموني، لكنهم لم يفعلوا..

تركوني في مكان حقير وخيّروني بين العمل خادمة في البيوت أو يقدمونني يوميّا لرجال يغتصبونني».

قبلت سنا العمل خادمة مرغمة، وتقول: «عملت لعام مع عائلة كانت طيبة نوعا ما، لكني كنت مرتاعة ولم أستطع أن أخبرهم بما تعرضت له، ببساطة لأن وكالة السفر التي جلبتني إلى كراتشي هددتني بأن السجن الباكستاني سيكون مكاني لو تفوَّهت بكلمة واحدة بالأمر».

وتواصل سنا حكايتها «خدمت بعد ذلك بمنزل أحد جنرالات الجيش المتقاعدين والذي كان يحب بلادنا وعاملني بإنسانية؛ لذلك فقد أخبرته بكل ما حدث».

وعقب معرفته بما حدث، لم يتردد الجنرال في الاتصال بمركز أنصار بورني الحقوقي الباكستاني الذي جاء وأخذها إلى القنصلية البنغالية.

وتنتظر سنا استكمال باقي أوراقها لتعود إلى بلادها، إذ قالت: «أحصي الأيام حتى أعود إلى بلادي وأهلي... سأنبِّه كل فتيات بلادي لتلك المصيبة التي تنتظرهن بكراتشي».

المصير نفسه

ولفتت سنا إلى أن 29 فتاة رحلن معها إلى باكستان ودخلن كمهاجرات غير شرعيات في يونيو/ حزيران 2005.

وعن الفتيات اللاتي رحلن معها، قالت: «أعتقد أنهن قد نقلن إلى دول الخليج ليعملن خادمات في البيوت، كما أن بعضهن بقين في كراتشي ليواجهن مصيري نفسه، بعد أن أصبحت تلك المدينة نقطة العبور لتجارة البشر وخصوصا النساء».

الأمر الأكثر خطورة - بحسب سنا - هو قيام الآباء والأزواج في بعض الحالات، بتقديم بناتهم وزوجاتهم للتجار، مقابل جزء من المال يدفع فورا أو مقابل مبلغ مادي شهري.

وبحسب صندوق أنصار بورني - وهي مؤسسة باكستانية لحقوق الإنسان - فإن نحو 5 آلاف امرأة بنغالية وبورمية يعملن خادمات أو عاهرات في كراتشي، وأن غالبيتهم دخلن البلاد بطريقة غير شرعية، كما أن عدد اللواتي يعملن في الخليج نحو 10 آلاف.

شَرَك تجار البشر

ويقول مراسل «إسلام أون لاين.نت»: إن الفرص الاقتصادية الجيدة التي تتوافر خارج البلاد تكون بمثابة بصيص من الضوء الذي يلوح للبنغاليين والبورميين وخصوصا النساء منهم، الأمر الذي ينتهي بهم في «شَرَك» تجار البشر.

وفي دولة مثل بنغلاديش فإن عدد سكانها يصل لـ140 مليون نسمة، غالبيتهم من المسلمين ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل نسمة 445 دولارا، ما يجعلها واحدة من أفقر دول العالم، ولكن على رغم من أن نحو نصف السكان يعيش على أقل من دولار يوميّا فإن هناك نخبة تتمتع بالثراء وطبقة متوسطة تنمو.

ومن جانبه، يقول أنصار بورني - مؤسس ومدير المركز الحقوقي- لـ «إسلام أون لاين.نت»: «الفقر والأمراض الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع تجعل النساء صيدا سهلا لتجار البشر».

وعن طريقة تهريب الفتيات خارج البلاد، يقول بورني: «إن التجار يجتازون بهم الحدود بدعوى أنهن زوجاتهم، وبمجرد عبور الحدود يطرحن كسلعة».

وبحسب مسئولين بوكالة التحقيق الفيدرالية الباكستانية، فإن كثيرا من البشر يتم تهريبهم إلى الخليج ودول الغرب عبر الحدود الإيرانية.

وأضاف المسئولون أن «هؤلاء يجبرون على العمل في الدعارة أو كعبيد ليدفعوا ثمن تهريبهم... هناك الكثيرمن الضحايا يخرجن وفق إرادتهن بناء على ما يقال لهن إنهن سيتزوجن بأزواج أثرياء، وقد يكون الأب هو من يدفع ابنته بيده».

تورط الشرطة

كما اتهم بورني الشرطة المحلية بـ «التواطؤ مع عدد كبير من هؤلاء التجار، إذ يجبرن بعض الفتيات على العمل داخليّا كخادمات أو داعرات».

وقال - مدير مكتب التحقيق الفيدرالي الباكستاني- عبدالملك: «بعض المسئولين رفيعي المستوى متورطون في تلك الجرائم البشعة، لكننا نؤكد أنه إذا ثبت ذلك على أحد، فإننا نطبق القانون».

واعترف عبدالملك بصعوبة احتواء الأمر، مشيرا إلى «أنه أكبر ما قد يتم احتواؤه، لا توجد دولة تستطيع كبح ذلك، إننا نبذل قصارى جهدنا، لكن حدوث ما نريد بمثابة معجزة».

لكن مدير مركز بورني أكد أن تلك الأمور «بحاجة إلى قوانين صارمة وتعاون الوكالات الأمنية»، مضيفا أن ذلك «سيسد الطريق أمام هؤلاء التجار».

العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً