العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

الحرب الباردة اللبنانية

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

من جديد يمتلئ الفضاء العربي بأخبار لبنان، إذ تتجدد ذكرى حرب تموز (يوليو) من العام الماضي، حرب الثلاثة والثلاثين يوما. ليس من المناسب هنا الحديث عن الانتصار وعن الهزيمة، فقد أشبع هذا الموضوع بحثا على صفحات الصحف العربية والأجنبية وحتى الإسرائيلية وكان لكل موقفه التحليلي. المطلوب اليوم هو الحديث عن (الحرب الباردة اللبنانية) التي تدور رحاها تقريبا منذ عام، والتساؤل الملح متى ستتحوّل إلى حرب ساخنة يستنزف فيها الدم اللبناني؟ أرجو ألا أكون متشائما، إلا أن كل الإشارات تقول إن لبنان مقدم على حرب بشكل ما، ربما تكرار ما هو قائم اليوم في بغداد،إنْ لم يكن أسوأ.

ما هي الإشارات التي تدعو الكاتب إلى أن يصل إلى تلك النتيجة، إنها إشارات كثيرة وواضحة على الأرض أهمها خمس:

أوّلا: الحرب التي مضى على توقفها عام كامل، لم تكن انتصارا لـ «إسرائيل»، هذا مؤكّد بالعقل وبالشواهد؛ أي أن هدف «إسرائيل» من اقتلاع حزب الله من الساحة اللبنانية قد فشل. ومن جهة أخرى لم تكن انتصارا باهرا لحزب الله، بمعنى التأثير النهائي على «إسرائيل» لتحقيق بعض المطالب اللبنانية (إطلاق الأسرى، وتحرير أرض شبعا) أو العربية (التحرك باتجاه الجولان أو حتى القضية الفلسطينية) بمعنى أكثر وضوحا أن حرب العام الماضي لم يخرج منها منتصرا أي من الطرفين بشكل قاطع وهنا تكمن المعضلة الأولى في المشهد الدرامي اللبناني؛ لأن أسوأ أنواع الحروب تلك التي لا يكون فيها خاسرا بينا ولا رابحا بينا. إنها حروب تستدعي المخاتلة في الداخل كما فعل حزب الله بالارتداد إلى الداخل، وكما فعل التحالف الإسرائيلي الحاكم أيضا بالارتداد إلى الداخل. إنها نوع من الحروب التي تؤسس لحروب أخرى، إذ يعتقد كل طرف أن هناك ( شيئا ما لم يكتمل) يجب إكماله، لإنقاذ صورته السياسية. ومن هنا فإن الوضع اللبناني يشكل مخاطرة حقيقية في احتمال اندلاع صراع جديد، على رغم كل الضغوط الدولية التي تحاول تأجيل ذلك. لا أحد يعرف الآن كيف يمكن أن تستكمل الحرب المنقوصة، كل ما هو معروف أنها حرب ناقصة، قد يجد طرفا أو أكثر من المتحاربين أو حلفاؤهم، أن زمن إكمالها قد أزف، قد يكون هذا الطرف لبنانيا أو إسرائيليا، أو إقليميا أو دوليا.

ثانيا: الوضع الداخلي اللبناني مكهرب بشكل حاد، ويحتاج فقط إلى صاعق للتفجير، فالرأي العام اللبناني منقسم بشدة نحو تيارين لا ثالث لهما يمكن وضعهما باختصار في تيار المعارضة وعلى رأسه حزب الله، وتيار الموالاة وعلى رأسه تيار المستقبل (الحريري)، هذا الانقسام لمن يزور بيروت هذه الأيام مخيف إلى درجة أنه يسري القشعريرة في الجسم، فإن حدث وركبت سيارة أجرة مع آخرين سترى مدى التحشيد المرضي والطائفي الطاغي في الشارع اللبناني من حديث الركاب أو السائق. وأقل القليل الذي يقال عن الطرف الآخر أنهم (خونة) و(متآمرون) وإن لبنان سيكون أفضل كثيرا دونهم. وهو أمر تسمعه من الناس البسطاء الذين يلومون الطرف الآخر على كل المآسي اليومية التي يصادفونها وهي ليست قليلة، ولا أعتقد أن السياسيين اللبنانيين، وهم يخوضون حروبا إعلامية وكلامية يوميا في الصحف وفي محطات التلفاز بغافلين عن هذا التسونامي المتعاظم في الشارع اللبناني الذي يكاد ينطلق هديره إلى عنان السماء.

يزيد من ذلك (الشبق الأمني) للقوى السياسية التي تخزن السلاح وتفرقه على المتحازبين استعدادا ليوم عصيب لابدّ أنه قادم، وهذا الشبق يصادف الزائر العابر، فأنت معرض للتوقيف والمساءلة من أناس مدنيين يتوجسون منك خيفة، وعلى الأهبة للتصرف بكل أشكاله، بسبب كل هذه التعبئة الكلامية الساخنة.

ثالثا: الزمن وهو سيف بتّار في الموضوع اللبناني، فهناك استحقاق رئاسي قادم خلال بضعة أشهر، وكل يوم يمر يقرب اللبنانيون من الحقيقة أنهم يبتعدون عن التوافق بشأن الرئيس الجديد ويقتربون من الاحتراب، بل إن البعض يهدد على رؤوس الأشهاد إن لم يكن شخصا بعينه يتولى سدة الرئاسة فإنهم سيقلبون الطاولة (الوطن اللبناني) على رأس قاطنيه.

رابعا: اتهام الأطراف لبعضها بأن هذا (عميل لأميركا) وذاك (عميل لإيران) ونفي الاثنين لمثل هذه الاتهامات، عملية مضحكة، ومسرحية يمكن الفرجة عليها؛ لأن علاقة بعض الأطراف بسورية وبإيران واضحة كل الوضوح، ومعروف دوافعها، وعلاقة أطراف أخرى بالولايات المتحدة والغرب واضحة أيضا لا تحتاج إلى إثبات ومعروف دوافعها. الخلاف هو أين الوطني منها وأين غير الوطني؟! كلا الطرفين يعتقدان أنهم بعلاقتهما الاستراتيجية مع أطراف خارجية، يخدمان (الوطن اللبناني). المهمة العربية، على رغم حماس عمرو موسى، وعلى رغم الخوف الحقيقي على لبنان، لا تأتي بأية ثمار، إنها فقط عملية علاقات عامة لا أكثر.

خامسا: إذا تحوّلت الحرب الباردة اللبنانية إلى حرب ساخنة فمن الخاسر؟ حقيقة الأمر لن تخسر لا الولايات المتحدة ولا إيران من هكذا حرب وهما الطرفان الأهم في صراع لبنان. الخاسر الأكبر هي الأطراف اللبنانية. وقتها سيكون لدى «إسرائيل ذريعة» (إتمام حرب لم تتم) والخروج بأفضل النتائج من وجهة نظرها. وسيكون لدى الأطراف الدولية فرصة تاريخية لتصفية الحسابات بينها على الأرض اللبنانية، كما أن المتوقع، كما حدث في حرب السبعينات في القرن الماضي في لبنان، أن يخرج على الساحة السياسية اللبنانية لاعبون جدد مختلفون عما هو قائم، ويغيب كثيرون من الساحة السياسية، هي تلك لعبة الحرب وقواعدها.

واقع صورة لبنان على هيئة إقليمه قاتمة، إلا أن الأكثر قتامة أن اللاعبين الأساسيين في الداخل اللبناني لا يريدون أن يروا تلك القتامة.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً