العدد 1778 - الخميس 19 يوليو 2007م الموافق 04 رجب 1428هـ

الحوار بدلا من الصراع

هاشم سلمان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لست مع حالات التشفي التي يحاول البعض من خلالها أن يصطاد في الماء العكر سواء من الطرف الإسلامي كما يحلو للنائب السابق في مجلس النواب حين يحاول الربط بين ما حدث أخيرا في خطاب سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم وبين محاولة التغطية على أداء الوفاق مع العلم بأن الشيخ عيسى كان صريحا وواضحا في موقفه المخالف للوفاق في مسألة قانون التأمين ضد التعطل وهو ما يجعلنا نتساءل عن أداء النائب المحترم خلال أربع سنوات قضاها في أروقة المجلس، كما أنني لست مع ما ذهبت إليه الكثير من الأقلام العلمانية والحداثية والإسلامية التي أرادت أن تستغل الوضع لترويج الآراء الصدامية التي كانت تتبناها سابقا من خلال الكتابات والمواقف المعلنة وغير المعلنة.

لست مع هؤلاء وأولئك لأنني أرى بأن أقرب الطرق للتآلف والتقارب من أجل المصلحة العامة هو طريق الحوار...

الحوار... أسلوب يخاطب العقل... وهو نقيض للتعصب الذي يدغدغ العواطف الإنسانية ليقودها نحو العنف الأعمى والعنف لا يخلق إلا الفوضى والدمار ويخلق عدم الاستقرار.

لذلك فإن الأمة التي تعيش حياة الاستقرار هي الأمة التي يسود فيها الحوار... الاستقرار النفسي والأمني بل حتى الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وإذا ما كنا نركز على الحوار فهو المعنى الذي أراده تعالى أن نتبعه، حيث يقول تعالى في خطابه للنبي (ص):

«ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (النحل:125).

وهو يعلمنا أدب الحوار حين جرى الحوار بينه تعالى وبين ملائكته، وأيضا بين جل جلاله وبين أشد خلقه جحودا وهو إبليس حين أمره بالسجود لآدم فأبى واستكبر:

«قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»(الاعراف:12).

فإذا كان مشهد الخلق الأول قد شهد حوارا بين الله تعالى وملائكته وبينه تعالى وإبليس، فإن بعثة الرسل قد ركزت على الحوار باعتباره الوسيلة الأنجع لتبليغ الرسالة للناس... يقول تعالى لموسى وهارون خلال بعثتهما: «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» (طه:44).

هذا الكلام الليّن الموجّه لفرعون من المفترض أن يسود ليكون بديلا عن العنف، من هذا المنطلق نرى القرآن الكريم يركز على خلق النبي محمد (ص) قبل كل شيء حيث يقول: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم:4).

وأوضح القرآن أن اللين هو رحمة من الله فخاطب محمدا قائلا: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران 159).

وفي ظل تعدد الأديان والمذاهب وانتشار الأفكار والنظريات التي يرى أتباعها بأنها الطريق الأنجع لسعادة الإنسان، فلا سبيل هناك إلا الحوار، وبنظرنا فإن الحوار الإسلامي الكتابي ينطلق من مساحة واسعة من المشتركات أشار إليها القرآن الكريم بقوله: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (آل عمران :64).

يتضح من خلال الآيات القرآنية بأن أرضية الحوار مهيأة بين الأديان السماوية، وأن الصراعات التي حدثت والحملات التشويهية ضد الدين الإسلامي، لم تكن إلا نتيجة أخطاء البشر أنفسهم، فقيم التسامح والأخوة الإنسانية تركز عليها جميع الأديان السماوية، ولعل الحملات التبشيرية في العالم الإسلامي أدت إلى حالة من التوتر بين العلاقات الإسلامية المسيحية.

أما الحوار الداخلي بين المسلمين فهو المطلب الضروري في ظل تردي الأوضاع في العالم الإسلامي، وكان الخوارج أول من رفض منطق الحوار ووصل الأمر بهم إلى الاستشكال على من قتل ظبية في البرية بينما يتلذذون بقتل صحابي من صحابة رسول الله وبقر بطن زوجته الحامل لأنه يخالفهم في النهج.

وخاطبوا الإمام علي ابن أبي طالب قائلين: «لا حكم إلا لله» وهي كلمة حق يراد بها باطل كما يعبر بذلك الإمام علي (ع).

فأرسل إليهم الإمام علي (ع) ابن عباس ليحاورهم وكان لهذا الحوار تأثيره المباشر على العقلاء منهم فرجع أربعة آلاف عن أفكارهم المتطرفة بسبب محاورة لم تستمر أكثر من ساعة من الزمان، بينما أصر الباقون على تعصبهم لأنهم صموا آذانهم عن سماع كلمة الحق.

وفي مسألتي الصراع والحوار هنا دعوتان انطلقتا في فترات متقاربة إحداهما دعوة صموئيل هنتغنتون في أطروحته المعنونة بـ «صدام الحضارات» التي تطرق إليها في مجلة «فورين أفيرز» المتخصصة في العام 1993م والتي تحولت بعد ذلك إلى كتاب بعنوان «صدام الحضارات... إعادة صنع النظام العالمي» ودعا فيها الغرب إلى الاستعداد للصدام مع الحضارة الإسلامية، وتجريد المسلمين من عناصر القوة والنهضة لإضعاف قدرات العدو وتقليل كلف المواجهة.

الدعوة الأخرى أطلقها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي باسم حوار الحضارات، وتبنتها الأمم المتحدة وجعلت لها عاما باسم حوار الحضارات.

بعد هذا التقديم لمسألتي الحوار والصراع وإسقاط ذلك على الواقع البحريني نرى بأن الأطراف المعنية والتي شاركت في منتدى «الوسط»، وهي المجلس العلمائي وجمعيتي وعد والمنبر وكذلك الوفاق «الحاضر الغائب» تميل جميعها وبشدة إلى الحوار بدلا من الصراع، فالشيخ محمد صنقور يؤكد على احترام المناضلين وتضحياتهم، وإبراهيم شريف يشدّد على أهمية التحالف وضرورة الحفاظ على صلابته، والوفاق التي لم تكن حاضرة في هذا اللقاء تؤكد على ضرورة التحالف ما يعني أن الحوار هو اللغة السائدة لدى جميع الأطراف المعارضة.

وحين نتحدث عن الحوار وضرورته فهذا لا يعني عدم القبول بالنقد الموضوعي الذي يصحح الأوضاع بصورة إيجابية، فالوفاق كطرف معارض عندما شاركت فإن لها إيجابيات وسلبيات ومن الخطأ عدم الاستماع إلى السلبيات أو الاكتفاء بالسلبيات وإغفال الإيجابيات.

وبرأينا فإن أداء الكتلة في الدور الأول من الفصل التشريعي الثاني وإن كانت به سلبيات فهو يعتبر حالة متطورة قياسا بالفصل التشريعي السابق بأدواره الأربعة، فالمجلس السابق الذي لا يتعدى وجود أطراف المعارضة فيه خمسة أشخاص عجز خلال أكثر من ثلاث سنوات عن تعديل مادة واحدة وذلك بحذف أربع كلمات فقط من المادة العاشرة لقانون النقابات العمالية رقم 33 لسنة 2002م.

وللأسف الشديد مع إدراكنا لعقم التشريع في المجلس إلا أننا تفاجانا بمستوى التفاعل السلبي الذي كان يتعامل به الكثير من أعضاء المجلس السابق، اذ كان معظم الأعضاء في وقت التصويت يجلسون بالخارج في الوقت الذي يصول ويجول فيه بعض النواب لعدم تمرير التعديل باستثناء الخمسة المشار إليهم وهم الذين نشهد لهم بمواقفهم الايجابية.

وإذا أردنا أن نقيّم أداء الوفاق في الدور لتشريعي الأول فإننا ننظر إليه من خلال عدة جوانب، الأول هو تحسين المستوى المعيشي للمواطن وهو الأمر الذي حققت فيه الكتلة بعض النجاحات بتقديم عدة مقترحات والمشاركة في الكثير من الفعاليات، أما الجانب الثاني فهو الدور الرقابي والذي حاولت الكتلة أن تفعّل دورها فيه من خلال استجواب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء لولا وقوف الآخرين بوجه الاستجواب وإسقاطه.

أما الجانب الثالث وهو الجانب التشريعي فنرى أهمية الالتفات لتطويره لدى كتلة الوفاق ولعل مرجع عدم المواكبة بين الجانب التشريعي والجوانب الأخرى لكونها التجربة الأولى وهي تحتاج إلى خبرة واسعة قد لا تتوافر بالشكل المطلوب في الوقت الجاري، الأمر الذي أدى لاصطدام الكتلة بالشارع في قضية قانون التأمين ضد التعطل، ونحن إذ نقدر للوفاق موقفها الحرج الذي جعلها أمام خيارين إما القبول بالكامل أو الرفض إلا أن ذلك لا يعد مبررا كافيا لعدم دراسة القانون بصورة متأنية قبل إقراره.

ولعل الحاجة أصبحت ماسة لوجود جهاز رقابي على المجالس المنتخبة كي يساهم الناس في مراقبة أداء ممثليهم، ونظرا لأهمية الأداء البلدي فإنه يعتمد على القدرة التفاوضية لدى العضو، وهو الأمر الذي يتمتع به بعض الأعضاء بينما يحتاج أعضاء آخرون إلى المزيد من الخبرة في هذا الجانب، لأن كثرة الاجتماعات مع المسئولين ورعاية بعض الفعاليات لا تعتبر إنجازا بقدر ما هي مظاهر لتحرك العضو ينتظر الناس منه ثمرة.

ولكي لا يتم الإجحاف بحق الأداء الإيجابي لبعض النشطين من أعضاء المجالس البلدية فإننا نرى أن هناك من كان أداؤه جيدا بينما كان أداء البعض دون المستوى المطلوب، ولأننا في المحافظة الشمالية فقد لفت نظري تصريحان، الأول تصريح رئيس بلدي الشمالية مع العضو عندما اجتمعا مع مالك أراضي الشاخورة والثاني التصريح بعد أحد الاجتماعات مع متنفذ المالكية. ففي اليوم الذي تلا الاجتماع مع مالك أراضي الشاخورة قرأنا خبرا يقول إن الأزمة في طريقها إلى الحل وأن المالك يطالب بتعويض مجز عن الأراضي، ولكن لم نلحظ أي اجتماع حتى الآن مع الأهالي المتضررين ولا اطلاعهم عن كيفية حصول المالك على هذه الأراضي ولا الاتفاق الأول بينه وبين وزارة الإسكان وهي أمور لابد من معرفتها حتى تتضح الصورة وخصوصا أن الكثيرين قد شرعوا بالبناء ولا يعرفون شيئا عن تطورات القضية.

إننا عندما نتطرق لمثل هذه الأمور فإننا ندرك بأن قوّة كتلة الوفاق تعني قوّة أداء المعارضة بينما ضعفها يعني العكس.

إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"

العدد 1778 - الخميس 19 يوليو 2007م الموافق 04 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً