العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ

فاس روح المكان وعبير الزمان

مدينة مغربية من «ألف ليلة وليلة»... عاصمة ثقافية وروحية ودينية

فاس، مدينة ألف ليلة وليلة، موجودة على ضفاف وادي فاس، وهو رافد من روافد نهر سابو، وهي أقدم مدينة ملكية في المغرب، بل هي عاصمة روحية وثقافية في المملكة، ذات تراث عالمي.

تتوّج فاس بتاريخها المجيد، المستوحى من التأثير الأندلسي الحاضر في الموسيقى والطبخ وفنّ العيش وفي الهندسة المعمارية... فاس هي مركز ديني وسياحي وجامعي. وفاس هي مدينة ألفيّة أسّست في سنة 789 من قبل إدريس الأوّل. اسمها - الذي يعني «الفأس» - يبرهن على الأسطورة التي بحسبها وجدت هذه الأداة في موقع الأسس الأولى.

هي ثالث أكبر مدن المملكة المغربية بعدد سكان يزيد على 1.4 مليون نسمة. تأسست مدينة فاس في 4 يناير/ كانون الثاني 808م/ 182 هـ، وستحتفل المدينة في العام 2008 بعيد ميلادها الـ 1200. تقسم فاس إلى 3 أقسام، فاس البالي وهي المدينة القديمة وفاس الجديدة وبنيت في القرن الثالث عشر الميلادي والمدينة الجديدة التي بناها الفرنسيون إبان فترة الاستعمار الفرنسي.

اختيرت مدينة فاس أحد مواقع التراث العالمي من قبل «اليونسكو» في العام 1981. تعد المدينة القديمة في فاس أكبر منطقة خالية من المركبات والسيارات في العالم.

تقع مدينة فاس في وادٍ خصيب وكأنها واسطة العقد بين التلال المحيطة بها من كل الجهات. ويوجد قرب المدينة الغابات التي تتوافر فيها أشجار البلوط والأرز التي يستخرج منها أخشاب عالية الجودة، وتحيط بها أراضٍ كثيرة صالحة لجميع أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع كثيرة من أشجار الفاكهة. ولكثرة بساتين البرتقال والتين والرمان والزيتون، تبدو المدينة زمردية اللون محاطة بعقود من الحدائق والبساتين وجبال خضراء داكنة متوجة بشجر الأرز والصبير وزهر عود السند. ومن الارتفاعات العالية يبدو اللون الأخضر هو الغالب على كل الألوان، على حين تتخلله نقاط بيضاء ما هي إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي.

يوجد بفاس معالم آثرية تدل على حضارتها عبر العصور الإسلامية، ومن أهم ما بقي من هذه الآثار السور وبواباته الثمانية (باب محروق، باب الدكاكين، باب المكينة، باب أبي الجنود، باب الفتوح، باب البرجة، باب السمارين، باب جبال، باب الكيسة، باب سيدي بوجيدة ، باب الخوخة، باب زيات، باب الحديد) بأقواسها الرائعة والنقوش والتخريم البارز فوقها والتي ترجع إلى عهد المرينين. وقد تجدد بعضها في العصور التالية ولكنها ظلت محتفظة بطابعها.

وفي داخل الأسوار تميزت المدينة بوجود عشرة آلاف بناية أصلية، وسبعين كيلومترا من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون، وبها أربعة آلاف نافورة وسقاية. تميز المدينة قصورها التي شيدها المرينيون على التلال التي تطل على فاس من جهة الشمال، وكذلك المنازل القديمة المكونة من طابقين حولها أفنية ضيقة ولكنها كسيت بحشوات من الفسيفساء الخزفية، والأبواب المزخرفة بزخارف جصية محفورة، ويحاط بعض المنازل بالحدائق والبساتين.

المارستانات

تعددت بفاس المستشفيات وكثرت، ويوجد عدد كبير من المستشفيات في خارج أبواب المدينة إلا أنها تقل جمالا عن تلك التي كانت بداخلها. وكانت هذه المستشفيات غنية جدا إلا أنه في أيام حرب سعيد عندما كان السلطان في أشد الحاجة إلى المال أشاروا عليه ببيع إيراداتها وأملاكها، وبقيت المستشفيات فقيرة محرومة تقريبا من وسائل العمل. وكان بالقرب من سوق العطارين وسوق الحناء مكان يقيم به المرضى بأمراض عقلية، وكان بناؤه قديما يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين، إذ بنى أبويعقوب يوسف بن يعقوب هذا المارستان لما تولى الملك سنة 1286م/ 685 هـ/، وعهد إدارته إلى أشهر الأطباء وخصص له الأوقاف الكثيرة من العقار للصرف عليه، ولما عظم أمر المارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبوعنان زيادات عظيمة. وفي سنة 1495م/900هـ لما أقام أهل الأندلس من المسلمين في فاس تولى رئاسة هذا المارستان طبيب من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقيين يعزفون أمام المرضى.

المساجد

انتشرت بفاس الكثير من المساجد إلا أن أشهرها على الإطلاق هو جامع القرويين الذي أسس في 857م، إذ كانت مساحته صغيرة ثم هدم وقام بتشييده علي بن يوسف المرابطي وزاد في مساحته زيادة كبيرة، وقام بزخرفته صناع أندلسيون، وقد بنى مئذنته الخليفة الأموي عبدالرحمن الناصر على نفقته الخاصة. ومازال مسجد القرويين يحتفظ بمنبره المصنوع من الخشب المحفور والمطعّم.

وزوّد هذا المسجد بثريا فخمة وحجرة للوضوء. ومن أجمل الآثار الباقية جامع الأندلسيين وهو من التحف الخالدة إذ تميز بسقف المصلى، وهو أثر فني خالد بجمال نقوشه وفسيفساء نوافذه الزجاجية التي تجتمع في رسومها ألوان شتى كما تميزه نجفته النحاسية المدلات من السقف وجمال تخريمها وقد أعيد بناؤه في عهد محمد الناصر وشيده تشيدا عظيما.

كما يوجد أيضا الكثير من المساجد مثل مسجد الحمراء، ومسجد الرصيف وغيرها من المساجد المنتشرة في أنحاء المدينة. وجميعها لا تقل روعة معمارها عن مسجد الأندلسيين.

الزوايا

انتشرت في مدينة فاس الكثير من الزوايا والمدارس القرآنية التي لعبت الأدوار الكبرى في تلقين الدين ونشر المعرفة بين المسلمين وهي على تعدد طرقها التصوفية من قادرية وشاذلية وتيجانية ودرقاوية وكتانية وغيرها من الطرق التي استطاعت أن تستقطب الكثير من المريدين، وتميزت هذه الزوايا بتعددها الفكري الذي ولّد نهضة علمية بين أهل فاس وذلك بظهور أسماء كبرى في تاريخ التصوف كان لها التأثير الكبير على المسار الفكري والسياسي بالمغرب.

ومن أهم هذه الزوايا: الزاوية الفاسية، الزاوية العبدلاوية، الزاوية السودية، الزاوية الدرقاوية، الزاوية التيجانية، الزاوية الوزانية، الزاوية القادرية، الزاوية الكتانية، زاوية العطار، زاوية سيدي أحمد الشاوي، وزاوية سيدي أحمد بلفقيه... وغالبية هذه الزوايا الآن هي عبارة عن مساجد تقام بها الصلوات الخمس ومنها من ناله الإهمال بعامل القدم والصامدة منها تسترجع ذكراها مرة كل سنة إما في ليلة المولد النبوي الشريف مثل الزاوية الكتانية، وإما في ليلة القدر المباركة كما هي الحال في الزاوية العبدلاوية.

فاس العاصمة العلمية والروحية

يوجد في مدينة فاس واحد من أعرق وأقدم المؤسسات العلمية وهو جامع القرويين الذي أسسته فاطمة بنت محمد الفهري في العام 859م/ 245هـ بعد تأسيس المدينة بمدة 51 عاما. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة ألف سنة. وبعد أن وسعه أبويوسف يعقوب المريني صار الجامع يستوعب 22 ألف مصلٍّ. كما صار يدخل إليه من 17 بابا منها بابان لدخول النساء، وكان هذا الجامع الفريد في بنائه وهندسته يضاء في عصوره الأولى بـ 509 مصابيح قائمة فوق قواعد قد يزيد وزنها على 700 كيلوغرام.

وتعد جامعة القرويين في العصر الحديث أقدم جامعة ثقافية في العالم إذ تخرج منها بعض علماء الغرب وفيها تعلم غربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلفستر الثاني. وفيها تعلم «الصفر العربي» في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا. كما درس في جامع القرويين أيضا ابن الشيخ الفيلسوف الرئيس موسى بن ميمون اليهودي القرطبي الذي كان من أعظم الأطباء في عصره والذي غادر الأندلس إلى المشرق وعُيِّن طبيبا لصلاح الدين الأيوبي ثم عُيِّن مدرسا بالقاهرة.

وفضلا عن هذا الجامع، فإن فاس كانت تضم 785 مسجدا جميعها أو معظمها كانت مدارسَ بالضبط كمساجد البصرة والكوفة تدرس فيها علوم الدين وعلوم اللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم. ولعل من أكبر مدارس فاس مدرسة السلطان أبوعنان المريني التي أسسها في العام 1355م/ 756هـ، وكان قد ألحق بها مسجدا للصلاة يتحلى بمئذنة لا مثيل لها في الجمال والأناقة.

ثقافة

لم يكن اختيار مدينة فاس عاصمة للثقافة الإسلامية، عشوائيا؛ فهي مدينة تعيش تحركا ثقافيا متميزا على مدار السنة يتجسد في مهرجانات واحتفالات دينية وأنشطة مختلفة ومتنوعة تتلون بشتى ألوان الإبداع.

العدد 1779 - الجمعة 20 يوليو 2007م الموافق 05 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:42 م

      الكاتب

      روح المكان رواية كألف روح مما تعدون لكاتبها عبد الرحمن احمد حامد

اقرأ ايضاً