العدد 1786 - الجمعة 27 يوليو 2007م الموافق 12 رجب 1428هـ

«الخيار» دخل سوق الفساد!

منذ زمن بعيد والمفردة في الأغنية العربية تعاني من سوء التشبيه، ففي السابق كان الفنانون يشبهون عيون من يحبون بعيون المها (أتمنى أن تشاهدوا عيون المها كي تعرفوا أن ليس بها من الجمال ما يذكر فهي عينان كبيرتان جدا وقبيحتان)، ولكن العرف أصبح أقوى من المنطق وأصبح الدارج في الأغنية من المفردات لا يرتقي باللفظ بل يكرس المتعارف عليه وفي هذا الواقع لا يمكن أن نغفل تأثير مصطلحات الشارع على الأغنية.

منذ سنوات والمثقفون والأدباء يطالبون بإنشاء جمعية لحماية الذوق العام تهتم بما ينشر ويعرض من أعمال فنية لتكون هذه الجمعية حجر عثرة في طريق كل من تسول له نفسه إفساد الذوق العام وكان من أهدافها منع الإعلانات غير الأخلاقية أو التي تستهزئ بعقلية المشاهدين ولكن من يحرصون على تحطيم ذائقة المجتمع تصدوا لإقامة هذه الجمعية بجميع الوسائل.

من السفهاء في وطننا العربي المفسدون للذوق العام، الممثل المصري سعد الصغير الذي أحدث ضجة كبيرة بأغنية «الحمار»، فلو سمع الحمار - مكرم القارئ عن هذه الكلمة - كلمات الأغنية لاحتج واستنكر لو كان له لسان ينطق به، وسيكون احتجاجه في محله لأنه لم يظهر منهم «حمار» سفيه يغني ويشبّه محبوبته «الحمارة» ببنات الآدميين.

الصغير ليس الوحيد في ساحة السفهاء، فهناك الممثل أحمد آدم الذي ظهر لنا بأغنية جديدة بعنوان «يا خيار» - خلصت الأحداث علشان يغنون على الخيار! - في فيلمه الجديد «صباحو كدب»، فقد أحدث هو الآخر ضجة واتهم بإفساد الذوق العام، إلا أنه برر غناءه «الخيار» بالكلام التالي: «غير صحيح أن الأغنية بلا معنى لأن الأغنية نفسها تحمل سخرية من تلك النوعية الغريبة من الأغاني التي انتشرت أخيرا في السينما. وأنا لا أقدّم أغنية لأجاري تيارا سائدا في السينما أو لأركب الموجة وإنما أعبر بها عن حال السينما والمغنى الآن» (الأخ حذف اسمه من قائمة المتهمين بإيصال السينما والمغنى إلى ما هو عليه اليوم). من المفسدين أيضا الفنان الكوميدي محمد سعد، وستصدق كلامي عندما تسمع أغنية «طظ» في فيلمه الجديد «كركر».

دائما ما كانت هناك أفلام تجارية، ولكن معظم ما هو سيئ في الأربعينات والخمسينات والستينات هو أفضل عملا مما هو سيئ اليوم. وكلها كانت أرقى ذوقا وخصوصا أنها جميعا كانت تخلو من «طظ» في أغانيها.

ألا يفكر هؤلاء في أي شيء آخر سوى نجاحاتهم وأنفسهم؟ ألم يعد لديهم حس تجاه شيء سوى اللمعة لخمسة عشر شهرا في السينما؟ ألم يعد يعنيهم الوضع المزري للإنسان العربي؟ ألا يعني لأي منهم شيئا الضحايا التي تسقط كالذباب في العراق وفلسطين ولبنان؟ أتسعدهم الحال فيغنون طربا ويطلعون علينا ليبتسموا دائما ويرفعوا الشعارات ويرددوا الأكاذيب؟

إنه ليس أمرا طبيعيا على الإطلاق ما يحدث. كيف لنا أن نغني كل يوم ونرقص كل يوم ونؤم الحفلات كل يوم ونكذب كل يوم وننام أيضا؟ كيف لنا أن نسمح لأنفسنا أن ننتج أفلاما كتلك السائدة تحمل أغاني كتلك السائدة وننام أيضا ملء الجفن ونصحو في اليوم التالي لمزيد من الكذب والرياء وقلة الحياء؟ وكيف تستطيع هذه الأمّة أن تكون خير أمّة إذا ما كان فيها كل هذا التخلّف في التفكير ومناهج العمل والأخلاق والتصرّفات؟

العدد 1786 - الجمعة 27 يوليو 2007م الموافق 12 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً