العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ

عسكرة الفضاء وتنشيط الهويات المتقاتلة

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لا شيء يريح المواطن العربي أو المسلم «أميركيا» على رغم من كل ادعاءات الحرص الزائد الذي تبديه الإدارة الأميركية في هذه الأيام تجاه الأمن والاستقرار العربيين!

فالمشهد الذي تحاول أن ترسمه واشنطن خليجيا في هذه الساعة هو أن ثمة خطر داهم على العرب اسمه إيران اينبغي أن يقابل بنظرها بتسلح فاحش أقل ما يقال بشأنه هو اثقال كاهل الخزينة العربية بهدر غير مبرر للموارد وإطلاق سباق تسلح محموم يقوم على الوهم ولا تقدر دول المنطقة على تحمله طويلا ولن تبعث نهاياته السعادة فضلا عن التنمية المنشودة لأحد أي أحد من أهل المنطقة اللهم إلا الطارئين عليها من جنس الدولة العبرية!

أما المشهد مغاربيا وكما تحاول واشنطن الإيحاء به بل وفرضه سواء من خلال تسهيل عمليات الاختراق الأمني والمخابراتي لدوله أو من خلال ممارسة أعلى درجات الضغط فهو أن المنطقة تتعرض لخطر «القاعدة» الداهم والذي لا يمكن مقارعته والتغلب عليه إلا بالقاعدة الأميركية لكل بلد من بلدانه!

وأما لبنانيا فقد أخذت واشنطن تذهب عميقا في التحول من مجرد محرض على القوى المناهضة لسياساتها إلى طرف فاعل وأساسي في المعادلة السياسية الداخلية ترجح فئة على أخرى لتصبح هي أصل المشكلة اللبنانية حاليا بسبب الفيتو الذي باتت تضعه على مبادرات الحل المحلية أو العربية أو الدولية كافة ما لم يتضمن التصور الأميركي للبنان الذي تريد، وانتقالها أخيرا إلى مرحلة الملاحقة الفردية لكل من يقف حجر عثرة في طريق تكريس نفوذها وهيمنتها على القرار اللبناني!

وأما فلسطينيا فالمشهد ليس بأفضل أن لم يكن أسوأ من أي وقت مضى على رغم الأجواء المبهجة التي تحاول واشنطن إشاعتها بخصوص حرصها على قيام الدولتين المتصالحتين! أي دولة الضحية المجهولة والغامضة في حضن دولة الجلاد القوية والقاهرة، فهي هنا أيضا إذ تكذب على العالم بكل وقاحتها المعهودة فقد أصبحت أيضا طرفا فاعلا وأساسيا في التحريض الداخلي الفلسطيني على أمل نجاح مخطط الاستنزاف الطويل للدم الفلسطيني بما يجعل قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا في الأمد المنظور فتصبح واشنطن في حل من تعهداتها الكاذبة والمخادعة أصلا للعرب!

يبقى «درة التاج» العربي الذي قررت واشنطن بحسب ظنها أن تهديه إلى الدولة العبرية منذ ربيع العام 2003 أي العراق كما ورد في حينه على لسان الكثير من عرابي الحرب، فالمشهد فيه هو الأسوأ أميركيا، فواشنطن إذ تحضر للسيناريوهات المختلفة للهروب الاستراتيجي المشرف!

من العراق مع مطلع العام المقبل بحسب الكثير من المتبحرين في عمق الأزمة الأميركية الخانقة في العراق، لاترى بدا من أثارة كل أنواع الغرائزية الممكنة والمحتملة من طائفية أو عرقية في المشهد العراقي حتى لا يبقى حجر على حجر ليس في العراق وحده بل وفي الإقليم كله.

وهنا يكمن بيت القصيد فيما تخطط له الإدارة الأميركية وفيما تفصله من مشهد مأسوي لأهله على خلفية اكذوبة خطر التطرف الإيراني الداهم من جهة! والتشيع الزاحف على المنطقة من جهة أخرى! مهددا للأمن القومي العربي في الصميم! في الوقت الذي تمد فيه الإدارة الأميركية يد الرحمة والتواصل إليه، مترافقة مع دعوات السلام والتطبيع مع الدولة العبرية «المسالمة والمعتدلة»! ومن أجل حماية هذا التحالف المعتدل والمسالم تقدم إلينا الإدارة الأميركية متفضلة منظومة الأمان التسلحية المنشودة القائمة على ركني الصفقات الكبرى والقواعد الارتكازية الثابته! وفي غير ذلك فالويل والثبور لمن يعترض أو حتى يتذمر لأن «القاعدة» الأخرى ستكون له بالمرصاد! هذه هي الخلفية الحقيقية لتحركات رايس - هيرست المزدوجة الأخيرة والتي طبعت المشهد الكلي للوطن العربي وسائر المشرق الإسلامي والذي تفضل الإدارة الأميركية إطلاق تسمية «الشرق الأوسط الجديد» المشبوهة والملغمة عليه البتة!

ثمة تناقض فاضح يبرز هنا في سلوكيات الجانب الأميركي تجاه الدول العربية فهي من جهة تحاول إيهامهم أو ممارسة الضغط العالي عليهم لوضعهم في حالة تنافر مع جارتهم «المتطرفة» إيران وفي حالة أقرب ما تكون إلى القطيعة مع بنت جلدتهم أي الدولة السورية «العاقة» من جهة لكنها من جهة أخرى لا تتورع من استجداء الحوار مع هاتين الدولتين والبحث عن أي قناة حوار سرية أو علنية أو مشروع مبادرة لعقد صفقة تفاهمات معهما تبدأ في خطوة التفاهم على الأمن العراقي المفقود وقد لا تنتهي عند الملف النووي! وكل ذلك تحت العنوان العريض الذي لايزال هو المفضل إقليميا لدى الأميركيين إلا وهو الحفاظ على أمن «إسرائيل».

وفي هذا السياق أيضا فإن ثمة مقولة تقول إن أفضل دعاية وترويج لبيع الأسلحة أو إشاعة مناخ مناسب لسباق التسلح في أي منطقة من العالم هو إشاعة أجواء التوتر بين بلدان تلك المنطقة وصناعة القلق وعدم الثقة بين أبنائها الأمر الذي يدفع عمليا إلى عسكرة الفضاءات والتخندق حول الهويات المتقاتلة آيديولوجيا أو مذهبيا أو طائفيا أو عرقيا!

ألم يعملوا على ذلك ويحرضوا عليه وينجحوا به إلى حد كبير في الحرب المفروضة على الشعبين الإيراني والعراقي طيلة ثماني سنوات عجاف؟!

ألم يفعلوا ذلك ويفلحوا فيه كما لم يفلح أحد في تاريخ لبنان بين اللبنانيين والفلسطينيين وفي ما بين اللبنانيين انفسهم وعلى امتداد 17 عاما؟!

ألم يفلحوا في تأليب الاخوة على بعضهم بعضا في فلسطين ولايزالون مصرين على منعهم من العودة إلى طاولة المفاوضات تحت طائلة قطع المساعدات وتجويع العامة من الناس؟!

ألم ينجحوا في تمزيق الشعب العراقي وتحويله إلى اشلاء متناثرة وهويات متناحرة وكيانات متقاتلة على سراب ووهم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تداس يوميا تحت أساطيلهم وأحذية جنود الغزاة باسم الحرية والتحرر من التطرف والأهراب؟!

إلا يحاولون اليوم وبكل ما أوتوا من قوة ومن حبائل الفتن أن يمنعوا القوى والاطياف اللبنانية من التوصل إلى أي شكل من أشكال الحلول وإحباط كل مبادرة حل أو تسوية محلية كانت أو إقليمية أو دولية باعتراف الأطراف اللبنانية كلها بحجة أن تسوية لا غالب ولا مغلوب التي يطالب بها غالبية عقلاء لبنان ومعتدليهم تعني فيما تعني الاعتراف بالمقاومة الوطنية وزعزعة استقرار الحكومة اللبنانية؟!

إن الرد الوحيد على أجواء «العسكرة» وفضاءات «الهويات المتقاتلة» وسباق التسلح المحموم هو بلا تردد ينبغي أن يكون بالمصالحة الشاملة بين أبناء هذا المشرق العربي والإسلامي والاستقلال الناجز لإراداته وتحريرها من التبعية لشروط الخارج المجحفة.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً