العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ

دروس من باكستان

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

احتفلت باكستان يوم أمس بالذكرى الستين لتأسيسها واستقلالها... وفي هذه الذكرى الكثير من العبر. فباكستان اسم تم اختراعه في ثلاثينات القرن الماضي، والفكرة كانت تتمحور حول جمع مسلمي الهند في شمال غرب الهند وفي الشرق (حاليا بنغلاديش). باكستان انفصلت عن بنغلاديش في 1971 بعد حرب أهلية بين مسلمي البلدين. وباكستان استلم قيادتها العسكر منذ 1956، والحكم المدني عاد إليها لفترة وجيزة في عهد ذوالفقار علي بوتو بين 1972 و1977. ولكن العسكر بقيادة الجنرال ضياء الحق انقلب على الحكم المدني في 1977، وقام بإعدام بوتو في 1979، وأعلن بوتو حينها أنه قرر تطبيق الشريعة الإسلامية، وأفسح المجال للجماعات الإسلامية بالسيطرة على مواقع النفوذ طلبا لرضاها.

الجماعات الإسلامية كانت معتدلة النهج قبل ضياء الحق، ولكن بعد ذلك انتهجت مسالك فقهية تعبر عن نفسها حاليا من خلال 26 ألف مدرسة دينية يداوم فيها مليون شخص، وجميع هذه المدارس تدار بصورة مستقلة. وفي بعض هذه المدارس تدرب طلاب أفغانيون (طالبان)، تمكنوا من التوسع وتسلم الحكم في أفغانستان بين 1996 و2001، وهؤلاء مثلوا أنموذجا للفكر الجهادي الاقصائي الذي انتشر في شتى أنحاء العالم، وأصبح تنظيم «القاعدة» يمثل ذراعه الضاربة.

الفكر الطالباني لم يعد منحصرا بحركة طالبان الأفغانية وبتنظيم «القاعدة»، وإنما أصبح الآن يهدد استقرار باكستان، كما شاهدنا ذلك في حوادث «المسجد الأحمر» في إسلام آباد الشهر الماضي. ولو قارنا ذلك بما حدث في الهند (التي تحتفل اليوم بمرور 60 عاما على استقلالها)، فسنجد أن الهند لديها تعليم «حديث» ومتطور، قبالة تعليم ديني منغلق انتشر في باكستان... وسنجد أن العسكر يخضع للمدنيين في الهند وهو عكس ما يحدث في باكستان... وسنجد أن الساسة المدنيين في الهند ليسوا من الاقطاعيين الكبار كما هو الحال مع عائلة بوتو وقادة سياسيين آخرين في باكستان.

باكستان هي ثاني بلد مسلم من ناحية عدد السكان، ووزنها السياسي في العالم الإسلامي يستحق موقعا أكبر مما هو عليه الآن، ولكن ذلك مرتبط بقدرة النظام السياسي على الاستقرار على يد المدنيين غير الاقطاعيين (وليس على يد العسكريين)، وبقدرة النظام على إبعاد الأفكار الخطيرة عن المدارس الدينية الأهلية والتي يعمل بعضها على تسميم المجتمع، واعتماد مناهج تعليمية تتناسب مع تاريخ مؤسسي باكستان (وهو تاريخ عريق). إن أحد دروس باكستان هو أن الاستعانة بالحركات المتطرفة تقلب الوضع لاحقا على من استعان بهم، ويتحول بلد جميل معروف بالتسامح - مثل باكستان سابقا - الى ساحة للتقاتل الطائفي والارهاب بشتى صنوفه.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً