العدد 1809 - الأحد 19 أغسطس 2007م الموافق 05 شعبان 1428هـ

باربي: الدمية الخطرة (3/3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مما لاشك فيه لا يوجد مجتمع من المجتمعات إلا وله ألعابه التي تستمد أصولها من تراثه وخصائصه البيئية التي ترافق أطفاله منذ المهد، وحتى المراحل المتأخرة من الطفولة، وتحمل في أشكالها وأنماطها وسماتها وأزيائها الخصائص المميزة والشائعة في هذا المجتمع. واهتمت مجتمعات كثيرة بتصنيع وإنتاج لعب وعرائس قومية لأطفالها؛ تحمل صفاتها المميزة مثل باربي وساندي... الخ.

وفي سياق صناعة الدمى للأطفال، أعلنت منظمة الطفولة التابعة إلى الأمم المتحدة (اليونسييف) قبل بضعة شهور تقديمها مساعدة مالية إلى الحكومة البوسنية لإنتاج لعبة للأطفال البوسنيين اسمها أمينة؛ لتكون بديلا للدمية الأميركية (باربي). وذكرت إحصائية صادرة عن مؤتمر الطفولة الذي عقد حديثا بجامعة الدول العربية في القاهرة أن أكثر من 90 في المئة من لعب ودمى الأطفال الموجودة في العالم العربي تم استيرادها من الولايات المتحدة الأميركية والصين، وفي هذا الصدد تبنى المؤتمر توصية بتشجيع إنتاج دمية أطفال تعكس القيم العربية الأصيلة وتكون بديلا ومنافسا لباربي.

ومنذ سنوات عدة طرح الخبراء التربويون العرب قضية رسم شخصية كرتونية عربية لصد غزو الشخصيات الأميركية مثل ميكي ماوس وتوم وجيري، ونوقشت القضية في عدة مؤتمرات تربوية وإعلامية عربية، وأجرى الصندوق العربي للطفولة والتنمية مسابقة أعلنت نتائجها في يوم الطفل العربي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1996 تبنى على إثرها عدة شخصيات عربية لكن أي منها لم يحقق انتشارا واسعا. ومنذ ثلاث سنوات ظهرت دمية عربية... إنها الدمية السورية فلة، وكان أول ظهور لها في دمشق العام 2003 في زي «مناسب للمجتمع العربي» وما ساعد على انتشارها كان ظهور مسلسل كرتوني يحمل اسمها.‏ ولا تزال فلة موضع اهتمام الصحافة العربية، وقد خصصت صحيفة «زهرة الخليج» الصادرة في أبوظبي بتاريخ 11 مارس/ آذار 2006 ثلاث صفحات للحديث عنها بعنوان: «فلة المحجبة تتفوق على باربي الغربية».‏ وكانت إيران سبقت العرب في تحدي باربي بإنتاج دمية محجبة أسمتها «سارة»، بهدف توصيل القيم الإسلامية للعالم. فهناك نزلت السلطة الدينية بقضّها وقضيضها الى الساحة، فصدرت فتوى بحق الدمية الأميركية أسمتها «هي – الشيطان» ووصفتها، مستعينة بالقاموس الصيني، بـ «التلويث الروحي».

فباربي، بحسب وجهة النظر الإيرانية، أخطر من الصواريخ، مثل حصان طروادة الخشبي يختبىء داخله الكثيرون من جنود الغزو الثقافي. وربما تذكّر بعض رجال الشرطة الأخلاقية (كوميته) الأكثر معرفة ما فعله الجينز بالاتحاد السوفياتي، فباشروا اعتقال التجار الذين يبيعونها.وفي السياق نفسه، أقدم «معهد التنمية الفكرية للأطفال والمراهقين الصغار» التابع إلى وزارة التعليم الإيرانية على إنزال «ساره» (سارا) و «دارا» الى الأسواق، دميتين أريد لهما التصدي لباربي ومفاعيلها «الغربية» السيّئة. وسارا، لأنها في الثامنة، ينبغي أن تكون محجّبة مغطّاة بالأسود، بدلا من «ملابس الفتنة والغوي الباربيّة»، يصحبها أخوها دارا فيتعاونان معا لحل مشكلاتهما، وإذا، فشلا أوعجزا، طلبا مشورة الأهل وعونهما.ولئن سُعّرت سارا المطيعة بأقل من نصف سعر باربي، أكدت المصادر الرسمية في طهران أن الطلبات تتدفّق، من آسيا وأوروبا وحتى من الولايات المتحدة نفسها، على الدمية الأخلاقية الصالحة، بيدَ أن الإيرانيين الذين تمكن الصحافيون الأجانب من التحدّث اليهم قالوا إن بعض الأهل يشترونها لأطفالهم، غير أن الأطفال لا يجدون فيها ما يمتعهم ويسلّيهم. ولم تكن إيران الدولة الإسلامية الوحيدة التي حاربت «باربي»، فقد أعلنت بعض الدول العربية منع بيع دمية باربي، ومصادرتها من أسواقها، وذلك بسبب - كما قالت السلطات المسئولة في تلك الدول - ملابسها الفاضحة التي تشكل «تهديدا قويا للقيم الأخلاقية في الدين الإسلامي». ومن الطبيعي أن تقوم العائلات العربية التي تعيش في المهجر بالبحث عن دمى لها صفات ومميزات قريبة الى ثقافتهم وتراثهم، فالدمية باربي التي تكتسح أسواق العالم وخصوصا الولايات المتحدة، مسقط رأسها، غير ملائمة وسماتها - من وجهة نظرهم - لا تطابق الثقافة والحضارة العربية، لذلك يتطلب الأمر البحث عن بديل آخر، وفعلا هناك في الأسواق الأميركية دمية أخرى تحاول «منافسة» باربي وتُعرف باسم رازان.

هذا الأمر جعل «باربي» تعيد النظر في سياستها. وحاليا يخطط نيل فريدمان من شركة ماتيل لإعادة الحياة إلى دمية باربي التي حققت أفضل أرقام المبيعات في الولايات المتحدة الأميركية وحول العالم وقال فريد مان لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» كان ينقص باربي التركيز والرؤية وحتى الحملة الإعلانية المكثفة والموجهة ومن الواضح أنه لم تكن توجد أية إثارة في هذا المجال. اليوم وبعد الأزمة المحدقة بشركة ماتيل، هل يحرك ذلك شركات الدمى وألعاب الأطفال العربية كي تقدم شيئا ناجح تربويا ويحبه الأطفال العرب ترفيهيا؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1809 - الأحد 19 أغسطس 2007م الموافق 05 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً