العدد 1815 - السبت 25 أغسطس 2007م الموافق 11 شعبان 1428هـ

من هم هؤلاء... الاقتداء بأميركا

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

التوّجه الاقتصادي الجديد في ملامحه الأولوية، يثير الرعب في قلوب الفقراء، فالصبر على ضعف الدخل، يخفف من حدّة مشكلاته، مجانية الخدمات والدعم على الكهرباء والسلع الرئيسية، ما يبقي على الفقراء أحياء.

السياسة الاقتصادية الجديدة، متمثلة في سلوك الحكومة، ومحاولاتها التخلي حتى عن الخدمات، يؤشر إلى توّجه رسمي نحو اعتماد الليبرالية الاقتصادية الجديدة. وهذه تختلف عن اقتصاد السوق الحر الذي ساد منذ أربعينات القرن الماضي، وتم من خلاله تبني فكرة «مجتمع الرفاه» التي ابتدعها الاقتصادي الإنجليزي الشهير، جون كينز.

وليبرالية كينز عبارة عن تعديل على الليبرالية القديمة التي تتشابه جدا مع الليبرالية الاقتصادية الجديدة «new liberalism» القائمة على إقصاء الدولة من كل نشاط اقتصادي، بما في ذلك تقديم الخدمات المجانية للشعب، وقصر دورها على حفظ الأمن الداخلي والشأن الخارجي، وتطبيق القانون.

الخشية أن تكون الحكومة وتناغما مع الفكرة الجديدة تلك، تتخلى من مسئوليتها الدستورية في توفير الخدمات للشعب، ولكن ذلك يتم عن طريق تضييق الخناق التدريجي على هذه الخدمات من دون إلغائها، فالخدمات الصحية في تردّ، والمرضى يعانون من صعوبة الحصول على سرير في المركز الطبي العام الوحيد التابع للحكومة (السلمانية)، ويحتاج المريض - بلا أدنى مبالغة - انتظار 5 أشهر من أجل موعد الفحص من قبل استشاري في مركز السلمانية.

والخدمة الأهم بعد الصحة، تراجع خدمة التعليم المجاني، من حيث إهمال المعلم وتكليفه ما لا يطيق من عدد الحصص، وتحمل مسئولية أعداد كبيرة من الطلبة في الفصل الدراسي الواحد، والذين يبلغون ثلاثين طالبا وأكثر، يعجز المعلم من متابعة إنجاز واجباتهم اليومية، بجانب التمييز الذي يحرم الكثير من أبناء العوائل الفقيرة والمتوسطة من بعثات التعليم العالي التي تذهب لآخرين.

غير أنه يوجد بصيص أمل، فمن أجل ضمان أن يعيش المواطن في الحد الأدنى قبل أن تسحقه السياسة الجديدة بأقدامها وتتركه طعما للتشرد والجوع والحرمان، وحتى لا تفلت الحكومة من مسئولياتها، فإن تحديد «الحد الأدنى اللازم للمعيشة» الذي جاء في المادة 15 من الدستور، ومعه أيضا مصطلح «أصحاب الدخول الصغيرة»، قد تخفف من قدرات الحكومة الفائقة في التملص من مسئولياتها، خصوصا إذا صدر قانون للتعريف بمن يشملهم ذلك المصطلح، وتحديد ما يجب تجاههم من دعم، حفاظا على مستوى المعيشة اللائق لهم، فقد جاء في المادة 15 بند (ب) « ينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنـى اللازم للمعيشة». يجدر التنبيه إلى أنه لو اعتبرنا أن اقتطاع 1 في المئة للتأمين ضد التعطل ضريبة، لكان فرضها على الكل وفقا لهذه المادة الدستورية، يعتبر باطلا، إلا إذا زعمنا بعدم وجود أصحاب دخول صغيرة.

وإذا كان البعض يزعم الاحتذاء بأميركا في التوجه النيوليبرالي الذي بدأ منذ عهد رونالد ريغان الذي حكم فترتين رئاسيتين (1981 - 1989)، فإن في أميركا قانونا يعيّن خط الفقر الذي يستوجب على الدولة التدخل لإنعاش من يقعون تحته، بينما في دستور مملكة البحرين، بجانب مصطلحي «الحد الأدنى اللازم للمعيشة» و»أصحاب الدخول الصغيرة»، يوجد مصطلح آخر، وهو «ذوي الدخل المحدود»، وهو ما جاء في المادة 9 بند (واو)، ونصها « تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين». ولكن لا يوجد قانون يعرّف بكل هؤلاء وبحقوقهم، ما يستوجب السعي الحثيث لتحقيق هذا المطلب الدستوري الملح حتى يستطيع هؤلاء مقاضاة الدولة عندما تهدر حقوقهم.

إلى جانب قانون لتعيين خط الفقر، يوجد في أميركا التي بدأت تباشير الطريق الاقتصادي الجديد يبزغ منها، قانون للحد الأدنى للأجور في الكثير من الولايات، يتم مراجعته دوريا وتعديله.أما هنا، فقد جرت محاولات عديدة من أجل هذا الغرض، وعقدت عليه بعض المؤتمرات وقُدّمت الدراسات، ولكن تم إجهاض هذا المطلب بمختلف الأعذار، واكتفت الحكومة بما تسعى له وزارة العمل من رفع رواتب المواطنين إلى 200 دينار، ليس عن طريق آليات تعمل تلقائيا لتعديل هذا الراتب مستقلا خصوصا مع تغير كلفة المعيشة، ولكن عن طريق الطبطبة على ظهور أرباب العمل. وإذا ما علمنا أن الحد الأدنى المقترح للرواتب حسب دراسة صدرت فيما يتعلق بسنة 1983 هو 150 دينارا، (هذا ما ذكره الوكيل المساعد ورئيس صندوق العمل حاليا عبد الإله القاسمي في مؤتمر عُقد سنة 2002 كما نقلت ذلك صحيفة محلية بتاريخ10 يناير 2002م)، فإن مقارنة 150 دينارا لسنة 1983 مع الوضع الحالي يثير الشفقة والأسى على راتب الـ 200 دينار الذي تسعى الحكومة جاهدة لنزعه من القطاع الخاص، كما ينتزع العيار الدينار من مال البخيل.

إن « ذوي الدخل المحدود»، و« أصحاب الدخول الصغيرة» والذين يعيشون بـ « الحد الأدنى للمعيشة»... هؤلاء الذين ذكرهم الدستور في مواده ولم يتم تعريفهم وتعيين حقوقهم، ما زالوا يتكاثرون في منطقة يُطلق عليها منطقة الطبقات السفلى الفقيرة كتكاثر الفطر، ولكن ليس بالتوالد وإنما بالانتقال إليها من منطقة الطبقة الوسطى التي هجروها رغما عنهم. غير أن تفعيل مثل تلك المواد الدستورية آنفة الذكر، بإصدار تشريعات فيما يتعلق بهذه المصطلحات الدستورية، يمكن أن يبعث شيئا من الطمأنينة، وشيئا من الأمن حيال المكر الذي يكنه التوجه الاقتصادي الجديد.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1815 - السبت 25 أغسطس 2007م الموافق 11 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً