العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ

«السياسة» في تعريفاتها الأولية

هناك حقيقة ثابتة بشأن الحياة... تلك هي حقيقة التغيير. مثلا: التغيير من موسم إلى موسم آخر، الأشخاص يكبرون في العمر، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتغير وتؤثر على ملايين البشر. في وسط هذا التغيير المستمر: الإنسان يحتاج إلى الأمن. هذا الأمن يتحقق عندما يستطيع المرء أن يستقرئ الواقع، ويتوقع ماذا سيحدث. ومن خلال ذلك فإن الإنسان يسعى لترتيب شئونه من أجل الحفاظ على نفسه وتطويرها. يمكن فهم السياسة من خلال النقاط الحوارية التالية:

- يراقب الإنسان ويستقرئ أنماط الحياة الطبيعية ويدرس الأطر التي يتصرف من خلالها. فالإنسان الذي يريد استحصال المزروع عليه متابعة التغيرات البيئية وتطوير وسائل الحياة لمواكبة ذلك التغيير والاستفادة منه.

- إذا الإنسان يؤيد التغيير إذا كان ذلك موجها لمصلحته، ويعارضه إذا أثر على مصلحته. إلا أن التغيير لا يتوقف.

- النظام (Order) أمر طبيعي يسعى له الإنسان، لمواكبة التغيير بصورة سلمية، وبهذا يستطيع البقاء مع التغيرات والاستفادة منها.

- وبسبب ملازمة التغيير ( Change) للإنسان فإن الاختلاف (Conflict) أمر ملازم أثناء إدارة أو مواكبة عملية التغيير. والاختلاف بين البشر هو بشأن اتجاه التغيير ... متى وكيف يحدث وبأية طريقة. والاختلاف يتنوع من الخلاف اللفظي إلى المواجهة العسكرية.

- وفي المجتمع البدائي، يتصدر الأشخاص ذوو الصفات المميزة، مثل الشجاعة العضلية، وقوة الجسم شئون المجموعة البشرية التي يوجدون فيها. وطبيعة الأفراد الذاتية هي المصدر الأساسي للنشاط السياسي. هذا النشاط السياسي يوجد في كل أمر يتعلق «بقرار» يتخذه الفرد تجاه شأن من شئون الحياة. واتخاذ القرار عادة يستلزم معالجة الخلاف بين الأفراد.

- إن عملية إدارة الخلاف واتخاذ القرار، سواء كان ذلك على مستوى العائلة، المدرسة، المجتمع، الخ... هي عمل سياسي بالأساس.

- الفرد، المجموعة، والأمة قد يكون لهم آراء مختلفة بشأن نوعية التغيير المطلوب، وكيفية تطوير المجتمع وكيفية التعامل بين أفراد المجتمع.

- كيف يتم حل الخلاف؟ من هو صاحب الكلمة الأخيرة وكلمة الحسم؟ هذه أسئلة تقع في قلب العمل السياسي.

- في المجتمعات البدائية كانت البطولة الفردية والعضلات «والعنترية» التي تثبت في القتال هي التي تحمل لواء القيادة. عندما يختلف الأفراد، يترك الأمر لزعيم القبيلة أو المقاتل البطل ليعطى كلمة الفصل. والذي يملك كلمة الفصل لديه السلطة (Power) والصلاحية (Authority) لممارسة «السيادة» على المجموعة البشرية التي يعيش فيها. وعادة ما تتم إدارة الشئون العامة من خلال مجلس «غير رسمي» للاستشارة. وبهذه الطريقة فإن المجموعة البشرية تكون قد نظمت أمورها بصورة بدائية /أولية لإدارة العملية السياسية. وينشأ من هذا النمط وسائل تنفيذية، قوانين، أعراف، وقرارات تسعى للحفاظ على بقاء الكيان بصورة موحدة.

- الذين يتصدرون المجموعات البشرية يصدرون قرارات ويشرعون قوانين ويقرون أعرافا، جميعها تؤثر بصورة مباشرة على حياة الآخرين الذين ينضوون داخل تلك المجموعات. وبطبيعة الحال، فإن الوضع سرعان ما يأخذ في التبلور والاختلاف بين فئة حاكمة وأخرى محكومة.

- في المجتمعات المدنية والمتحضرة، يسمح بالتنافس بين النخب والمجموعات التي تسعى للفوز بالحكم، ويعطى «الجمهور» حق اختيار إحدى الفئات المتنافسة، ويتم ردم الفجوة والفراق بين الحاكمين والمحكومين من خلال «عقد اجتماعي» يرعى العلاقة بين «النخبة» الحاكمة و «الأكثرية» المحكومة.

- الشخص، أو الفئة التي تملك السلطة والصلاحية لاتخاذ قرارات حاسمة و «الكلمة النهائية» في القضايا لديها «السيادة». سيادة الحكم هذه تضمن الاستقرار للجمهور ويحميهم من المخاطر في الوقت الذي يمارس أفراد ومجموعات الجمهور دورهم في عملية البناء والتغيير.

- «الاستقرار» يتأثر مباشرة عندما يرحل قائد من موقعه. هذا الرحيل - في المجتمعات البدائية - قد يكون بسبب طبيعي، كالموت، أو بسبب آخر أدى لعزله ورحيله عن الموقع القيادي.

- ولهذا، فإن عملية انتقال القيادة من شخص لآخر هي من أكثر الموضوعات حساسية، في المجتمعات البدائية تتم هذه العملية من خلال انتقال «السيادة» من الأب الحاكم إلى الابن الذي يرث الحكم. ويسعى المؤمنون بهذه الطريقة في انتقال الحكم لتبرير عملهم بالاعتماد على مفاهيم تتخذ من «الأعراف» مبررا. وبعض الأحيان يقول أصحاب هذا الرأي إن «الدين» يؤيد هذه الطريقة في توارث الحكم أبا عن جد.

- على مر العصور، اضطر المؤمنون بنظرية توارث الحكم المطلق للحفاظ على «الاستقرار» من خلال مواجهة الجمهور المحكوم، للسيطرة عليه وعدم السماح لأي طرف داخله باستحصال وتطوير مواقع اقتصادية أو اجتماعية قوية منافسة. في مقابل ذلك، لم يتوقف المحكومون من « فضح» الاستغلال البشع للسلطة المطلقة. ويشيرون إلى التعامل الاعتباطي والعشوائي، إلى سوء الإدارة، إلى عدم العدالة، إلى الفساد المالي والأخلاقي، وإلى بقية نقاط الضعف الناتجة عن احتكار الشأن العام.

- الذين يسيطرون على الحكم ويتوارثون السيادة يطلق عليهم «الملوك» أو العوائل المالكة، أو القبائل الحاكمة. على مر العصور كان هناك الملك العادل والملك الظالم.

- الحكم الملكي المتوارث يقترن تاريخيا بالحكم المطلق وهذا يعني بأن الحاكم مطلق اليد من دون حدود. والمجتمعات التي واجهت هذا النمط من الحكم سعت إما لقلب النظام (مثل الثورة الفرنسية) أو لفرض حدود على الحكم المطلق، وينتج عن ذلك «ملكية دستورية» بمعنى أن العائلة المالكة ترتبط مع المجتمع من خلال دستور ينظم العلاقة بين الطرفين. وهذا هو الحال في دول مثل بريطانيا والسويد وغيرها.

- الدستور إذا هو الوثيقة التي تحدد الصلاحيات والعلاقات بين الحاكم والمحكوم. وهذا الأمر يحتاج لــ «الإجماع»، بمعنى إجماع الأفراد والجماعات والموافقة على ما يحدده الدستور.

- طريقة أخرى انتهجتها الجماعات البشرية، هي إقامة نظام «جمهوري» ينتخب بصورة من الصور لإدارة العملية السياسية بالاعتماد على دستور وإجماع.

- عملية اتخاذ القرار السياسي متنوعة في المجتمعات المدنية المتطورة. ولكنها جميعا تحاول إثبات أن القرار يمثل «الإجماع».

- «الإجماع» هو الأساس إذا. ولكن بما أن الإجماع الكلي لا يمكن تحقيقه دائما، تلجأ المجتمعات للأخذ برأي الأكثرية، من دون الانتقاص من حقوق الأقليات. وفي هذا الأمر نقاش طويل.

- «الإجماع» يعبر عن المفاهيم والثقافة المشتركة في المجتمع.

- المفاهيم والثقافة السياسية لها أبعاد ومحركات أساسية تعتمد عليها الفئات الحاكمة والمجتمعات (إلى المستوى المحلي والإقليمي والدولي): البعد الأيديولوجي، البعد الاقتصادي، البعد الاجتماعي - الحقوقي، البعد السيادي - الاستقراري.

* (نقاشات في ورش عمل نظمت في 1998)

العدد 1826 - الأربعاء 05 سبتمبر 2007م الموافق 22 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً