العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ

وقفة على استقالة معصومة المبارك

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

معصومة المبارك هي أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت وتعتبر أول وزيرة في تاريخ الكويت حيث أصبحت وزيرة للتخطيط ووزيرة دولة لشئون التنمية الادارية العام 2005، أصبحت وزيرة للمواصلات وذلك بالتشكيل الوزاري يوليو/ تموز 2006، ومن ثم عينت وزيرة للصحة بالتشكيل الوزاري للعام 2007.

تقدمت باستقالتها أخيرا من منصبها بعد حادثة حريق مستشفى الجهراء حيث كانت خطوة جدا جريئة وشجاعة وصفها المراقبون، إذ علقت بأنها مباشرة بعد الحادثة بأنها مسئولة عن «الحالة المتردية» التي صار إليها القطاع الصحي على رغم كونها لم تتسلم الوزارة إلا بفترة وجيزة جدا لا يمكن لها أن تحقق فيها إنجازات ولا يمكن لها أن تحارب ما تعج به الوزارة من الفساد والمحسوبية إلا أنها ومع ذلك قبلت أن تكون المصلح القادر على إصلاح وزارة الصحة من براثن الفساد، لم تتسبب واقعا في الحريق وإنما كان الحريق واحدا من أهم مظاهر الفساد المنعوتة به وزارة الصحة بل كان من أبرز «آثارها» والتحليلات الصحافية والتصريحات الصحافية للوزيرة جاءت لتشير بأن هناك مؤامرة لخروجها من الوزارة بعد رفضها التام للركوع إلى الرشاوى والخنوع لسياسية الفساد بل آثرت على نفسها أن تكون إحدى رواد الفساد وأخذت على نفسها مهمة تطهير الوزارة لم تشأ أن تترك أروقة الوزارة قبل أن تنجز مهمتها ولكنها لا ترغب في أن تكون سببا في حرق الكويت بعد ما صار خيار حرق المستشفى وإلحاق الأذى بالناس أحد الإشارات التي يجب على المبارك فهمها وفك طلاسمها .

أهم ما جاء في كتاب استقالتها «أستقيل كي لا يستغل البعض ما جرى لحرق ديرتنا» بحسب ما نقلتها الصحافة الكويتية كما صرحت «قدمت استقالتي من موقع المسئولية وأنا راضية مرضية، ولقد تشرفت بثقة القيادة السياسية لأكون أول امرأة وزيرة، كما تشرفت بأن تجدد الثقة بي لأتقلد 3 حقائب وزارية»، وقالت المبارك»: الحمد لله دخلت نظيفة اليد والضمير... وخرجت نظيفة اليد والضمير». بالنظر جيدا إلى التصريحات السابقة التي تلت قرارها بالاستقالة يتضح بأن المبارك صاحبة رؤية وبعد نظر، وتضع نصب عينها المصلحة العامة للوطن ولا تنطلق من مصلحتها الشخصية وحب الزعامة والكرسي والمنصب والشاهد الذي استند عليه تصريحها»

إنني أترك السلطة التنفيذية ويدي على قلبي على مستقبل العمل السياسي في الكويت»، وبطبيعة الحال الحالة تحتاج منا إلى تأمل وتحتاج إلى تفهم، خصوصا أنها أول امرأة تتقلد هذا المنصب في الكويت بعد أن حصلت المرأة الكويتية على حقها السياسي، إذ كتب عليها أن تعاني الصعوبات المتلاحقة من التيارات الدينية السلفية التي تحارب المرأة بحجة أن الشريعة الإسلامية تحظر على النساء تولي المناصب القيادية، وتحاول منع تمكينها على جميع الأصعدة فما بالكم على الصعيد السياسي التي غيبت عنه المرأة ليس على مستوى الكويت أو الخليج العربي فقط وإنما على مستوى العالم عموما.

وما يؤكد صحة ما أحاول طرحه هو إصرار النائبين وليد الطبطبائي وفيصل المسلم على استجواب الوزيرة المستقيلة وجرجرتها إلى منصة الاستجواب بعد يومين فقط من اندلاع حريق الجهراء محققين في ذلك قصب السبق في إهانة المرأة والاستخفاف بها بغرض ذلها، ذلك يعكس بطبيعة الحال الصراع الطائفي و النزعة الذكوري.

موضوع تعيين المبارك وانتقالها بين ثلاث وزارات خدمية وحيوية واستراتجية مهمة في غضون سنتين من 2005 إلى 2007 وحسن إدارتها وقدرتها الفعالة في التعاطي مع الوزارات المفوضة إليها، وأيضا موضوع استقالتها الجريئة، وموضوع «اقتناص الفرص» كما عبرت عنه المبارك، يحتاج منا إلى وقفة تحليلية، فالمرأة العربية عادة ما تحرم من حقها الطبيعي في المشاركة السياسية، وعادة ما توضع تحت المجهر طويلا وينظر لها بنظرة الريبة والتشكيك في قدراتها وإمكاناتها في حال مشاركتها المحدودة، وعادة ما يشكك في إخلاصها ووفائها وقدرتها على إدارة ما يوكل إليها من مهمات، على رغم إننا نعرف ابتداء بأننا لا يمكن لنا المزايدة لا على إخلاصها ولا على وفائها ولا على اهتمامها بما يوكل إليها من مهمات، فقد أثبتت الدراسات بأن المرأة بطبيعتها قادرة على التحمل والصبر والإيفاء بجميع التزاماتها بصورة أكبر من الرجل، ومع ذلك على المرأة أن تقبل الرهان لأسباب مجتمعية لا لأسباب دينية أو أحكام شرعية يجب الوقوف عليها.

موضوع المبارك واستقالتها أظن بأنه الجواد الرابح في مسيرة المرأة إذ أنها كانت تجربة ناجحة وموفقة ومثال يحتذى به ولا يمكن الركون على مسألة استقالتها بأنها تخلت عن دورها أو أنها لا تتحلى بالشجاعة الممكنة لكونها تريد أن تتهرب من الاستجواب بل على العكس لطالما تمنينا في مجتمعاتنا أن يكون مبدأ الاعتراف بالخطأ والقدرة على تحمل المسئولية حتى في الظروف العصيبة، وأكبر دليل على صدقية ما أذهب إليه هو قرارها الكامن في الاستقالة ينم عن إحساسها بالمسئولية الكاملة تجاه ما حصل في مستشفى الجهراء وبغض النظر، فقد كانت ضحية للصراعات السياسية والطائفية كما كانت بمثابة تحد لقرار مشاركة المرأة في العمل السياسي خصوصا لدى التيارات الدينية المناهضة لحركة المرأة فقد قبلت حينما قبلت تسلم منصب الوزيرة الرهان، كما يعكس تسلط السلطة التشريعية في الكويت ورغبتها في السيطرة التامة على السلطة التنفيذية وعدم تعاون الأولى، وبالنتيجة النهائية من يدفع الضريبة هي المرأة سواء حصلت على حقها السياسي أو لم تحصل عليه عليها أن تدفع الثمن، فساحة العمل السياسي للأسف الشديد أصبحت خالصة إلى الرجل نظرا إلى كون طبيعة مجتمعاتنا ذكورية حتى النخاع، وبالتالي على المرأة أما أن تبقى على الهامش، وأن تقبل أن يهمش دورها، وأن تكون فقط متلقية للقرارات السياسية وأما أن تهان فقط لكونها وافقت على الولوج إلى ساحة العمل السياسي واخترقت المجتمع الذكوري.

من درس معصومة المبارك ومن خلال المعطيات الموجودة على الساحة الخليجية يتضح بأن الصراعات السياسية والطائفية والنزعة الذكورية كفيلة بإبعاد المرأة عن ساحة العمل السياسي مهما تكن كفاءة المرأة وقدرتها على الصمود والتحمل حتى وإن توفر التوجه والدعم الحقيقي من القيادة السياسية لهذا البعد، فالصراعات تحمل الكثير من الإرهاصات التي لا يمكن تهوينها والتقليل من آثارها والتجربة الحالية خير برهان، علينا أما أن نغير فعلا من أنفسنا ومن واقع مجتمعاتنا وهذا بدوره يحتاج إلى ضخ مزيد من الجهود، وإلا أصبحنا أسيرين للمتغيرات الراهنة وهذا ما أراه الأقرب واقعا، بحكم المشهد الحالي وتداعياته.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1835 - الجمعة 14 سبتمبر 2007م الموافق 02 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً