العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ

إلى النواب... ما هي الضمانات التي ستحول دون قيام الحكومة بهذا السيناريو؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

وفقا لبعض المعطيات، يمكن الزعم بأن الأصل - إسلاميا - في مباشرة النشاط الاقتصادي بكل أوجهه مناط بالأفراد، مع إباحة ذلك للدولة كما يرى كبار المفكرين الإسلاميين. الدولة الإسلامية في زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، لم تكن تدّخر المال في بيت المال (خزينة الدولة)، وكذلك كان الحال في عهد بعض الخلفاء الراشدين، فكل ما يدخل في الخزينة، يتم صرفه بأسرع وقت على مستحقيه وعلى عموم الناس. ومن دون ادخار للمال، لا يمكن إنشاء مشروعات استثمارية وإنتاجية، وتوزيع المال على الناس يعني أن الأفراد في الدولة الإسلامية هم محور النشاط الاقتصادي. كذلك، لم يشهد في تلك الحقبة من التاريخ - حسب علمي- ممارسة مباشرة لاستثمار الدولة الملاك العامة، فالأراضي الخراجية الزراعية، حيث كانت الزراعة محور النشاط الاقتصادي، يتم مؤاجرتها على الأفراد، مقابل نسبة ضريبية (خراج) لبيت المال، ولم تكن الدولة توظف عمالا وتدفع لهم أجورا ثابتة، وتأخذ فائض جهدهم. إلا ان وجود مبادئ اقتصادية معينة، جعل الدولة قادرة على توجيه الحياة الاقتصادية في سبيل توفير الحد الكافي لأفراد المجتمع من الحياة الكريمة. وإذا كان دستور مملكة البحرين أباح الأخذ بأسلوب الدولة أو الأفراد (القطاع الخاص) كمحور لتحقيق التنمية، وبالتالي ليس مهما أن يقوم القطاع الخاص (الأفراد) أو الدولة بنفسها بمباشرة الإنتاج، سواء السلعي أو الخدماتي، غير أن من المهم التأكيد دوما على أن تكون السياسة الاقتصادية تصب لصالح قيام الدولة بمسئولياتها تجاه الشعب، فهي بحسب الدستور، ضامنة بتوفير الضمان الاجتماعي بمعناه الواسع، من حياة كريمة، وخدمات للشعب، ومعاش تقاعدي.التوجس الحالي محوره أن يكون الطريق الاقتصادي الجديد يتيح للدولة فرصة التملص مستقبلا من مسئولياتها تجاه الشعب، فعندما تم تبني القطاع الخاص وسيلة لتحقيق التنمية، وبسبب نقص التشريعات الملائمة التي تخلق منافسة شريفة بين القوى العاملة الوطنية وأرباب العمل، تخلفت الدولة عن واجب دستوري مهم نصت عليه المادة(13-ب) وهو: «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه». والدولة تخلت لمدة عقود عن إيجاد فرص عمل، وبعد خفض نسبة البطالة أخيرا، عجزت الدولة عن ضمان أجور عادلة. وهذا يحدث مع وجود مئات الآلاف من الأجانب، ما يُعد عجزا حكوميا عن تحقيق مادة دستورية مهمة، بلا مبرر مقبول.

بالمثل، الدولة اليوم تقدم دعما لخدمات معينة وسلع معينة، وغدا قد تتعذر بضعف الموازنة، لتتخلى تدريجيا عن هذا الدعم، فيضيق بالناس المعاش، فيعملون ليل نهار لمجرد أن يبقوا فقط، وكأنهم خُلقوا من أجل تكديس المزيد من الأرباح في جيوب أصحاب رؤوس الأموال. وهذه النتيجة حتمية ومؤكدة في حال تبني اقتصاد السوق الحر بصورته القديمة التي يتم الترويج لها في الوقت الحاضر على نطاق عالمي، وهذا ما أكده المفكر الاقتصادي الإنجليزي ريكاردو في نظريته القانون الحديدي للأجور، ويلخّصها الإمام محمد باقر الصدر بقوله: «أنّ أجور العمّال إذا كانت حرّة وغير محدودة من جهة عليا - كالحكومة - تحديدا رسميا فلا تزيد عن القدر الذي يتيح للعامل معيشة الكفاف. ولو زادت أحيانا عن هذا القدر كان ذلك شيئا مؤقتا، وسرعان ما ترجع إلى مستوى الكفاف مرة أخرى».

ومن الأمثلة التي تبعث على الارتياب بشأن احتمال أن يكون التوجه الاقتصادي الجديد فرصة لتتخلي الدولة من مسئولياتها تجاه توفير الخدمات الضرورية للشعب، الموقف من خدمة الكهرباء. ففي سبيل إنجاح الخصخصة، قامت الدولة برفع موازنة وزارة الكهرباء بنسبة غير مسبوقة، إذ تم رفع الموازنة المخصصة للوزارة إلى 92 في المئة خلال سنتين فقط (من 2005 إلى 2007)، وذلك تزامنا مع إيكال إنتاج الكهرباء للقطاع الخاص. وفي المستقبل القريب، سيتم أيضا خصخصة نقل الكهرباء وتوزيعها، ومن ثم تحويل الوزارة لهيئة، لا يمكن للنواب محاسبتها. بعدها سيتعامل المواطنون بشكل مباشر مع الشركات الموزعة، ويشترون منها الكهرباء المدعومة من قبل الدولة، كما يشترون حاليا كيلو لحم الغنم بدينار وتدفع الحكومة باقي الثمن للشركة التي تقوم باستيراد وتوزيع اللحوم. والخشية أن تتخذ الحكومة هذا الأسلوب طريقا للهروب مستقبلا من مسئولياتها، فكما تلمّح بين فينة وأخرى برفع الدعم عن اللحم وغيره من المواد الغذائية المدعومة، فقد تتخلى بالتدريج مستقبلا عن الدعم الذي تقدمه للكهرباء، وتترك الشأن بين المواطن وبين الشركة الموزعة. هذا السيناريو المحتمل ليس بمستبعد، وربما نحن نعتبر تاريخ ماضٍ لدول أخرى، قامت بالخطوات نفسها، وحدثت اضطرابات فيها نتيجة تخفيف الدعم أو رفعه، كما حدث في الكثير من الدول العربية، فاضطربت الأوضاع فيها، وخرج الناس في الشوارع احتجاجا على ارتفاع أسعار الخدمات والسلع الحيوية. وإذا كانت مردودات النفط اليوم إذ وصل سعر البرميل إلى 70 دولارا، تتيح للدولة تقديم دعم سخي، فماذا سيحدث حين تتخلى الدولة عن الدعم أو تقوم بتخفيضه بحجة ضعف الموازنة وذلك عندما ينخفض سعر البرميل مرة أخرى لأقل من 20 دولارا، وينخفض معه أيضا القوة الشرائية للدولار الذي يتم به بيع النفط؟ لهذا يتحتم على الجميع وخصوصا النواب الإجابة على السؤال التالي والمهم، قبل دعم التوجه الحكومي الاقتصادي الجديد: ما هي ضماناتكم التي ستحول دون حدوث هذا السيناريو مستقبلا؟

ملاحظة: يُقصد بالدولة في المقال، الجهاز السياسي الحاكم.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً