العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ

في قلب العاصفة

في ظل عاصفة الاتهامات والاتهامات المضادة في عالم ما بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، غابت شهادة حيوية لأحد أهم رجالات هذه المرحلة.

في سيرته الذاتية عن حياته وعمله في جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والتي يستعرضها كتاب «في قلب العاصفة»، يلقي المؤلف جورج تينيت نظرة على الأعمال الداخلية للجهاز الذي يعلو قمة المؤسسة الاستخبارية الأميركية وتعاملها مع القادة داخل الولايات المتحدة وخارجها. ويشرح تينيت بأسلوب بديع، بحكم توفر المعلومات له، كيف تم تأهيل الأمّة الأميركية أو عدم تأهيلها في مواجهة عالم مليء بالتهديدات الجديدة والقاتلة.

بدءا من تنصيبه مديرا للاستخبارات الأميركية العام 1997، يكشف تينيت في كتابه «في قلب العاصفة» عن وقائع جديدة مثل: بعض الحوادث التي سبقت كارثة 11 سبتمبر، إعلان الحرب على القاعدة في أفغانستان العام 1998، عمليات جهاز السي آي إيه في أفغانستان، الخطة العالمية لمكافحة الإرهاب، تحذيراته لمسئولي البيت الأبيض في ربيع وصيف 2001، خطة للرد بعد ستة أيام فقط من الحادث، كما يكشف تينيت عن جهود الاستخبارات الأميركية في القبض على رجل القاعدة بعد 11 سبتمبر.

وفي روايته عن الهرولة نحو الحرب على العراق، يقدّم تينيت خلفية ورؤى سليمة تتضمن: تبريرا لكلماته «الستة عشر» الشهيرة وتأثيرها على خطاب بوش الموجه للأمة، والنص الصحيح لتعليقه المشهور «رمية قوية: سجلنا نقطة الفوز» (نعبير مستوحى من كرة السلة) ورؤية الاستخبارات لظهور المقاومة العراقية. وبالإضافة إلى كواليس الحوادث الرئيسية، يعرض تينيت أفكاره الخاصة بمستقبل استخبارات الولايات المتحدة ودورها في قرارات السياسة الخارجية، مقررا خطة عمل عن كيفية صوغ عالم أكثر أمنا.

منذ صدور كتاب الصحافي المخضرم البارز بوب وودوارد بعنوان «خطة هجوم» العام 2004، أصبح مدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية سي. أي. أيه جورج تينت، شهيرا بعبارة «سجلنا نقطة الفوز»، في سياق الحديث عن المعلومات الاستحبارية التي تم الحصول عليها بشأن حوزة العراق على أسلحة الدمار الشامل. ولفت الكاتب إلى اقتباس هذه الكلمات مرارا وتكرارا ولاسيما من قبل نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، الذي كان قد ألمح إلى أنّ الإدارة قررت خوض الحرب بناء على المعلومات الاستخبارية التي قدمتها سي. أي. أيه حينذاك.

وفي كتاب جورج تينيت «في قلب العاصفة»، الذي طال انتظاره، قال المسئول الاستخباراتي السابق إنّ المشهد الذي أورده وودوارد في كتابه بشأن هذه العبارة الشهيرة أخرجت كلماته من سياقها، بل إنها «لقنت عن قصد لوودوارد» من قبل أحد من البيت الأبيض بهدف توجيه اللوم إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لما اتضح بأنه حجة مزيّفة لخوض الحرب في العراق.

وكشف تينيت في كتابه إن أسلحة الدمار الشامل كانت «الواجهة العامّة التي ألبست» للحرب في العراق، مضيفا أنّ السبب الحقيقي برأيه كان «الرؤية السائدة لدى الإدارة وغير المبينة بأن تحويلا ديمقراطيا في الشرق الأوسط من خلال تغيير النظام في العراق ستكون غاية جديرة بالثمن المنوط بها».

وذكر تينيت أنّ عبارة «نقطة الفوز» أتت «بعد 10 أشهر من اطلاع الرئيس على أول حطة حرب قابلة للعمل في العراق»، و»بعد أسبوعين من إصدار البنتاغون أول قرار بنشر قوات عسكرية أميركية إلى المنطقة». بل إن تينيت لفت إلى أنّ الكثير من مسئولي البيت الأبيض البارزين آنذاك من بينهم بول وولفيتز ودوغلاس فيث كانوا يصبون تركيزهم على العراق حتى قبل هجمات 11 سبتمبر.

وكشف تينيت في كتابه إنه بعد يوم واحد من وقوع الهجوم على مركز التجارة العالمية، إلتقى بريتشارد بيرل، وهو من صقور المحافظين الجدد البارزين ورئيس مجلس سياسة الدفاع، وهو خارج من البيت الأبيض، وأنه التفت إليه قائلا: «يجب أنْ يدفع العراق ثمن ما حدث بالأمس. إنهم يتحمّلون المسئولية»، على رغم تأكيد تينيت في كتابه على أنّ «المعلومات الاستخبارية في حينها كما اليوم» لا تقدم «أي دليل على ضلوع العراق» في هجمات 11 سبتمبر.

وفي سياق الحديث عن وسائل الاستجواب المزعومة التي تمارسها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والتي باتت مثار جدل في العالم كله، أصر تينيت على «أن أقسى وسائل الاستجواب التي استخدمها عناصر سي. أي. أيه لم توجه سوى لحفنة من بعض أسوأ الإرهابيين على وجه الأرض». من دون تناول التقارير الخاصة بتورط سي. أي. إيه في وفاة 4 معتقلين على الأقل في العراق وأفغانستان، أو مسألة تمييز الأبرياء الذين ألقى القبض عليهم في حملات اعتقال المشتبهين بارتباطهم بتنظيم القاعدة.

وكر الكتاب أنه على رغم إخفاق سي. أي. إيه في التنبؤ تحديدا بهجوم 11 سبتمبر، فإنه أورد تحذيرات متكررة بشأن الخطر الذي يشكله أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة.

أخيرا يثير هذا الكتاب الاهتمام للصورة التي بفصلها للبيت الأبيض وخصوصا تلك المتعلقة بالرئيس جورج بوش، أكثر من أية حقيقة يكشف عنها في الكتاب. فتينيت يصور إدارة يسيطر عليها الاختلاف والعراك بين وزارتي الخارجية والدفاع، وبين المتشددين والواقعين الرباغماتيين، إدارة تميل إلى صنع سياسات خارج القنوات المعروفة، واتخاذ القرارات بشكل عشوائي. كما أكد كتاب تينيت ما تردد على لسان موظفين سابقين لدى الإدارة من المقربين في البيت الأبيض من العسكريين وضباط الاستخبارات ومسئولين حكومة التحالف المؤقتة عن عدم اكتراث البيت الأبيض بالتحذيرات المتكررة من تدهور الوضع في العراق عقب الغزو. بل إن تينيت صرح في كتابه أنه «لم تكن هناك استراتيجية عمل للقوات الأميركية لدى انتشارها في العراق»، عدا الرغبة في تسليم أحمد شلبي (الذي كان قد زوّد صقور الإدارة بالكثير من المعلومات الاستخبارية غير الموثوقة قبل الحرب) زمام القوة في العراق.

العدد 1840 - الأربعاء 19 سبتمبر 2007م الموافق 07 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً