العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ

اجعلوا من رمضان مناسبة للقاء والانفتاح والوحدة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الإسرائيلي نلتقي بمحاولة استعادة «إسرائيل» عرض القوّة في المنطقة، من خلال خرقها للمجال الجوّي السوري، والذي أيّدته الولايات المتّحدة الأميركية على لسان مسئولٍ أمنيّ فيها، معتبرا ذلك جزءا من هجومٍ جوّي في عمق الأراضي السوريّة، ممّا يطرح تساؤلا كبيرا بشأن الاستراتيجية الأميركية الإسرائيليّة، إذ يُراد لـ «اسرائيل» - عبر السلاح الأميركي المصدَّر لها - أن تكون القوّة الضاربة في المنطقة، في تهديد أيّة معارضة عربيّة وإسلاميّة للسياسة الأميركية فيها.

وربّما يرى بعض المحلّلين أنّ هذه العمليّة الإسرائيليّة كانت على صلةٍ بالتحضير للعدوان على إيران، وقياس مدى جهوزيّة أنظمة الدفاع الجوّي السوري في حال سلكت الطائرات الإسرائيليّة شمال سورية بمحاذاة الحدود التركية، ومنها إلى شمال العراق للهجوم على المنشآت الإيرانيّة...

وقد يثور هنا السؤال عن الدور التركي في المرحلة المقبلة، ولاسيّما مع قيام الطائرات التركية والأميركية والإسرائيليّة بمناورات مشتركة، في ظلّ التحالف فيما بين بلادها، وهل أنّ الهدف من كلّ هذه الاستعدادات هو التحضير لضربةٍ موجّهة ضدّ إيران، على رغم من تأكيد بعض المسئولين الأتراك أنّ تركيا لا يُمكن أن تقبل باستخدام أراضيها للعدوان على إيران وعلى «اسرائيل».

لذلك، فإنّنا نناشد تركيا، في مرحلتها الجديدة في الحكم، أن تحافظ على علاقاتها العربيّة - الإسلاميّة، وأن لا تسقط أمام الخطط الأميركية - الإسرائيليّة في استراتيجيّتها العدوانيّة؛ لأنّ ذلك قد يترك تأثيرا سلبيّا على موقعها في المنطقة، وعلى شعبها المسلم الذي لايزال منسجما مع القضايا الإسلاميّة المصيريّة. وما يلفت النظر، هو الصمت العربي إزاء هذا العدوان الإسرائيلي على سورية، حتّى قد يخيّل للكثيرين أنّها ترحّب بذلك؛ انطلاقا من أن العلاقة مع «اسرائيل» أصبحت أقوى من العلاقة مع سورية أو مع إيران، والذي انعكس توجّها عربيّا لرفض أيّ مقاومة، ولاسيّما في اللهاث وراء مؤتمر بوش للسلام، وسط جدل سياسي في دعوة سورية إلى حضوره، ما قد يثير احتجاجاتٍ على الدولة العبريّة لعدوانها على سورية...

ويتمثّل الضعف العربيّ في السقوط السياسي الذي يتنكّر للمقاومة الفلسطينيّة، ويرفض مواجهتها للعدوّ، حيث يُنكرون عليها قصف المستوطنات في الوقت الذي لا يُنكرون على «اسرائيل» قصفها للشعب الفلسطيني في الضفّة وغزّة، ولا يجدون في الاحتلال - بكلّ مفاعيله - مبرّرا للمواجهة.

وهذا الذي نسجّله على الموقف العربي، نسجّله على الاتحاد الأوروبي الذي تتفهّم بعض دوله الردّ الإسرائيلي على العمليّة الجهاديّة في قصف القاعدة العسكريّة الإسرائيليّة، هذا الردّ الذي يتحرّك لإلحاق المجازر بالشعب الفلسطيني في مواقعهم المدنيّة، ولا تتفهّم ردّ الفلسطينيين على العدوان.

ومن المضحك المبكي أنّ السلطة الفلسطينية تُبادر في أيّة عمليّة للمقاومة على تسجيل استنكارها، بينما لا تبادر إلى الردّ بقوّة على العدوّ في عدوانه المتحرّك دائما على القرى والمدن الفلسطينية، وفي إذلاله للشعب كلّه في تنقّلاته على الحواجز وفي منعطفات الجدار؛ الأمر الذي يجعلهم مصداقا لقول الشاعر:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ مَا لِجُرْحٍٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

وفي هذا الجوّ، لا نرى أملا كبيرا في نجاح هذا المؤتمر الأميركي في تحقيق الهدف المعلن، وهو إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة على الأرض المحتلّة منذ العام 1967؛ لأنّ الجدار العنصري والمستوطنات الكبرى والقدس ورفض عودة اللاجئين ستقف حجر عثرة للوصول إلى حلّ، ولاسيّما أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح بأيّ ضغطٍ على حليفتها اليهوديّة؛ بل إنّها ستتحرّك لإقناع العرب - بما فيهم السلطة الفلسطينية - لتقديم التنازلات لـ «اسرائيل»؛ لأنّ أكثر اليهود لا يوافقون على التنازل للعرب بأيّ مطلب يبتعد عن الاستراتيجية الصهيونية التي تخطّط للسيطرة على فلسطين بشكل مباشر أو غير مباشر.

ونحن إذ نلتقي - في هذه الأيّام - بذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي استفادت فيها «اسرائيل» من بعض التعقيدات اللبنانيّة الداخليّة، ننبّه من خطورة دخول «اسرائيل» على خطّ أكثر من بلدٍ عربيّ وإسلاميّ، مستفيدة من حالات الإرباك السياسي والأمني، لتحرّك المزيد من المجازر، ولتثير الكثير من الاضطرابات الأمنيّة والسياسيّة بما ينعكس مزيدا من التشظّي في مجتمعاتنا العربية والإسلاميّة.

أمّا في المشهد الأميركي، فلايزال بوش يستخدم المناورة أمام ضغط الكونغرس عليه في الانسحاب من العراق؛ الأمر الذي قد يضغط عليه بتخفيض عدد جنوده بعد الخسائر الضخمة التي تكبّدها جيشه، والفشل السياسي الذي أحاط باحتلاله، في الوقت الذي نراه يتحدّث عن نظرة جديدة لاستراتيجية الحرب، وعن خطّة جديدة لكيفية تحرير الولايات المتّحدة من مسلسل الموت المتنقّل في العراق.

وبهذه المناسبة، فإنّنا ندعو العراقيّين أن لا يسقطوا أمام المقولة الخادعة، بأنّ انسحاب الجيش الأميركي سيحوّل العراق إلى كارثة، أو فتنة طائفيّة؛ لأنّنا نتصوّر أنّ الوضع لن يكون أسوأ ممّا هو عليه الآن؛ بل إن الشعب العراقي، سواء من السنّة أو الشيعة أو العرب أو الأكراد أو التركمان، لابدّ له من أن يفكّر في المصالحة الوطنيّة، من أجل عراقٍ جديد، على اساس تحقيق الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للبلد كلّه؛ لأنّه لن يربح أحد من الأفرقاء في هذه التجاذبات السياسية التي يبحث فيها كلّ فريق عن حزبه أو طائفته أو عرقه؛ لأنّه لن يستطيع أيّ شعبٍ أن يتحرّر إلا إذا تكامل في قضاياه المصيريّة بعيدا عن أيّ تدخّل خارجي.

وإنّنا في شهر رمضان المبارك، وفي ظلّ حديث البعض أنّه سيحمل المزيد من سفك الدماء والمجازر المتنقّلة والتفجيرات التي تطال الأبرياء في أكثر من بلد إسلامي وعربي، نؤكّد أنّ شهر رمضان هو شهر السلام والخير اللذين ينبغي أن يتحرّك المسلمون في إطارهما، وأن يكون مناسبة للقاء والانفتاح والوحدة أمام المنعطفات الخطيرة التي يمرّ بها عالمنا الإسلامي.

أمّا لبنان، فلايزال الجدل يدور بين السياسيّين، ولاسيّما الذين يحدّقون بالواقع الدولي أو الإقليمي بعيدا عن الواقع المحلّي. ولذلك، فإنّ هناك كلاما استهلاكيّا يتّهم فيه هذا الفريق الفريق الآخر، بالتعطيل في مشروعه ومبادرته، أو بالاستئثار والسيطرة، في حديثٍ يختزن الحزبيّة والطائفيّة والمذهبيّة والشخصانيّة؛ حتّى أنّ البلد - في نظر المواطنين ـ يتحرّك من دون حكومة، ويعيش من دون دولة، على رغم القرارات الصادرة من هذه الوزارة أو تلك؛ لأنّ انقسام البلد عطّل كلّ الطاقات، وجمّد كلّ القرارات، وأسقط معنى الحكومة، ولم يعد للبنان فإن يستهلك جداله في القرارات الدوليّة التي انطلقت من مصالح الآخرين في الدول الكبرى، حتّى لم يعد أحدٌ يحدّق في مصالح الشعب وحاجاته، بل في مشروعات الآخرين، ولاسيّما الدول الكبرى التي عانى منها لبنان في تاريخه أشدّ المصائب وأكثر المشكلات.

فهل ننطلق في مبادرةٍ وطنيّة وفاقيّة، من خلال دولةٍ تنطلق من استراتيجيّة مدروسة قويّة، يشعر فيها المواطنون بأنّهم يتحرّكون في وطنٍ يعمل لحسابهم، لا لحساب الآخرين؟!

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً