العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ

العدوان الظالم على البرادعي و«خطيئة» سكان الإليزيه الجدد!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

إنه رجل غير مسئول ويعمل فوق القانون وفوق مجلس الأمن الدولي «كانت هذه اخف عبارة اخترتها من صحيفة «الواشنطن بوست» ضد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الذي توصل أخيرا وبعد تقص مضن دام عدة أعوام إلى ما بات يعرف باتفاق الشفافية مع إيران لفك آخر «الغاز» أو ما غدا يعرف بالقضايا العالقة بين طهران والوكالة الدولية.

الهجوم الشرس والظالم والتعسفي ضد البرادعي لم يقتصر على الصحافة الأميركية خصوصا والغربية عموما لاسيما الصهيونية منها، بل وللأسف الشديد - أقولها والقلب يعتصر بالألم - إن الذي بدأ بالهجوم اللاذع وغير المبرر على البرادعي هو بعض منابر الصحافة العربية، نعم بعض منابر الصحافة العربية ومنذ اللحظة الأولى للإعلان عن اتفاق الشفافية!

ففي مقال مطول نشرته أحدى صحف المهجر العربية بتاريخ 31 أغسطس/آب وبعد إسهاب في نقد ما سمي بـ «أخطاء البرادعي في الملف النووي الإيراني» تقول الكاتبة: «إن تعاطف محمد البرادعي مع الامتعاض الإيراني من تصنيف الرئيس الأميركي... لايران في «محور الشر» لا يتطلب منه صوغ سياسة دولية جديدة تفرض علاقة ثنائية أميركية - إيرانية مختلفة... تدخل واقعيا في خانة إجبار أميركا على القبول بالنظام الإيراني والتعهد بعدم اطاحته. وهذا حقيقة وصراحة ليس من شأن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية... والسبب أن ما يتحكم بالعلاقة... ليس الملف النووي حصرا وإنما الأدوار الإيرانية الإقليمية... وبعد إسهاب أخر في الهجوم على ما تسميه الكاتبة بـ «نظام الملالي» مع ما تحمل هذه العبارة من أساءة مقصودة إلى النظام الإسلامي ورجال الدين لدى القارئ تطالب البرادعي فورا إذا كانت لديه فعلا مثل هذه «الرغبة المتضخمة»! كما تسميها إلى أن «يتجاوز منصبه وأن يتناول الملفات الإيرانية الإقليمية ليطلب من طهران الكف عن استخدام المعاناة الفلسطينية سلعة في مهاترات أحمدي نجاد... وأن يطالب بوقف الدعم لحزب الله اللبناني الميليشيا التي طالبت القرارات الدولية بتفكيكها... وأن يتحدث إلى القيادة الإيرانية بلغة حاسمة في ما يخص سياساتها الطائفية المميتة في العراق... ولربما تمكن المدير العام من اقناع الملالي في طهران بايقاف التنكيل بالنساء... والتخويف للاستبداد بالحكم والسلطة»! إلى أن تصل الكاتبة إلى تبرير احتجاجها على الوكالة وعلى ما تسميه بـ «مكابرة الروس والصينيين» فتقول: «إن الاحتجاج يصب قطعا... في انحراف الوكالة الدولية - ومديرها العام بالطبع - إلى علاقة مريبة مع الجمهورية الإسلامية تنتقص من العلاقة المهنية بين الوكالة وبين مجلس الأمن الدولي... في حين ان مهمة الوكالة تدخل حصرا في المراقبة النووية بشراكة مع مجلس الأمن وليس... بإصدار تأشيرة هروب من الاستحقاقات والعقاب...»!

أن هذه الطريقة «العربية»! في التعامل مع البرادعي والوكالة الدولية والملف النووي الإيراني تذكرني بمقال أكثر شناعة ووصلفا كتبه أحدهم يوما بمثابة كلمة التحرير لصحيفة عربية مهاجرة أيضا قال فيها بالحرف الواحد: «بقدر ما كنت مسرورا بقصف مفاعل تموز العراقي ساكون أكثر فرحا وسرورا بقصف مفاعل بوشهر الإيراني...»! وكلكم يعرف من قصف مفاعل تموز العراقي ولا داعي هنا للتبجح بمحاكمة نظام صدام! فالأمر مختلف تماما. ثم يسهب الكاتب هو الآخر في تهكمه وسخريته مما يسميه بتبريرات «الملالي» لاستخدام الماء الثقيل والتخصيب من أجل الطاقة الكهربائية.

ما أردت قوله هو انكشاف حقيقة النوايا من وراء رفع «علم النووي الإيراني لـ «قميص عثمان» لا هداف آخرى باتت مكشوفة جدا عبر طبول الحرب التي بدأت تدق بقوة من جديد من قبل عصابة ديك تشيني الإسرائيلي تحت غطاء وأكذوبة «الهولوكوست النووي الإيراني» هذه المرة لتبرير فشلهم المحقق في العراق وفي محاولة للفرار من وجه العدالة الدولية والقومية الأميركية أيضا ولو لاشهر إضافية معدودة والتي ستظل تلاحقهم إلى أن تنال الإنسانية قصاصها منهم تجاه ما فعلوه في العراق المظلوم وبالعرب والمسلمين من شرذمة وتفتيت وحروب طائفية ومذهبية وأهلية متنقلة. ولكن السؤال الكبير مرة أخرى. لمصلحة من تباع وتشترى بعض الاقلام «العربية» في سوق النخاسة الدولية وفي مهرجان ذبح العرب والمسلمين بسيوف إسرائيلية - أميركية حاقدة تمسك بها أيد «عربية» مخدوشة الانتماء لمسئولية المهنة كحد أدنى!

برنار كوشنير هو الآخر وإن جاء كلامه في سياق آخر وقع في فخ الضاربين على طبول الحرب حتى من دون الحاجة إلى مجلس الأمن الدولي كما قال وبالتالي أخذ على عاتقه قيادة دفة المحرضين على كارثة دولية جديدة أن حصلت لا سمح الله ستكون اكذوبة جديدة يمررها ما يسمى المجتمع الدولي لصالح صفقات وهمية وانتهازية لن تعود على دول العالم الحر إلا بالخزي والعار وعلى دول المنطقة إلا بمزيد من القتل والدمار! بعد أن قدم البرادعي شهادته التاريخية المنصفة تجاه الملف المعني ومبادرته الشجاعة للحل الناجع.

نعم قد يكون الأمر اشتبه على الوزير «الهاوي» وغير المحترف لأدبيات التعامل الدبلوماسي مع الدول مرة أخرى وهوما كان قد اظطره بالأمس القريب فقط أن يعتذر من حكومة العراق وهاهو يتراجع كذلك وبسرعة البرق أمام الإيرانيين بعد زيارة لموسكو ويلوم الصحافة على «تحريفها» لكلامه! ويرسل منها إلى طهران «رسالة سلام» ويضيف أنه مستعد لزيارتها أيضا بعد أن كان قد ظن للحظة أن الزمن هو نفسه زمن سايكس - بيكو وأن الفرصة الذهبية باتت متاحة أمامه ليعقد صفقة تاريخية مع الأميركيين من خلال الإقرار لهم بمقايضة العراق بنفوذ بلاده القديم في لبنان! ناسيا أن الزمن لم يعد زمنا أميركيا على الاطلاق حتى لو تراجع سكان الإليزيه الجدد عن مواقف فرنسا السابقة تجاه الحرب على عاصمة بلاد الرافدين!

ثم أن التشديد الفرنسي ضد طهران وتحديدا في ملف بدا جليا أن العالم يتجه للتعايش مع إيران نووية - دون أن يعني ذلك بالاتجاه العسكري - وأن كان البعض من رموز الغرب حتى العسكريين منهم لم يعد يهتم كثيرا بهذا الجانب كما ترشح من تصريحات القائد العسكري السابق للقوات المحتلة للعراق جان أبو زيد أخيرا سوف لن يساعد في إعادة بعض نفوذم المتآكل الذي يرغبون إلى لبنان وهي التي تعرف أكير من غيرها كم تغير لبنان ومن هو صاحب الكلمة الفصل فيه ومن هو الرقم الصعب الذي لا يقبل القسمة ولا تقاسم النفوذ!

وهاهم الالمان بحسهم الفطري التاريخي وبحنكة الصناعي المحترف يتجهون بقوة للعب الورقة الإيرانية معربين عن ترددهم في دعم إجراءات تصعيدية جديدة ضد طهران ومقدمين الدعوة للمفاوض الإيراني السابق في الملف النووي الإيراني حسن روحاني موظفين بذلك أيضا الصعود اللماح للرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني إلى سدة رئاسة مجلس الخبراء. من أجل البقاء قدر الإمكان على حياد معقول بين المحور الأميركي الإسرائيلي والمحور الروسي الصيني ضمانا لمصالحهم القومية العليا ورغبتهم الملحة لتأمين ما أمكن من اجماع دولي يؤهلهم لمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي أيضا!

من جهة أخرى فإن الناظر للتحولات الجارية على صعيد إعادة ترتيب البيت الإيراني الداخلي سرعان ما سيكتشف بأن نظام أجهزة الإنذار ومنظومة أليات التعامل الحذر والمحنك مع المتغيرات الدولية مازال يعمل بشكل جيد وبالتالي فإن فرنسا المنطلقة بسرعة جامحة نحو واشنطن في محاولة لتعويض المحافظين الجديد كما يقول بعض المحليين في طهران عن خسارتهم لطوني بلير سيضطرهم مثل هذا الموقف إذا ما استمر بهذا الجموح إلى «ان يخرجوا من المولد - اللبناني - من دو حمص» كما يقول المثل ولن يعودوا من «الشرق الأوسط الكبير» لبلادهم إلا بخفي حنين!

هذه الحقيقة أدركها الساكن الجديد في ( 10_ داونينغ ستريت) وهو يتمتم في الدوائر الضيقة بأنه «لا يريد تكرار تجربة سلفه فيحرق أصابعة في نار الشرق الأوسط» فهل يستوعب سكان الإليزيه الجدد الدرس من غوردن براون إذا كانوا بعد لم يتعلموا من تجربة سفينة المحافظين الجدد الغارقة في مستنقع العراق الغميق والغميق جدا.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1843 - السبت 22 سبتمبر 2007م الموافق 10 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً