العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ

جمهورية الأزمات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غدا تعقد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية. والتوقعات تشير إلى أنّ «نصاب الثلثين» لن يكتمل وهذا يعني أنّ الانتخاب يفتقد نصابه الدستوري الأمر الذي سيدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تعيين موعد لجلسة ثانية يرجّح أنْ يكون في منتصف أكتوبر/ تشرين الأوّل المقبل.

جلسة الغد لا خلاف قانونيا على شرطها الدستوري. فالكلّ مجمع تقريبا على أنّ «نصاب الثلثين» هو المفضل حتى يكون الانتخاب على قاعدة نيابية مريحة. الخلاف يبدأ بين الكتل النيابية على نصاب الجلسة الثانية. فهل الجلسة الثانية أو الثالثة أو الرابعة تتطلب أيضا «الثلثين» أو أنّ الدستور يفتح الباب لقراءة مختلفة؟

«الأكثرية النيابية» تقول إن شرط «الثلثين» يسقط بعد الجلسة الأولى ويصبح بإمكان النواب انتخاب رئيس بالغالبية العددية (نصف زائد واحد). بينما «الأقلية النيابية» تقول إن شرط «الثلثين» مادة دستورية لا يجوز المساس بها وهي مطلوبة في كلّ الحالات وإلى الأبد حتى لو أدى الأمر إلى فراغ دستوري أو تفكك الكيان وانقسام البلد وظهور حكومات تدير شئون المناطق.

الخلاف إذا ليس بسيطا وهو في جوهره يتجاوز الدستور ويعكس وجهات نظر سياسية ترى في مسألة انتخاب الرئيس نقطة مركزية في ترجيح موازين القوى. ولأن موضوع الرئاسة يمثل ذاك الثقل في تغليب كفة على أخرى تقترح الأقلية «التوافق» على شخص الرئيس وبرنامجه حتى لا يتخذ تدابير تؤدي إلى انعطافات حادة في جمهورية الأزمات.

«التوافق» إذا لا الدستور يشكّل أساس الاختلاف السياسي في التوجهات. فإذا حصل تكون القوى اللبنانية توصّلت إلى تفاهمات على أسلوب إدارة الأزمة في الفترة المقبلة. وإذا لم يحصل تكون القوى أدخلت لبنان في سياق تجاذبات أهلية ليست بعيدة في أغلفتها السياسية عن الفضاءات الدولية والإقليمية.

احتمال «التوافق» على اسم الرئيس يعتبر من الشروط السياسية المطروحة للتوافق على حل دستوري للأزمة. والحل الدستوري يتركز سياسيا الآن على مسألة النصاب القانوني لجلسة الانتخاب. فكيف يمكن التوفيق بين شرط النصاب واسم الرئيس؟

حتى الآنَ تبدو وجهات النظر متباعدة. فالأكثرية لا تملك «الثلثين» لتنتخب الرئيس وهي بحاجة إلى حضور الأقلية؛ ليكتمل النصاب. والأقلية تملك القدرة على تعطيل نصاب «الثلثين» ولكنها لا تستطيع انتخاب الرئيس منفردة من دون التوافق مع الأكثرية النيابية.

«التوافق» يشكّل مفتاح الحل ولكن على مَنْ تتوافق الكتل النيابية؟. هذا هو السؤال. الجنرال ميشال عون هو مرشّح الأقلية الوحيد وهو يتمتع بقوة نيابية تسمح له الإدعاء بأنه الأقوى. ولكن الجنرال لا يستطيع الوصول إلى مقعد الرئاسة من دون التفاهم مع الأكثرية التي لاترى فيه ذاك الشخص التوافقي المناسب لاحتلال الكرسي. فالجنرال مصنّف ولم يعد قادرا على إقناع الشارع المسيحي بأنه غير منحاز بعد تلك التجاذبات التي تعرّض إليها خلال السنتين الماضيتين.

«الأكثرية» تخوض معركة الرئاسة بأسماء ووجوه مختلفة وكلّها تتمتع بمواصفات وصفات وبرامج تسمح لها بالإدعاء أنها تمتلك صدقية لاحتلال منصب مهم في الدولة. ولكن مجموع المترشحين من الأكثرية يملكون غالبية عددية ولكنها ليست كافية دستوريا إذا أصرّت الأقلية على «نصاب الثلثين».

التوافق أو الفراغ

«التوافق» إذاَ هو الحل ولكنه قد يتحوّل إلى أزمة سياسية تطيح بالكيان في حال فشلت القوى في التفاهم على اسم الرئيس والنصاب القانوني المطلوب لتأمين جلسة الانتخاب. فهل توافق «الأكثرية» على الجنرال أو توافق «الأقلية» على مترشح خارج دائرة الاستقطاب السياسي بين «8 و14 آذار»؟.

الاحتمالان غير واردين. فالأكثرية ترفض الجنرال والأقلية ترفض الأسماء التي طرحتها الأكثرية. والحل هو البحث عن رئيس غير مصنف في هذه اللائحة أو تلك. وهذا الاحتمال يصبح هو المرجّح في حال عطلت نظرية «الثلثين» امكانات التوصّل إلى تسوية دستورية لانتخاب الرئاسة. وعدم التوافق على تفسير دستوري للنصاب سيضغط بدوره على ضرورة الذهاب نحو تسوية سياسية للأزمة والبحث عن رئيس «تسووي» يملك صدقية ويتمتع بتلك القدرة الشخصية التي تسمح له أنْ يكون في موقع رئيس يدير اللعبة من الوسط.

هناك أسماء كثيرة تنطبق عليها صفات «الرئيس الوسط». ولكن المسألة تتجاوز لعبة التوسّط والإدارة وتتطلب مجموعة شروط أخرى تكون كافية لإعطاء الرئيس تلك القوة المطلوبة لاختراق الأزمة وتشكيل حل معقول للتسوية. وشروط «الرئيس التسووي» تعتبر أصعب من البحث عن رئيس «وسط». فمن هو «الرئيس التسووي»؟ حتى الآنَ لم يظهر على الساحة في اعتبار أنّ كلّ الأسماء المطروحة علنا أو في الكواليس تنطبق عليها صفات «الوسط» ولكنها ليست في موقع القادر على إنجاز التسوية. فالرئيس التسووي يتطلب الكثير من الشروط السياسية ويحتاج إلى قنوات اتصال دولية وإقليمية تعطيه الثقة وتفتح أمامه سبل التوصّل على احتواء الأزمة في اعتبار أنّ الساحة اللبنانية مكشوفة ومفتوحة محليا على مجموعة متغيرات حصلت وتحوّلات متوقعة في الفترة المقبلة. والرئيس «التسووي» يعني أنه يملك إمكانات الجمع بين التعارضات والتوليف بينها لتشكيل مخرج متوازن ومقبول من مختلف الأطراف. وكل هذه المواصفات تبدو غير موجودة في شخص يمتلك القدرة على استقطاب هذا الكم من التأييد والاحترام والثقة.

لبنان جمهورية أزمات وشعبه ينتظر مفاجأة تنقذه من ورطة انتخابات الرئاسة. في العام 2004 تورّط البلد في مشكلة دستورية أورثته القرار 1559 الذي وضع القضايا المحلية تحت سقف التدويل. والآنَ يواجه بعد ثلاث سنوات السيناريو نفسه وخصوصا أنّ هناك دعوات وجهت من قوى «14 آذار» تطالب بتعريب وتدويل جلسة انتخاب الرئيس الجديد. فهل تدفع مسألة «نصاب الثلثين» بالأزمة اللبنانية نحو طور أعلى وتتحول إلى ذريعة قد تؤدي إلى تشكيل مظلة حماية دولية/ عربية للنواب على غرار ذاك القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بالمناسبة نفسها؟.

أجوبة كثيرة بدأت تطرح على المستوى المذكور بعد اغتيال النائب انطوان غانم. فالأكثرية خائفة من تواصل عمليات القتل وكذلك غير قادرة على قبول نظرية «الثلثين» إلى الأبد. والأقلية خائفة من سقوط شرط «الثلثين» في الجلسة الثانية ولذلك تتحسب لاحتمالات سياسية تفرض عليها القبول برئيس لا تنطبق عليه مواصفات «الحياد».

الأزمة السياسية/ الدستورية يرجّح ألا تنفجر غدا وإنما يحتمل تأجيل انفجارها إلى حين اقتراب موعد الجلسة الثانية في النصف الأوّل من أكتوبر المقبل. ومن الآنَ إلى الموعد الآخر لا يستبعد أنْ تصب في النهر اللبناني جداول كثيرة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1844 - الأحد 23 سبتمبر 2007م الموافق 11 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً