العدد 1848 - الخميس 27 سبتمبر 2007م الموافق 15 رمضان 1428هـ

أربع خطوات لتقدير التنوع

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كان علي أن أُسَلِم مقالين اثنين وورقة بحث، وكنت أعاني من ارتفاع في درجة الحرارة عندما اخترت تجاهل جميع الأمور والعمل على تعبئة أوراق شبه رسمية كانت قابعة على طاولتي طوال الأسبوع.

تلك الأوراق غيّرت مجرى حياتي. كانت تمثل تذكرة لعالم جديد كليا بنيت فيه صداقات مدى الحياة، ومشيت «الميل الإضافي» للبحث عن أوجه شبه واحتفلت فيه بالفروقات وخرجت منتصرة، ووقفت لأخبر الآخرين عن ثقافتي.

كل واحدة من النقاط المذكورة أعلاه تصف تغييرا رئيسيا ضمن تغييرات أخرى شهدتها من خلال انتمائي إلى مبادرة الشراكة للشرق الأوسط لمعهد القيادات الطلابية، وهو برنامج تنظمه وزارة الخارجية الأميركية على مدى ستة أسابيع. تم اختيار أكثر من مئة طالب جامعي من عشرين دولة مختلفة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لحضور هذا البرنامج، الذي استضافته خمس جامعات أميركية هي جورج تاون وبنديكتين وجامعة ولاية مونتانا وديلاوير وكلية ديكنسون.

حضرنا جلسات تدريب في القيادة وتعلمنا عن التاريخ الأميركي وبحثنا أوضاعا معاصرة في السياسة والاقتصاد والإعلام في دولنا وفي الولايات المتحدة. كذلك ذهبنا في جولات دراسية ضمت السفر إلى جميع أرجاء الولايات المتحدة من شرقها إلى غربها ومن وسط غربها الأوسط إلى الجنوب.

عندما أقلَعَت طائرتي من بيروت وأدركت أنني أغادر بلدي للمرة الأولى، بدأت بإعداد نفسي للجلسات والمناقشات والتعرف على أشخاص جدد، بل حتى الإجابة عن الأسئلة وطرحها. إلا أن ما لم أكن مستعدة له هو أمر كان أقل ما توقعت أن أتعلمه من التجربة والذي تبين أنه أهم وأغلى درس في الحياة أتعلمه: قيمة التنوع.

خلال الأيام الأربعة الأولى، أعتَرِف أن كلا منا التصق بالزملاء الذين أتوا معه من بلده. إلا أننا مع مرور الوقت بدأنا نغامر خارج قواقعنا، كل منا حسب سرعة خطواته. بالنسبة لي كانت تلك هي الخطوة الأولى: معرفة «الآخر».

عندما بدأنا ننفتح أمام بعضنا بعضا، ورأينا في نهاية المطاف الفروقات العديدة بيننا، بدأت الإثارة تلعب دورها وبدأنا نمثل دور سفراء لبلادنا. انخرطنا في حوارات ونقاشات، نقارن ونغاير بين بلادنا في الصف والحافلة وأثناء تناول طعام الغداء وأثناء استراحات التدخين بل وحتى قبل الذهاب للنوم.

إحدى أكثر الصدمات التي تلقيتها عدم قدرتي الكاملة في البداية على فهم اللهجة العربية لبعض المشاركين الآخرين في البرنامج عندما سمعتها بغير اللهجة اللبنانية. مع نهاية البرنامج وصلنا إلى نتيجة أن الفروقات الثقافية بين العرب مثل تلك بين الأميركيين من جميع الولايات التي زرناها.

لشرح ذلك، لاحظ طالب أميركي من جامعة بنديكتين بينما كنا نجلس معا أنه على رغم كون جميع الطالبات العربيات مسلمات، لم تكن جميعهن يلبسن الحجاب، إضافة إلى ذلك، حتى هؤلاء اللواتي كن يلبسن الحجاب لم يلبسنه بالأسلوب نفسه. وإجاباتنا على ما إذا كنا نختار لبسه أو عدم لبسه كانت متفاوتة بل ومتعارضة في بعض الأحيان. تبين أن لدينا أساليب مختلفة في تطبيق معتقداتنا الدينية في حياتنا اليومية، على رغم حقيقة أننا نتشارك في القيم والتقاليد العربية المسلمة.

الواقع أننا احتجنا لبعض الوقت لقبول فروقات كهذه، وأن نتقبل أن «نتفق على ألا نتفق»، خصوصا عندما تطرق الحديث إلى موضوعات حساسة كهذه. كانت تلك الخطوة الثانية: أن تكون مختلفا هو أمر يدعو إلى الاحتفال وليس إلى الإثارة والهيجان.

أحد العناصر الرئيسة لتجربتنا التعلّمية كانت الرحلة الدراسية. في حالة مجموعة المشاركين التي كنت عضوة فيها، ضمت الرحلة واشنطن العاصمة وسان فرانسيسكو وبوسطن وشيكاغو.

لدى مشاهدة الممثلين في شوارع سان فرانسيسكو وفن العمارة العظيم في واشنطن العاصمة و(اللوبستر) في بوسطن، وجدنا أنفسنا نقارن بين هذه المدن الأميركية المشهورة، الأمر الذي جعلنا ندرك للمرة الأولى مدى اختلاف الأميركيين داخل أميركا.

وادي السيليكون والتقنية المتقدمة في سان فرانسيسكو، وطريق الحرية في بوسطن والمطر غير المتوقع وحي برونزفيل الشهير في شيكاغو، جميعها مناظر ستبقى محفورة في أذهاننا وذاكرتنا. ساعدتنا هذه الرحلات كذلك على فهم أساليب الحياة المختلفة التي يتبعها سكان هذه المدن، وأساليب تفكيرهم ومجالات العمل التي يختارونها وأهدافهم ومخاوفهم. تقرّبنا إلى الكثير من الأميركيين المختلفين بشكل شخصي لدرجة أنني قررت أنهم يشكلون طبقا من «السلطة» وليس «بوتقة ذوبان»، كما يقولون.

اكتشفت أن لهم فروقاتهم الخاصة بهم وجوانب تعصبهم التي يجب التعامل معها. ليسوا جميعا يعيشون الحلم الأميركي. كان هناك أناس تبرعنا ببناء بيوت لهم، وآخرون يجري التمييز ضدهم يوميا بسبب لون جلدهم، بل وحتى أناس لم ينظروا في يوم من الأيام إلى خريطة العالم بدقة. مرة أخرى تصل درجة جديدة من خلال تجربة شخصية عملية: الاستغناء عن الصور النمطية إلى الأبد.

تمكّنا خلال أسابيع ستة فقط من تحقيق ما أسمّيه بالتبادل الثقافي ذي الخطوات الثلاث. منذ ذلك الوقت اكتشفت الخطوة الرابعة: التفكير بصوت مرتفع. «كلف برنامج مبادرة الشراكة للشرق الأوسط MEPI الحكومة الأميركية جزءا زهيدا من موازنة الحرب على العراق، أيّ من الاستثمارين ساهم بشكل أفضل في جسر الفجوة بين الشرق والغرب؟»

* طالبة في السنة الثالثة تتخصص في فنون الاتصالات، وتتخصص في دراسة الصحافة في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1848 - الخميس 27 سبتمبر 2007م الموافق 15 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً