العدد 1855 - الخميس 04 أكتوبر 2007م الموافق 22 رمضان 1428هـ

خصخصة البريد في اليابان

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت اليابان عملية طويلة المدى لخصخصة قطاع البريد الذي تديره الدولة، بعد سنوات من الجدل السياسي بشأن المسألة، فعلى مدى 10 سنوات، سيتم تقسيم هيئة البريد الى أربعة كيانات، هي الصيرفة والتأمين والبريد وخدمات الزبائن. وسيكون البنك الناجم عن التقسيم أكبر بنك تجزئة تجاري في العالم بأصول تقدر بنحو 3,25 تريليونات دولار ويحقق دخلا يصل إلى 785 مليار دولار.

وجعل رئيس الوزراء السابق جونيشرو كويزومي، الذي يساند الخصخصة حتى قبل أن يتولي منصبه في العام ‏2001‏، من خصخصة البريد حجر الزاوية في برنامج أعماله الاصلاحي، مؤكدا أن البريد الياباني رمز لعدم الكفاءة الذي مازال يوجد في القطاع العام‏.، وتأتي هذه الخطوة بعد الحملة التي شنها جونيشرو كويزومي، الذي جعل من إصلاح البريد المسألة الرئيسية في برنامجه الاقتصادي.

وشهدت هيئة البريد اليابانية خلال القرن العشرين توسعا كبيرا في نشاطها، وتزايد إقبال المواطنين على إيداع مدخراتهم بها، ما جعلها أداة سياسية في يد الحزب الليبرالي الديمقراطي، الذي حكم اليابان منذ أكثر من 6 عقود، ويعمل الكثير من أعضائه في هيئة البريد، وخصوصا في المناطق الريفية، ويتمتع موظفو الهيئة بقدرة كبيرة على تعبئة أكثر من مليون صوت لمصلحة الحزب خلال الانتخابات العامة، بسبب العلاقات الشخصية التي تربطهم بالمواطنين، وتميز الخدمات البريدية التي يقدمونها إليهم.

يذكر أن هيئة البريد اليابانية تعد أضخم مؤسسة مالية في العالم، إذ تضم قسما لمصارف الادخار، وآخر للتأمين على الحياة، إضافة إلى نشاطها الأصلي وهو العمل البريدي، وتدير الهيئة مدخرات وطنية وأرصدة تأمينية تصل قيمتها إلى 3 تريليونات دولار. وكانت الهيئة تأسست في العام 1875 خلال عهد أسرة ميغي الحاكمة، التي شهدت ثورة لتصنيع وتحديث اليابان، إذ لجأ المواطنون، وخصوصا من أهالي الريف إلى إيداع مدخراتهم الصغيرة فيها للاستفادة من عائدها المرتفع، والمعفى من الضرائب والرسوم.

وحظيت مسألة خصخصة البريد في اليابان باهتمام الكثير من القوى السياسية هناك، فقد جاء تصويت مجلس الشيوخ الياباني ضد مشروع خصخصة هيئة البريد في أغسطس/آب 2005، بمثابة صفعة قوية لرئيس الوزراء – حينها - «جينيشيرو كويزومي»، الذي خاض صراعا مريرا من أجل حشد التأييد لمشروع القانون بين أعضاء البرلمان، وتمكن بصعوبة من تمريره في مجلس النواب، لكن خصومه تمكنوا من عرقلته في مجلس الشيوخ، الأمر الذي دفع كويزومي إلى الإقدام على حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة في 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، وهي الخطوة التي توقع الكثير من المتابعين للحياة السياسية اليابانية أنها قد تطيح بمستقبل كويزومي، وتهدد بتراجع الحزب الليبرالي، الذي يسيطر على الحكم منذ أكثر من 60 عاما. واعتبرت الاوساط الصحافية اليابانية أن رفض مجلس الشيوخ - حينها - في جلسة، مكتملة النصاب، إقرار قوانين خصخصة خدمات البريد، وقرار كويزومي حل مجلس النواب ودعوته إلى انتخابات عامة مبكرة، أنه مقامرة سياسية عالية المخاطر، بينما وصفه البعض بأنه انتحار سياسي لكويزومي للتعبير عن غضبه من رفض إقرار القوانين في مجلس المستشارين.

ويتكون البرلمان الياباني من مجلسين هما مجلس النواب، وهو الأقوى، وعدد أعضائه 480 عضوا، ومجلس الشيوخ وهو الأقل تأثيرا وعدد نوابه 247 عضوا. مشروع قانون خصخصة البريد تمت الموافقة عليه من مجلس النواب بفارق 5 أصوات لكنه رُفِض من مجلس الشيوخ بعد أن صوت ضده 37 نائبا من الحزب الحاكم بالإضافة إلى نواب المعارضة. ولأن رئيس الوزراء ليست لديه سلطة حل مجلس الشيوخ قام بحل مجلس النواب الذي وافق على القانون، على رغم أن غالبية المحليين السياسيين استبعدوا أن يلجأ رئيس الوزراء كويزومي إلى ذلك، إذ إن حل مجلس النواب وعقد انتخابات مبكرة لن يُغير من تشكيلة مجلس الشيوخ، لكن القريبين منه حذروا من أنه رجل عنيد وسيلجأ إلى أية وسيلة ليصل إلى ما يريد. رئيس الوزراء نفسه رد على من يقول إنه لا فائدة من حل مجلس النواب طالما مجلس الشيوخ كما هو بأن قال :عندما يرى النواب الذين عارضوا القانون أن الشعب موافق عليه سيُغيرون موقفهم وسيُصوتون لصالح مشروع القانون، وهذا ما حدث.

ويرجع السبب الرئيسي في معارضة مشروع خصخصة هيئة البريد، إلى تخوف الكثيرين من تسريح آلاف الموظفين، مع انتقال ملكية الهيئة إلى القطاع الخاص، وخصوصا أن عدد العاملين بها يزيد على 4 آلاف عامل منظمين نقابيّا ويعارضون خطط الخصخصة، كما أن مشروع الخصخصة سيؤدي إلى إغلاق الكثير من مكاتب البريد في المناطق الريفية، وفقا لدراسات جدوى التشغيل، التي ستحكم عمل الشركة في حال انتقال ملكيتها إلى القطاع الخاص.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1855 - الخميس 04 أكتوبر 2007م الموافق 22 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً