العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

سفير الفقراء العرب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

آخر الأخبار السيئة الواردة قبل يومين، عن تعرّض الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم (79 عاما) لجلطة دماغية الأربعاء الماضي، بعد سهرة رمضانية مع أصدقائه، أحس في أعقابها بصعوبة في التنفس فنقل إلى غرفة الانعاش.

الجمهور في العالم العربي عرف نجم واحدا من أهم شعراء العامية في مصر وأحد ثوار الكلمة الملتزمين بالنضال ضد الطبقات الفاسدة. وتميز شعره بالنقد اللاذع للأوضاع المتردية التي حوّلت مصر العظيمة إلى ضيعة صغيرة قابلة للتوريث مثل قفص الدجاج.

عاش نجم يتيما في الملجأ بعد وفاة أبيه، وبدأ حياته عاملا في سكك الحديد والنقل سنة 1956، ثم ساعي بريد، ليتشرّب معاناة الفقراء والفلاّحين والبسطاء قطرة قطرة. وفي الستينات، التقى الملحن والمغني الضرير الشيخ إمام، لتبدأ صحبة عمر طويلة، أكثرها ثراء في السبعينات، حيث أمضيا غالبية سنواتها في معتقلات السادات، الذي أطلقا ضده «أكبر حملة سخرية ضد حاكم مصري في العصر الحديث» كما يقول بعض النقاد. من هنا كان السادات يصفه انتقاما بـ «الشاعر البذيء»، بينما وصفه الناقد الشهير علي الراعي بـ «الشاعر البندقية».

ومن مفارقات الزمن العربي الردئ، أنه قُدّم للتحقيق والمحاكمة لأنه كتب قصيدة عنوانها «شرّفت يا نيكسون بابا»، سخر فيها من الرئيس الأميركي الذي كان يزور مصر ويلقى زفة إعلامية في الإعلام الرسمي، بينما كانت تطارده في بلده فضيحة «ووترغيت»، وعرفت هذه المهزلة بقضية «نيكسون بابا» العام 1974. وفي العام 1977 حكم عليه بالسجن عاما كاملا بسبب قصيدة «الفول واللحمة»، فالكلمة الصادقة المعبرة ليس لها عند الأنظمة الضعيفة إلاّ المطاردة والسجن. فالنظام العربي كله «موجود وشغّال بالقصور الذاتي لأنه لا يوجد من يطيح بهذه الأنظمة» كما قال. وعندما كوفيء مناحيم بيغين، بنصف جائزة نوبل، (والنصف الآخر للسادات)، قال:

«أنا مش فاهم حاجه صراحه لمـــا القاتـــــــــــــــل ياخد جـــايزه

يبقى يا أما اللجنــــــــــــه بايظــــه او لامؤاخذه رئيسها حمار»!

حين أصدر الناقد صلاح عيسى سيرة عنه قبل فترة، بعنوان «شاعر تكدير الأمن العام»، لقي اللقب صدى طيبا في نفس الشاعر الكبير. فهو لم يتوقف عن نقده السياسي اللاذع لأوضاع بلاده المتهاوية، وهو على كبر سنه، لم يتوانَ عن المشاركة في التظاهرات ضد توريث السلطة، بل خصّ جمال مبارك (الرئيس المرتقب لمصر بنسبة 99.999في المئة) بقصيدة ساخرة عنوانها «عريس الدولة». قبل سنوات، ذهب إلى قطر، وصدم حين اكتشف أن بعض الصحافيين الذين كانوا يدّعون الناصرية تحوّلوا إلى أصحاب ملايين، ولأن الضدين لا يجتمعان، أرادوا إحراجه وحاصروه بالسب والشتائم. وانبرى من بينهم صحافي خليجي يسأله: عرفنا رأيك في جمال والسادات، فما رأيك بمبارك؟ فرد عليه: «تعال القاهرة وسأقول لك رأيي فيه بصوت عال، ولكن قل لي أنت ما رأيك في رئيس بلدك»، فهرب الصحافي اللزج وضحك الحاضرون على تطفله!

أما المجموعة العربية في النداء العالمي لمكافحة الفقر، فقد اختارته نهاية أغسطس/آب الماضي، سفيرا للفقراء في العالم، ليصبح الناطق باسم فقراء العالم العربي في المحافل الدولية. وجاء الاختيار بالاجماع لدوره فى التعبير عن مصالح الطبقات الشعبية، واهتمامه بالخصوصية التي تعيشها الطبقات الشعبية في مصر والعالم العربي. ويأتي ذلك في إطار تحرك المنظمات غير الحكومية لمكافحة الفقر واللامساواة ودعم أهداف الألفية للتنمية البشرية. وهو أبلغ رد على السادات وأفضل تكريم للشاعر «البذيء»!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً