العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ

إنهم يجنون الملايين من أجل طمس التاريخ!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

في كلّ مكان من العالم المؤتمنون على كتابة التاريخ بحيادية وتجرد هم القلة... نعم، قليلون الذين هم الذين لا تكون أقلامهم مُسيَّرة من قبل النظم السياسية النافذة، فحتّى لو كان من أخذ على عاتقه كتابة التاريخ نزيهون، فإنهم لا يملكون خيارهم بأيديهم...هذا بالنسبة إلى أصحاب الأرض، فكيف بغيرهم؟!

عملية كتابة التاريخ اقترنت في مخيلة العقل العربي بموروث مبتور وتاريخ محجوب وتاريخ مشوّه... وفي حالتنا البحرينية أيضا تاريخ البحرين لم يبدأ من محطة واحدة قبل 100 أو 200 عام، ومن غير المنطقي أنْ يُراد لتاريخ هذا الوطن أنْ يبدأ من هذه المحطة فقط، فهذه الجزيرة تعاقبت عليها الحضارات منذ آلاف السنين، وحكومات متعاقبة كثيرة.

في البحرين هناك حقبة عريضة، وحبلى بالحوادث يُراد شطبها ومحوها من ذاكرة الوطن، فتاريخ البحرين أعرق بكثير من أية محطة سياسية حديثة، ومع الأسف يصعب على البعض تقبل هذه الحقيقة، بل أزيد بأن ما نعلمه أبناءنا وبناتنا في المدارس والجامعات هو تاريخ مجزء، مشوّه وموجه لربط كلّ تاريخ البلد بمحطة واحدة، وإهمال ما سبقها من محطات كثيرة، والنتيجة اليوم أنّ أغلب شبابنا يعانون من ضحالة ومن نقص شديد في معرفة تاريخ بلدهم الحقيقي.

يسود اعتقاد لدى الكثيرين في البحرين، بأنّ ثمة خطة ممنهجة تسير فعلا شممننا رائحتها من تغيير مسمّيات بعض القرى والمدن، وهناك حقائق تاريخية تتعرّض لعملية طمس الهوية، وهذه جريمة في كلّ الأعراف، وقد نقدر بأن التاريخ فيه من الحقائق ما لا يرضينا أو يرضي البعض، لكن القفز على هذا الواقع خطأ جسيم، ولا يمكن أنْ نصنع مستقبلا مشرقا من دون إدراك وتجاوز الأخطاء التاريخية السابقة التي وقع فيها آباؤئنا وأجدادنا.

ومناسبة الحديث عن التاريخ، هو ما نشرته “الوسط” أخيرا عن وجود تدخلات عليا لمنع طباعة موسوعة تاريخ البحرين، لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بحقب تاريخية شهدت حوادثا لا يسمح بالتعرض لها حاليا لا من موقع التوثيق ولا من موقع النقد، وفي المقابل تبدت لنا أن هناك خشية حقيقية وحساسية مفرطة لدى البعض من كشف حقائق التاريخ عن هوية هذا البلد من القدم، فإذا كان طلبتنا ملزمين بحفظ كتاب كامل عن الحقبة الزمنية الأخيرة، فإن قرونا أخرى يتم تجاوزها عمدا، فقط ؛لأنها تؤسس لحقيقة تاريخية مغايرة لما يراد تصويره لنا اليوم. المشكلة الأزلية في هذه الأرض تكمن في فشل قوى التغيير الاجتماعية في اقتناص الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والقيادات الشعبية كانت مسئولة بدرجة أولى عن التخبّط في المسار، واليوم نتحدّث وفي الحلق شجى؛ لأنّ أهل هذه الأرض تحاصرهم قوى الظلام الطارئة، وهي تسعى جاهدة بكل ماأوتيت من قوة وبأس أنْ تحبط أيّ توافق تاريخي بين الحالة الرسمية والشعبية، وقوى الظلام تلك تشمّر ساعدها تاريخيا عندما ترى أن ثمة فرصة حقيقية للتوافق على مشتركات واحدة بين فرقاء هذا الوطن.

علينا أنْ نتجاوز أخطاء من سبقونا، فصراع الإرادات هي التي قادت إلى الكثير من الانتكاسات المتلاحقة، وغالبا ما تطغى الجزئيات الصغيرة على الكليات الكبيرة، واليوم برزت على السطح قوى الظلام التي كتب ميلادها في بطن الاستبداد ، هاهي تعود اليوم ولكن بثوب جديد، ورداؤها الآنَ أكثر خطورة من ذي قبل؛ لأنها بدأت تعمل على إثارة الماكنة الطائفية واستثارة غريزة التقاطعات الطبيعية التي يتسم مجتمعنا المتنوع.

أشعر بمرارة حينما أعرف أن هناك مَنْ جُلِب من الخارج تحت مسمّى مستشار أو أي مسمّى آخر، و ما له من وظيفة سوى العمل المنهجي على تغيير الحقائق التاريخية ليس في المناهج الأكاديمية فحسب، بل المشروع يمتدّ لتغيير الواقع على الأرض أيضا.

إنّهم يجنون الملايين ويستنزفون ثروات البلد، وهذه الطحالب الخارجية غالبا تتغذى على تدمير تراث وهوية وتاريخ كلّ شيء يرمز للحقيقة، ولكنني مع ذلك واثق أنّ على رأس السلطة رجلا رشيدا، وهو من صنع بالتلاحم مع الإرادة الشعبية اللحظة التاريخية التي نعيشها من عمر وطننا، والتي تشكّل فصلا جديدا و مهما من فصول تاريخ وطننا العزيز الممتد لآلاف سنين خلت وليس بضع سنين!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1857 - السبت 06 أكتوبر 2007م الموافق 24 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً