قاب قوسين أو أدنى يفصلنا عن افتتاح دور الانعقاد الثاني للبرلمان، ويبدو أن ذلك المدخر من انتفاضة التسعينات، الشاب ذو النبرات الهادئة، لم يعد قادرا على تحمّل الضغوط الشعبية المتزايدة يوما بعد آخر على أداء كتلة الوفاق المكونة من 17 نائبا متعددي الأهواء والأمزجة والمواقف بل والغايات أيضا.
على رغم التحفّظات التي يثيرها البعض على أمين عام «الوفاق» الشيخ علي سلمان الذي كشف لـ «الوسط» عن نيته الانسحاب من المجلس، إلا أنه مازال الوجه الوحيد القادر على أن يجمع خيوط «الوفاق» المتبعثرة، بوصفه همزة الوصل الأولى بين المجلس الإسلامي العلمائي الذي يتزعمه الشيخ عيسى قاسم بحكم ثقة الأخير فيه، لأنه لا يجد حرجا من التعبير علنا أنه سيف في يد أبي سامي (الاسم الذي يكنّى به رئيس المجلس العلمائي في أوساط التيار الإسلامي الشيعي)، ولا من أحد سواه قادر على أن ينال هذه الثقة من قلب مرشد هذا التيار.
وفعلا، كان للمجلس العلمائي ما أراد، فقد خرجت الجماهير في صبيحة يوم ممطر، قارص البرودة في منظر فريد من نوعه، خرجوا ليضعوا «نعم» للكتلة التي زكيت لهم، وخرج الفقراء من بيوتهم على أمل تغيير ولو جزء بسيط من ذلك الواقع، بعد أن دغدغتهم الخيام الانتخابية الوفاقية ببرنامج طويل عريض، وكانت النتيجة فوزا وفاقيا كاسحا، ولا أحد سواهم اقتنص شيئا من كعكعة اللعبة في كل الدوائر التي نزلوا فيها.
ثمة سؤال جوهري يطرح بقوة الآن وأكثر من أي وقتٍ مضى، هل كتلة الوفاق الحالية هي الوريث الشرعي لـ «وفاق» 2002؟ وهل هذه الكتلة تعبّر عن الزخم الكبير الذي تحيطه الشعبية بهذه الجمعية في حين تبدي في أكثر من موقف - في نظر الشارع - أن هذه الكتلة ليست متجانسة، ولا ينتظر منها تحقيق تغيير جوهري؟
«الوفاق» تعيش أمام مفترق طرق حقيقي
منذ معبر المشاركة في المجلس النيابي في 2006، والشيخ علي سلمان أصبح مطالبا بأن يمسك العصا في نقطة الوسط بين تيارات وأمواج تلاطم بالكيان الذي ورث عقد التسعينات، فسلمان عليه أن يوازن بين طرفي نقيض وتضادات كبيرة، فمن جانب يعد سلمان الوجه الأكثر تأهيلا لتحقيق تطلعات المجلس العلمائي ورئيسه، ومن جانب آخر عليه أن يقلل من الشروخات الداخلية المتعاقبة على «الوفاق» منذ حركة الاستقالات في بعض القيادات والكوادر الذين أسسوا جناحا متشددا أطلقوا عليه «حق»، وهو الذي استطاع أن يسحب شطرا من البساط الجماهيري، ومن جانب ثالث عليه أن يعمل جاهدا على بناء جسور تواصلية مباشرة مع القيادة السياسية والحكومة.
«الكتلة الإيمانية» و«العلمائي»... علاقة غامضة
المجلس الإسلامي العلمائي الذي نادى الأمة إلى اختيار «الكتلة الإيمانية» في أكثر من محطة، وأبرزها بيانه الشهير قبيل الانتخابات يجد نفسه في أحيان كثيرة يخرج عن صمته، وينقد «الوفاق» من أي حرج أمام السلطة أو الشارع، ولكن على رغم ذلك فكثيرون من المقربين للتيار يؤكدون أن العلاقة بين المجلس العلمائي و «الوفاق» ليست واضحة المعالم، فهل المجلس هو الأم الحنون لـ «الوفاق»، والمعني بتحديد خياراتها السياسية كبيرة وصغيرة، وبالتالي ماذا تبقى لـ «الوفاق» أن تقوم به من دور غير ترديد رجع الصدى لما يراه المجلس العلمائي، وهذا يفقد «الوفاق» فاعلية التحرك بحرية ومرونة في بناء تحالفات جديدة أو حتى استمرار تحالفاتها السابقة مع القوى الأخرى في الساحة، ومن أبرزها التيارات اليسارية.
وعلى رغم أن الشيخ عيسى قاسم هو من صدح في محرابه بالدراز بالشعار الشهير «تسقط العلمانية... والنصر للإسلام»، وكررها مرارا وتكرارا، إلا أن دور الشيخ علي سلمان يأتي مكمّلا، ليبن لشركائه الرئيسين أن هتافات قاسم لن تترك أثرا على التنسيق بين مكونات الحركة السياسية المعارضة، وليذكرهم أن المسألة غمار فكري محض ليس إلا.
وليس مستغربا أن يجاري المجلس العلمائي الشارع في نقده لـ «الوفاق» وهو ما ظهر بوضوح من على شفتي نائب رئيس المجلس العلمائي السيدعبدالله الغريفي الذي أعلن امتعاضه من أداء النواب، وطالبهم بالجدية في تصحيح الأوضاع العامة!
هل الكتلة هي خيار الناس؟
يسود اعتقاد واسع في أوساط التيار الإسلامي الشيعي أن بعض أعضاء هذه الكتلة لم يكونوا خيار الناس المفضلين لولا نجدة المجلس العلمائي وتحشيده للمشاركة، كما أن كل الأسماء التي أسقطها «شورى الوفاق» عادت بقدرة قادر إلى الكتلة.
ويرى هؤلاء أن ترجيح بعض أعضاء الأسماء كانت لقربها من رئيس «الوفاق»، كما تعاني الكتلة من مركزية شديدة في القرار، وتكتم في بعض قنوات الاتصالات المهمة مع جهات نافذة في السلطة، ومثال على ذلك اللقاء الذي جمع أخيرا الشيخ علي سلمان مع وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قبل أيام الذي أحيط بهالة من التكتم.
تهميش «شورى الوفاق»
غير واحد من أعضاء «شورى الوفاق» صرّح بأن دور المجلس أصبح شكليا ومجمّدا، وكأنه أريد له أن يكون معبرا لمن يود أن يظفر بمقعد برلماني أو بلدي، وظل المجلس معطلا، وعديم التأثير على قرارات «الوفاق» الرئيسية، ومنها محطة مقاطعة الجلسة الافتتاحية للمجلس التي خسرت فيها «الوفاق» منصب النائب الأول للمجلس، وهو ما أثار حفيظة أعضاء بارزين في المجلس من بينهم الرئيس السابق لمجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر ورجل الأعمال أحمد التحو. ويؤكد الكثيرون من كوادر الجمعية أن «شورى الوفاق» لا وزن له في المعادلة، ولا صوت له حين يصنع القرار، ما حدا بعدد من أعضاء المجلس لتقديم استقالاتهم تباعا، في حين تهرب الكثيرون عن حضور جلسات «الشورى» المتقطعة، وطالب آخرون بتعديل القانون الأساسي لـ «الوفاق» لفكّ التداخل في الصلاحيات، وخصوصا أن «الشورى» ليست لديه يد على الكتلة فضلاُ عن محاسبتها.
تناقض التصريحات الإعلامية
منذ اليوم الأول لدخول «الوفاق» إلى المجلس، رصد الشارع الوفاقي ما رآه أخطاء في تعامل أعضاء كتلة الوفاق مع وسائل الإعلام المختلفة، بل إن هؤلاء يرون أن التصريحات الخاطئة سبقت عمل المجلس أيضا، ويعد كثير من هؤلاء تصريح الشيخ علي سلمان في برنامج «6/6» الذي يذيعه تلفزيون الكويت من أن «الوفاق» ستتمكن من إخراج بعض الوزراء من التشكيلة الحكومية لما تسميه «ذوي الصلة بالتقرير المثير» في أسبوع غير واقعيّ، إلا أن المفاجأة أن عاما كاملا قد مرّ على تصريح سلمان، والوزير المعني مازال في مكانه.
المأخذ الآخر الذي أخذ على أعضاء «الوفاق» في تصريحاتهم الإعلامية، ما طالب به النائب الوفاقي جاسم حسين من تلويح بتشكيل لجنة تحقيق في موضوع سيارات النواب، وتلا ذلك تصريحات متناقضة بشأن الموقف من بعض القضايا، وهو ما استدعى تدخلا من رئيس «الوفاق» لـ «إنذاره شفهيا».
ومن ضمن مسلسل الأخطاء كما يراها الوفاقيون أنفسهم، تصريح رئيس لجنة المرافق العامة والنائب الوفاقي المخضرم جواد فيروز الذي طالب المواطنين بالتوجه إلى السكن العمودي «شقق التمليك»، وأثار هذا التصريح زوبعة كبيرة في الشارع اضطرّ بعدها نائب رئيس الكتلة خليل المرزوق لإظهار موقف مناقض تماما، حينما قال في ندوة جماهيرية في المنامة: «سنرفض العيش في أقفاص، ولن نقبل السكن العمودي، لأننا لسنا أقل شأنا من الآخرين»!
تراجع التحالفات السياسية
لم يكن شعار «فلتسقط العلمانية» سوى صبّ الزيت على نار كانت تحت الرّماد، منذ أن اتّهمت «الوفاق» من حلفائها فيما كان يعرف حينها بالتحالف الرباعي بالاستحواذ على المقاعد النيابية، ولم يشفع لـ «الوفاق» دعمها المطلق لعدد من رموز هذا التيار، فالحلفاء طالما أعلنوا معارضتهم لمبدأ كتلة اللون الواحد، لكن «الوفاق» اعتذرت ورمت هذا الأمر إلى التوازنات الصعبة على الأرض، وليس بخفي أن مستقبل تحالفات «الوفاق» مع حلفائها القدامى مازال يكتنفها الغموض، وحتى الصوت الليبرالي الوحيد الذي تحالفت معه «الوفاق» شهدت العلاقة معه بعض الاختلاف في الأولويات والأجندة.
العلاقة مع الشارع
لم تستطع كتلة الوفاق إقناع الشارع بأدائها، فبعد عام من المشاركة لم يتحقق إنجاز ملموس في أيدي الناس، ولم يتلمس الناس أثرا لبرنامج كتلة الوفاق، سواء على الصعيد التشريعي أو المعيشي، ولا تستطيع « الوفاق» إلا أن تقدم الأعذار بعدم تعاون «السلطة» معها، وهذا أدى إلى غضب القواعد الشعبية الوفاقية على نوابهم الذين حازوا أعلى نسبة أصوات في دوائر البحرين، وانتخبوا بـ 63 في المئة من الكتلة الانتخابية في المملكة.
محطة الـ 1 %
ليس خفيا أيضا، تناقض «الوفاقيين» في مسألة استقطاع الـ 1 في المئة من رواتب المواطنين لصالح صندوق خاص للتعطل الذي صوتت عليه «الوفاق»، ففي حين أثنى أمين عام «الوفاق» على القانون وباركه، وخصوصا في ندوة سترة، وقال: «لو طرح القانون مرة أخرى لمررناه»، فإن عضو كتلة الوفاق السيدمكي الوداعي قال: «إن (الوفاق) أحرزت رضا الناس بـ (الفحوى)، في حين اعتبره النائب محمد جميل الجمري «انتكاسة يجب المبادرة إلى تصحيحها، وبرز تعارض قاطع في الرأي من الاستقطاع بين المجلس العلمائي و»الوفاق»!
لا بأس بالتوزير
على رغم أنها قابلت تعيين الاقتصادي والعضو الإداري السابق بـ «الوفاق» نزار البحارنة وزيرا للدولة للشئون الخارجية ببرود شديد، لأن توزيره لم يمر عبر قناتها، فإن «الوفاق» لم تخفِ رغبتها في توزير كوادرها في الحكومة، وقال رئيس «الوفاق» إن هذه الخطوة ستفضي إلى «فهم أفضل» للدور النيابي من جانب الحكومة، ولكن «الوفاق» ليست لديها رؤية واضحة لما بعد هذه الخطوة.
لا غرو أن يكون الشيخ علي سلمان سيفا في يد رئيس المجلس العلمائي الذي أوصل «الوفاق» إلى بر الأمان في الانتخابات ووقاها شرّ المتنافسين، لكن هل سيكون هو ورقة التوت الأخيرة في كتلة الوفاق؟
والآن يحق للتيار العريض الذي انتخبها أن يسألها: يا ترى إلى أين تسير «الكتلة الإيمانية»، وهل تعرف بوصلتها بشكل صحيح، أم أن «الوفاق» ستضيع وسط هذه الأمواج العاتية، وهل ستعيد النظر في أدائها... وهل سيشمّر المجلس العلمائي عن ساعديه لينقذ «الوفاق» ثانية... من يدري؟ وهل سيقول بعض نواب «الوفاق» لرئيسهم «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»؟ ولكنه بلا ريب سؤال سنعرف الإجابة عنه في الأيام المقبلة!
العدد 1858 - الأحد 07 أكتوبر 2007م الموافق 25 رمضان 1428هـ