العدد 1859 - الإثنين 08 أكتوبر 2007م الموافق 26 رمضان 1428هـ

السياسة الأميركية و«اللوبي الإسرائيلي»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» هو عنوان كتاب صدر حديثا في الولايات المتحدة. الكتاب في جوهره ليس ضد «إسرائيل» وإنما مع المصالح الأميركية. فهو لا يعترض على تلك العلاقات الخاصة والمميزة التي تجمع بين إدارات واشنطن وحكومات تل أبيب ولكنه يحذر من المبالغة في «التحالف» أو «الانحياز» إلى درجة تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر وتؤدي إلى توسيع دائرة الكراهية وإعطاء ذريعة لأعداء أميركا في «الشرق الأوسط» لمواصلة نهج التصادم.

الكتاب هادئ وموضوعي وموثق بالمعلومات ومؤطر في تراتبه الزمني لأنه يريد أن يوصل رسالة واضحة بشأن سياسة خارجية ملتبسة وغير موضوعية وبعيدة عن التوازن والعدالة في منطقة مهمة واستراتيجية للمصالح الأميركية. ولكن كل هذا السلوك لم يشفع لأصحاب الكتاب إذ رد عليه أرباب «اللوبيات» وشنوا ضده حملة تشهير وسجلوا ملاحظات تتهم الكاتبين بالعداء والكراهية.

فكرة الكتاب بدأت في نهاية العام 2002 حين اتصلت مجلة «الأطلس الشهرية» بأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون مارشمير وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد ستيفن وولت وطلبت منهما كتابة مقال عن «اللوبي الإسرائيلي وتأثيره على السياسة الخارجية الأميركية».

وافق الأستاذان على الفكرة وعملا نحو السنتين معا لإنجاز المقال وإرساله إلى المجلة للنشر في نهاية العام 2004. الدراسة لم تُنشر واتصل بهما محرر المجلة في يناير/ كانون الثاني من العام 2005 ليبلغهما اعتذار هيئة التحرير عن عدم قدرتها على طباعة الموضوع.

بعد عشرة أشهر من تجميد النشر اتصلت بهما مجلة فصلية بريطانية وأبدت استعدادها لطباعة الدراسة. وبعد أخذ ورد ومراجعة وتأخير نشر البحث في عددها الصادر في مارس/ أذار 2006. والمقال تحدث عن مخاطر هذه السياسة على المصالح الأميركية وأمن «إسرائيل» وحاول تفنيد بعض الأخطاء وعدم فائدة الانحياز على الأمد الطويل لأنه سيؤدي إلى ردود فعل معاكسة.

أثار المقال ردود فعل واسعة وحرك شبكة من الاتصالات أخذت بالضغط سلبا على الكاتبين وبدأت تصدر اتهامات ضدهما بصفتهما من «أعداء السامية». وفي أقل من ثلاثة أشهر رصد موقع «مدرسة كنيدي» في يوليو/ تموز 2006 أكثر من 275 ألف رسالة وتعليق أو رد على المقال الذي نشر في الفصلية اللندنية.

في يوليو الماضي وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان واستأنفت إدارة جورج بوش سياستها الخارجية التقليدية ودعمت حكومة تل أبيب بأسلوب أثار تساؤلات بشأن الفائدة المرجوة من هذه الاستراتيجية. ولكن المفاجأة كانت بدء صدور ردود فعل إيجابية أو متفهمة للغايات التي أراد المقال التوصل إلى شرح أضرارها على مصالح أميركا في المنطقة وأمن «إسرائيل» في المستقبل.

ردود الفعل هذه رفعت المعنويات وشجعت الكاتبين على تطوير المقال وتوسيعه وتحويله إلى كتاب يوضح تلك النقاط السلبية التي أخذت تتفاقم بسبب تأثير اللوبيات الإسرائيلية على السياسة الأميركية الخارجية. وجاء الحماس هذا بناء على تحولات أخذت تطرأ على الشارع الأميركي وخصوصا في موضوع العراق والنقاش الدائر بشأن الحرب وأهمية استمرار الاحتلال العسكري وانعكاسه على الموقع والمصالح والدور في منطقة حساسة. وزاد من أهمية تطوير فكرة المقال صدور كتاب الرئيس السابق جيمي كارتر بعنوان «فلسطين: سلام وليس عنصرية» والضجة التي أثارها وخصوصا ردود الفعل السلبية من منظمات الضغط الموالية لدولة «إسرائيل».

ردود الفعل السلبية ومقالات التشهير والتعليقات التي توخت تشويه السمعة لم تقلل من أهمية نمو تيار من الناس أخذ يشجع الكاتبين على ضرورة استكمال توضيح هذه النقاط الغامضة والمحرم دخولها أو شرحها أو التعاطي بها.

قرر الكاتبان استجابة التحدي وباشرا بتحويل المقال إلى كتاب عن موضوع يعتبر في الولايات المتحدة من الممنوعات والمحرمات والمقدسات وحاولا جهدهما أن يوثقا كل فكرة أو معلومة أو فكرة حتى لا يتعرضا لتلك الاتهامات الجاهزة ونجحا أخيرا في إصدار العمل الثنائي المشترك وطبعاه في أميركا في مطلع العام الجاري، فأثار ضجة كبرى استدعت منظمات الضغط للرد عليه في كتاب مضاد.

درء المخاطر

قصة كتاب «اللوبي الإسرائيلي» أهم من تلك المعلومات المتداولة سرا أو الأفكار المكررة والمعروفة عن سلوك منظمات الضغط ودورها في التأثير أو تخويف كل معارض لها سواء على مستوى الكونغرس أو الإدارة أو الأجهزة. فالكتاب ليس جديدا في حقله إذ صدرت قبله عشرات المقالات والدراسات والتصريحات وكلها تعرضت للشتم والتشهير أو الحصار الإعلامي والمقاطعة السياسية. وأبرز الحملات السلبية كانت المعركة التي خاضها السناتور بول فيندلي في ثمانينات القرن الماضي وأدت إلى محاصرته ومقاطعته بعد إصدار كتابه الشهير «من يجرؤ على الكلام؟».

الكتاب الحالي يختلف في مضمونه ولكنه ليس بعيدا عن النهج الذي اتبعه فيندلي حين أثار السؤال عن أسباب الخوف أو الصعوبة في الكلام عن «اللوبي الإسرائيلي». فالكتاب ليس جديدا في أفكاره وإنما الجديد فيه هو أنه أعاد تجديد معلومات معروفة ومتداولة وغير مسموح ربطها وتحليلها والخروج منها بقراءة متواضعة تشرح للرأي العام سلبيات هذا التأثير ودوره في تعريض مصالح أميركا وأمن «إسرائيل» للمخاطر في المستقبل. وحتى يحقق الكتاب أغراضه اختصر موضوعاته ولخصها في مقدمة وفصلين وخلاصة اقترحت مجموعة أفكار للعمل لإنقاذ السياسة الخارجية من تأثيرات «اللوبي» السلبية.

الفصل الأول تحدث عن الولايات المتحدة و»إسرائيل» واللوبي وحاول شرح تلك الارتباطات المعنوية ودورها الوظائفي في الانحياز إلى دولة تمتعت بخصوصية فاقت كل الاحتمالات والتوقعات. وتحدث الفصل الثاني عن نشاط منظمات الضغط في المرحلة الراهنة وركز على الموضوعات المطروحة بقوة في الوقت الحاضر وخصوصا المسألة الفلسطينية والعراق و»الشرق الأوسط» وسورية وإيران وأخيرا دور اللوبي الإسرائيلي خلال فترة «الحرب الثانية» على لبنان في 2006.

الكتاب عادي ويعتبر محاولة لاستكمال الكثير من الاعتراضات الخجولة التي تظهر أحيانا على سطح السياسة الخارجية الأميركية. ولكن الموضوع المثار في دفتي الكتاب مهم لأنه يتحدث عن قصة المقال وتطور فكرته والصعوبات التي تعرض لها لمنع نشره. والأهم من ذلك توقيت الصدور ومناسبته ومدى استعداد الرأي العام الأميركي لتقبل طرح أو مناقشة مسألة تعتبر من المقدسات والمحرمات والممنوعات.

الكتاب ليس ضد «إسرائيل» وإنما مع مصالح الولايات المتحدة في منطقة استراتيجية وحساسة. وبرأي أصحابه أن الدفاع عن المصالح الأميركية وحمايتها من المخاطر يساعد على تحصين أمن «إسرائيل» وعدم انزلاق المنطقة نحو التطرف والمزيد من الكراهية. فالكتاب صرخة تحذير وتنبيه ورصد دقيق للتفاعلات وتطور العلاقات بناء على معلومات صحافية ومتابعة أكاديمية وقراءة عقلانية استندت على تجربة ومعرفة وإحاطة بالعلوم السياسية والفضاءات الدولية.

الكاتبان يعتمدان على كم هائل من المصادر والمراجع لتأكيد وجهة نظرهما وهي لم تعد محصورة في غرف سرية أو محاصرة إعلاميا ومقاطعة سياسيا. فهذه الوجهة أخذت تتحول إلى رأي يستند إلى تيار يريد الفهم ومعرفة الحقائق وكيف يتم صنعها ومن هي الجهات أو الأطراف المؤثرة في إنتاجها وإخراجها للناس.

الكتاب في النهاية جريء لأنه صدر. ومجرد الصدور يعتبر إشارة واضحة إلى وجود حال اعتراض على سياسة بليدة في تفكيرها وممارساتها وخصوصا حين تتعاطى مع شئون «الشرق الأوسط». وتوقيت صدور الكتاب يسجل نقطة جديدة في سياق تحولات أخذت تعدل مزاج الشارع الأميركي وبدأت تضغط لفتح ملفات وكشف سجلات غير مسموح للرأي العام بالاطلاع عليها أو معرفة القوى التي تساهم في صنعها.

أجواء الكتاب ومناخاته ليست بعيدة عن تلك الفضاءات التي أحاطت بالكونغرس ودفعته إلى إصدار قرار يعترف بالإسلام كدين سماوي عالمي ويعتذر من المسلمين عن تلك الإهانات والتجاوزات التي انتهكت خصوصيتهم بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.

هناك إذا بداية وعي تؤشر إلى وجود صدمة ثقافية أخذت تثير أسئلة وتنبه إلى مخاطر وسلبيات في حال استمرت الولايات المتحدة في سياستها الخارجية المنحازة. وهذا الانتباه المتولد على أكثر من صعيد يؤكد على نقطة مهمة وهي أن الولايات المتحدة لم تعد في وضع يسمح لها بالاستمرار في تحمل أعباء سياسة تعرِّض مصالحها للخطر ولا تفيد أمن «إسرائيل» في المستقبل. ومثل هذه اليقظة مهمة حتى لو جاءت خجولة ومترددة ومتأخرة فهي على الأقل تشير إلى مصدر الخلل حتى لو فشلت في تصحيحه. فاليقظة ضرورية لأنها في حدها الأدنى تساعد في إلقاء الضوء على زوايا غامضة وخفية ربما تفتح في المستقبل الطريق الطويل لتصحيح علاقة تعرضت للمصادرة من لوبيات وأجهزة ضغط تعمل بالسر أو بالتنسيق مع «مافيات» وشبكات لا تكترث كثيرا للتداعيات السلبية ومخاطرها السياسية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1859 - الإثنين 08 أكتوبر 2007م الموافق 26 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً