العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ

التمثيل السياسي والمسئولية

ربما كان موضوع التمثيل السياسي من تلك المفاهيم التي نسمعها كثيرا من دون أن نستشف معناها الحقيقي. إذا لا توجد حكومة في بلد ما إلا وتدّعي بأنها «تمثل» أمرا ما. هناك من الحكومات التي قد تقول: إنها تمثل إرادة قوم، أو طبقة، أو قبيلة، أو الحزب، أو العادات والتقاليد، أو المصالح المشتركة، أو إرادة الأمّة، او الدين إلخ. وجميع هؤلاء يحاولون إثبات ذلك بقولهم إنّ لديهم توكيلا واضحا من أولئك الذين يمثلونهم، أو يقولون إنهم فحصوا الأمر ووجدوا أن مسئولياتهم تحتمّ عليهم أنْ يتصدّروا التمثيل السياسي لتلك المجموعة.

- الممثلون السياسيون من المفترض أنهم يعكسون أفكار ووجهات نظر أنصارهم، أو أنهم ينظر إليهم كأشخاص موهوبين ببعض القدرات التي يوظفونها لمصلحة أنصارهم سواء رضيت المجموعة أم لم ترضَ. إذا، الممثلون إمّا أنْ يكون لديهم توكيل من الأنصار «Mandated delegation» أو أنهم يمارسون التمثيل بالاعتماد على تصورهم لمسئولياتهم ويتخذون قرارات استنسابية «Responsible discretion».

- ما هي الصفات التي يمتلكها الأفراد الذين يمثلون مجموعة ما؟ ومن أعطاهم الصلاحية للتمثيل السياسي؟ وما هو معنى المسئولية المتضمن في التمثيل السياسي؟

- هناك ثلاثة أوجه لمعنى التمثيل السياسي. المعنى الأوّل يتحدّث عن الفكرة القائلة إن الشخص أو مجموعة الأشخاص يمثلون مجموعة أكبر عندما يكونون إنموذجا للمجموعة الكبيرة. بمعنى آخر، فإنّ الأنموذج يحمل صفات المجموعة الأكبر. ولهذا نرى استطلاعات الرأي تتحدّث عن «إنموذج» من الناس الذين يمثلون المجموعة الأكبر. فعندما تقول الاستطلاعات بأن 62 في المئة من الشعب يؤيدون الرئيس، فإنّ تلك الاستطلاعات لم تعتمد على استقصاء آراء 62 في المئة من الشعب، وإنما اعتمدت على مجموعة صغيرة بالإمكان (من الناحية العملية الإحصائية) القول إنها تمثل المجموعة الأكبر. وهكذا أيضا، فإنّ مجلس الوزراء من المفترض فيه أن يحتوي على نماذج معينة لكي يستطيع ذلك المجلس القول إنه يمثل المجموعة الأكبر (الشعب).

- المعنى الثاني للتمثيل السياسي هو عندما نتحدّث عن (DELEGATION)؛ أيّ المهمة التي يقوم بها وكيل أو وفد معيّن. فالوكيل أو الوفد يعمل على حماية مصالح وتطوير مشروعات الطرف الأكبر الذي وكّله أو أوفده. المحامي قد يمثل المتهم، الوكيل قد يمثل الشركة، السفير يمثل بلاده لدى الآخرين، المتحدّث الرسمي باسم جماعة كذلك يدخل ضمن هذا التصنيف.

- المعنى الثالث يقصد منه التمثيل السياسي؛ أيّ التحدّث باسم المجموعة / الجماعة / الدائرة التي انتخبت الفرد (أو الحزب). بمعنى أنّ الشخص المنتخب حصل على ثقة الناخبين الذين يعطونه الصلاحية لممارسة العمل السياسي في القضايا اليومية والحياتية. وبما أنّ هذه القضايا تتعلق بالكثير من شئون العمل السياسي المتحرّك على الأرض، فإنّ جهود الناخبين الذين أعطوا ثقتهم لذلك الشخص يتوقعون منه أن يباشر نشاطه السياسي معتمدا على مبادئ وميثاق طرحه للجمهور. التمثيل السياسي في هذه الحالة، أمر يختلف عن الحالات الأخرى. في هذه الحالة يتم انتخاب شخص ما، أو حزب ما ليمارس النشاط السياسي نيابة عن الجمهور/ الدائرة الانتخابية التي أوصلته لذلك المنصب السياسي. والانتخاب هنا يختلف عن التوكيل؛ لأن الشخص المنتخب يمارس أعماله في مجال سياسي واسع يحتاج للكثير من الاعتماد على التمحيص واتخاذ المواقف تجاه الأحداث والقضايا المطروحة خلال الفترة الانتخابية. والشخص المنتخب يطرح نفسه للدائرة الانتخابية كل عدّة سنوات كي يحصل على أصوات الناخبين وثقتهم به. والشخص في هذه الحالة يستخدم اجتهاده وفهمه للمصلحة العامّة، أو لما يحقق مصالح الدائرة الانتخابية التي أوصلته لمنصبه. ولذا فإنّه في هذه الحالة أكثر قدرة على اتخاذ القرارات من النوع الثاني الذي تم التطرّق إليه؛ أي نوع الوكيل أو الموفد (DELEGATE). فالوكيل والسفير والوفد لا يستطيع التحدّث بأي شيء إلا إذا كانت لديه رخصة مسبقة ومحددة. أمّا الممثل السياسي في النوع الثالث فإنّ له الحق أنْ يمارس نشاطه بحرية أوسع، ومن ثم يخضع للانتخابات الدورية.

- الانتخابات، بأشكالها المختلفة، تسعى لإيجاد التمثيل السياسي من النوع الثالث. والمقصود من هذه الانتخابات هي أنّ «الصلاحية» و»السلطة» التي يمتلكها الممثل السياسي مستمدة مباشرة من الشعب، أو المجموعة الناخبة.

- ولهذا فإنّ الممثل السياسي عليه «التزامات» وواجبات (OBLIGATIONS) تجاه الذين انتخبوه.والشخص الذي ينتصر في دائرة انتخابية لا يحصل في العادة على 100 في المئة من الأصوات. ولكن هناك مفهوم «الرضا» برأي الأكثرية. ولهذا فإنّ الشخص الذي ينتصر في الانتخابات لا يمثل فقط الذين انتخبوه ولكنه يمثل جميع أفراد تلك الدائرة الانتخابية، بل زنه يمث الوطن الأكبر (في المجلس النيابي)، ويمثل المحلة (في المجلس البلدي).

- المسئولية: هناك ثلاثة استخدامات لمعنى المسئولية. المعنى الأوّل هو «التصرّف» أو «الاستنساب» بمسئولية.

- يعبر الاستنساب (DISCRETION) عن حرية التصرف المتوافرة للفرد لاتخاذ القرارات. فالأشخاص الذين يمثلون الآخرين تتوفر لهم فرص كثيرة وحرة، وعليهم أن يستشعروا مسئوليتهم وهم يأخذون تلك القرارات والمواقف. وهذا يسمى «تصرف مسؤول» (RESPONSIBLE DISCRETION). فالحكومات التي تمثل شعبها تتوافر لها فرص كثيرة وكبيرة، وعليهم أن يستمعوا ويتحسسوا ويستشعروا مسئوليتهم تجاه شعبهم وهم ينعمون «بحرية» التصرف.

- المعنى الثاني هو المحاسبة (ACCOUNTABILITY). فالشخص المسئول يخضع لمحاسبة دورية (من خلال الانتخابات،... إلخ) ويخضع لمحاسبات مستمرة على ما يقوم به. فرئيس الوزراء البريطاني، مثلا، يقف أسبوعيا أمام البرلمان للمحاسبة من قبل أعضاء البرلمان. البرلمان ينشأ لجانا اختصاصية لمحاسبة مسئولين وشركات وهيئات وأشخاص ووزراء أو أي شخص آخر بحسب ما يتطلبه الأمر لمحاسبة المسئولين.

- هناك أمر يرتبط بصورة مباشرة بالمحاسبة. ففي عالم الحكومات اليوم، هناك ما يسمى بالبيروقراطية. «البيروقراطية» عرفها الشخص الذي ابتكر المصطلح وهو العالم الألماني ماكس ويبر MAX WEBER (عاش بين 1864ـ1920). يقول ويبر إنّ البيروقراطية هي «تنظيم المكاتب الذي يتبع مبدأ الهيكلية المكاتبية؛ أي أنّ مكتبا صغيرا (في السلطة والصلاحية) يتبع مكتبا أعلى منه، والمكتب الأعلى منه يتبع مكتبا أعلى آخر. البيروقراطية هي «المكاتب» التي تستخدمها مؤسسات الدولة لتسيير الشئون العامّة. و«المكاتب» مملوءة بالموظفين الذين يتوقع منهم ممارسة دورهم ومسئولياتهم. والموظفون في الخدمة المدنية (المكاتب - البيروقراطية) يصبحون مع الأيام أكثر الأشخاص معرفة بتسيير الأمور، وهؤلاء موظفون إلى مدد طويلة. وعندما يتم انتخاب حكومة (في الدول الديمقراطية) فإنّ المنتخب سيكون مسئولا عن عدد كبير من هؤلاء الموظفين في البيروقراطية. كيف يتم محاسبة المديرين في «المكاتب» لإخضاعهم لإرادة الشخص المنتخب، هو أحد المعاني المتداخلة في مفهوم المسئولية. بعض الوزراء يعينون لجانا أو فرق عمل لدراسة الجودة في عمل المديرين، وهناك أيضا «أجهزة الرقابة المالية» التي تتدخل بصورة دورية وفجائية للتأكد من عدم التلاعب بأموال الدولة... إلخ.

- هناك مفهوم آخر للمسئولية. وهي المسئولية المعنوية. فالشخص الذي يتوقع منك خيرا يلقي عليك مسئولية معنوية. ومثال ذلك علاقة المريض بالممرض. فالمريض يتوقع من الممرض أنْ يرعاه. والممرض يشعر بمسئوليته المعنوية تجاه المريض.

الحكومات المنتخبة قد تضطرها مسئولياتها المعنوية للقيام ببعض الأعمال حتى لو لم تكن تلك التصرفات مرغوبة. فالحكومة التي يتوقع منها شعبها أنْ تحافظ على اقتصاد البلاد قد تضطر لتنفيذ إجراءات اقتصادية صارمة للخروج من أزمة مالية معينة، أو للوقوف أمام غلاء الأسعار... إلخ.

*نقاشات في ورش عمل نظمت في 1998

العدد 1861 - الأربعاء 10 أكتوبر 2007م الموافق 28 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً