العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ

الفقر... مسئولية من؟

مالك عبدالله malik.abdulla [at] alwasatnews.com

.

أن تكون فقيرا في إحدى الدول الإفريقية فذلك قضاء الله وقدره. أن تكون فقيرا في دولة لا تملك من النفط شيئا فذلك أيضا قضاء الله وقدره. ولكن أن تكون فقيرا في دولة نفطية اكتشف فيها النفط قبل أكثر من 7 عقود ويتمتع فيها القليل بامتيازات معينة فذلك أمر لا يجوز تحميله القضاء والقدر.

ثلاثون سنة ونيف وشعب البحرين يعيش في دولة نفطية تقع في وسط المنطقة الأغنى بالنفط ولكنه لا يعرف من ذلك سوى معلومات تقال في نشرات الأخبار أو عند سفره إلى بعض الدول التي يعتقد أهلها أن حنفية نفط موجودة في كل بيت ليضحك من هذا القول ولا يعرف، هل يضحك على المقولة، أم يضحك على نفسه؟ نفط انتفخت به بطون، وحسابات مصرفية تضخمت ولو أمكن لتلك المصارف أن تقول: أوقفوا هذا الإعصار المالي، لقالت، فإذا كانت مناطق جنوب شرق أسيا اشتكت من إعصار تسونامي فمصارف سويسرا وقبلها البحرين تشتكي من تسونامي أموال طائلة تحوّل إلى حساباتها، ولكن هذا التسونامي كان قحطا يصيب معظم أبناء الشعب.

ثلاث طفرات نفطية شهدها العالم آخرها ما تعيشه المنطقة حاليا، إذ تجاوز سعر برميل النفط ثمانين دولارا ولكن الطفرتين الأولى والثانية مرت على شعب البحرين وخصوصا فقراءه مرور الكرام، ولا أدل على ذلك أكثر من تفاقم مشكلة الإسكان، إذ كانت الأزمة لا تتعدى بضع المئات من الطلبات وحينها كانت تصريحات الحكومة كما اليوم «سنقضي عليه» ولكن لا حل، لتتحول بضع المئات من الطلبات قبل عقود إلى أكثر من 40 ألف طلب، لتتفضل أخيرا وزارة الأشغال والإسكان بمشروع الشقق بسبب ما تسميه «شح الأراضي»، ويتخوّف المواطنون من أن يأتي يوم لا يجدون مكانا يُدفنون فيه؛ لأن المقابر قد تتحوّل بقدرة قادر من ملك عام إلى ملك خاص، وقد تحوّل بعضها فعلا، وليست قبور عالي عنا ببعيد.

«الوسط» - ضمن جهودها لمساعدة من هو بحاجة إلى مساعدة - قامت بفتح ملف الفقر قبل أشهر وقامت بنشر 14 حلقة فقر لعوائل تنتمي إلى مناطق مختلفة في البحرين وكانت جميع تلك العوائل تعاني من مشكلات متشابهة، بيوتهم آيلة للسقوط وأبناؤهم يريدون وظيفة ودخلهم لا يكفي لسد رمق الحياة، وكانت كلمتهم الموحدة: «الدولة أهملتنا».

نعم الدولة أهملتهم فبعد ثلاثة عقود كان هؤلاء وراء حجب وجدران وضعتها الحكومة كيلا ترى أن أناسا ينامون الليل من دون طعام ويستيقظون صباحا من دون عمل وأطفالهم لا يمكنهم أن يتعلموا؛ لأنهم لا يملكون المال للثياب والأكل والمستلزمات الدراسية، ومنهم من كان ينام على شمعة؛ لأن وزارة انقطاعات الكهرباء قطعت التيار عن منازلهم بحجة عدم دفعهم الفاتورة على حين لا تقطع التيار عن قصور تحتوي عشرات الغرف وتستهلك من الكهرباء ما لا تستهلك منطقة بكاملها.

ومن تلك الحلقات التي سلطت فيها «الوسط» الضوء على الإهمال المُتَعَمَّد لتلك العوائل كانت لعائلة في منطقة سماهيج تضم بين طياتها سبعا من البنات اليتيمات وصبي أغرقته الدنيا في مشكلاتها فذهب باحثا عن قوت يومه بعيدا عن يوم دراسي يحلم به كما يحلم به أي صبي. الطفل الصغير كان اسمه بدر وكانت البراءة تشع من عينيه، إذ كانت تلك العائلة تشتكي الإهمال المُتَعَمَّد لها ولحالتها التي يرثى لها على رغم أنها بثت شكواها عبر الصحافة وجاء المسئولون لزيارة المنزل غير مرة إلا أن حلا لحالها لم يحصل.

وبعد أن نشرت «الوسط» القصة بأشهر قليلة عرفت فيما بعد أن ذلك الطفل البريء الذي رأيتُه في باب ذلك المنزل المتهالك الذي لا يصلح لسكن الحيوانات فضلا عن الآدميين، وبعد نشر الخبر في الصحف، أمر سمو رئيس الوزراء ببناء منزل العائلة ولكن سيكون البناء خاليا من أحلام طفلٍ لطالما كان يحلم بمنزل يلعب فيه مطمئنا. فيا ترى من المسئول عن كل هذا الإهمال؟

إقرأ أيضا لـ "مالك عبدالله"

العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً