العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

القرع على طبول الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد أن تراجع قرع الولايات المتحدة على طبول الحرب عاد الضرب من جديد. الرئيس الأميركي جورج بوش أشار إلى احتمال «حرب عالمية ثالثة» في حال نجحت إيران في تطوير برنامجها النووي. نائب الرئيس ديك تشيني هدد طهران «بعواقب وخيمة» إذا لم تتجاوب مع الضغوط الدولية لوقف «مشروع التخصيب». وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس اعتبرت إيران أنها تشكل أكبر تهديد أمني لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة والعالم. وأرفق الرئيس بوش هذا التصعيد الثلاثي بتصريح حرّض فيه أوروبا على طهران مشيرا إلى أنّ إيران ستصبح في العام 2015 قادرة على صناعة صواريخ بالستية بعيدة المدى قادرة على عبور القارات وصولا إلى القارة الأوروبية وأميركا. وزاد الطين بلة لجوء الكونغرس إلى فرض مزيد من العقوبات الإضافية على إيران واعتبار الحرس الثوري منظمة تدعم الإرهاب.

العودة إلى سياسة قرع طبول الحرب والتهويل والتخويف من المستقبل يمكن قراءة تفصيلاتها العامّة في ثلاثة تطوّرات حصلت على مستوى العلاقات الدولية. التطوُّر الأوَّل له صلة بروسيا الاتحادية وفشل المفاوضات بين موسكو وواشنطن بشأن نصب شبكة الصواريخ في أوروبا الشرقية. والثاني له علاقة بقمّة بحر قزوين التي عقدت في طهران وأعلنت الدول الخمس في بيان أذيع في نهايتها عن رفضها استخدام أراضيها وقواعدها منطلقا لحرب جديدة تفكّر واشنطن في خوضها ضد إيران. والتطوّر الثالث يمكن ربطه بتلك الجولة الاستكشافية التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلي أيهود أولمرت وعقد خلالها لقاءات «مثمرة» مع الرئيسين الروسي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني.

جولة أولمرت اعتمدت سياسة التحريض ضد إيران والتخويف من برنامجها الصاروخي والتهويل من مشروعها النووي وقدراتها على إنتاج «أسلحة دمار شامل». وجاءت جولة أولمرت بعد قمّة قزوين وظهور خلافات أميركية - روسية بشأن «الدرع الصاروخي» وخلافات فرنسية - ألمانية على أسلوب التعامل مع مشروع «التخصيب» الإيراني. واللافت في لقاءات أولمرت أنه نال العطف من الدول الثلاث وكسب التأييد لوجهة نظره التي تتركّز على مخاوف مفتعلة من مشروع قال عنه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أنه يحتاج إلى ثلاث أو خمس سنوات؛ ليتطور باتجاه غير مدني.

القرع على الطبول سياسة تحريضية تشير إلى فرضيات غير مؤكّدة ولكنها تعتمد في جوهرها استراتيجية «الضربات الاستباقية» وهذا ما أخذت تلمح إليه الكثير من التصريحات والكتابات والتسريبات التي تنشرها الصحف نقلا عن مصادر عسكرية أو مراكز أبحاث ودراسات تعنى بما تسميه، أزمات «الشرق الأوسط الكبير».

أجواء الشحن والحقن والضرب على طبول الحرب لا يمكن عزلها عن توترات سياسية ظهرت تباعا على مسرح «الشرق الأوسط». فالإدارة الأميركية دخلت منذ فترة في مناكفة مع الحكومة التركية الإسلامية بشأن «ملف الأقليات» واتهام انقرة باحتمال وجود دور للاحتلال الأميركي في تأمين ملاذ آمن لحزب العمّال الكردستاني في شمال العراق. والإدارة أيضا وجدت نفسها تورّطت في الدعوة إلى عقد «مؤتمر دولي» لتحقيق السلام وقيام «دولتين» في فلسطين من دون أنْ تعمل على توضيح فكرتها وتأسيسها على قواعد سياسية متينة. كذلك اكتشفت الإدارة بعد حين أن حكومة نوري المالكي أقرب إلى طهران منها إلى واشنطن وهي لا تشكّل ذاك الطرف الذي يمكن أن تعوّل عليه في بناء دولة تتجانس مع «النموذج الأميركي».

احتواء أزمات

كل هذه الملفات الإضافية تشير إلى ارتفاع في نسبة الفشل الأميركي الذي أخذ يؤثر في عدم قدرة الإدارة على أحتواء الأزمات. فالأزمات كبيرة وتتسع دائرتها يوميا وأخذت تنتشر وتعبر الحدود وتنتقل من مكان إلى آخر. وهذا ما يفسّر سياسة العودة إلى القرع على الطبول بعد هدوء نسبي ظهر على الشاشة الأميركية على أثر نجاح تلك اللقاءات «الفنية» والمفاوضات «التقنية» التي عقدتها واشنطن مع الطرف السوري في شرم الشيخ والطرف الإيراني في بغداد. فتلك الاتصالات جرت على قاعدة توصيات تقرير «بيكر - هاملتون»، وفي ضوء التجاذبات الحزبية بين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس. جاءت الاتصالات لترسل إشارات سياسية بالاتجاه الذي يعطي فرصة زمنية لإدارة بوش حتى تكسب الوقت وتخفف من الضغوط التي انهالت على واشنطن قبل تقديم «تقرير سبتمبر» ومناقشته في الكونغرس.

إلا إنّ الإدارة التي راهنت على الوقت لكسب تعاطف الكونغرس مع وجهة نظر تقول إن الخطة الأمنية التي أعلنها الرئيس في مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي أثمرت وأعطت نتائج إيجابية بدليل انخفاض درجة العنف في العراق وبدء ظهور تعارضات بين «المقاومة السنية» وتنظيم «القاعدة» اصطدمت بدورها بتطورات غير محسوبة تتصل بدخول تركيا على معادلة الشمال الكردي مقابل دخول إيران على معادلة الجنوب الشيعي.

هذا التطوّر العراقي المعطوف على توترين حدوديين الأول مع تركيا والثاني مع إيران أثار من جديد الجناح المتطرّف في تيار «المحافظين الجدد» ودفعه إلى الضغط لرفع وتيرة القرع على طبول الحرب وتخويف أوروبا من احتمال نمو قوى إقليمية قادرة في المستقبل القريب على قلب الطاولة أو تغيير قواعد اللعبة الدولية في منطقة حيوية واستراتيجية وغنية بالنفط والغاز.

عودة تيار «المحافظين الجدد» إلى واجهة الإدارة الأميركية مسألة غير مستبعدة بعد أنْ فشلت وزيرة الخارجية في تعديل الزوايا الحادة في ملفات ثلاثة: الأوّل العراق وظهور قوى ميدانية قادرة على زعزعة إدارة الاحتلال في الشمال والجنوب. والثاني فلسطين وظهور قوى ترفض الانجرار إلى «مؤتمر دولي» من دون برنامج واضح في حيثياته وخطواته. والثالث الكرملين وفشل رايس في إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بضرورة التفاهم بشأن نصب شبكة صواريخ في دائرة سياسية تقع تقليديا في نطاق المجال الجغرافي للاتحاد الروسي.

الفشل الثلاثي الذي واجهته وزيرة الخارجية أعطى دفعة معنوية للجناح المتشدد في الإدارة ودفع بوش إلى تعديل موقفه وربما البدء في الاتجاه من جديد إلى تعزيز تعاونه مع تيار مهزوم أيديولوجيا ولكنه لايزال يمتلك القدرات على تحريك ملفات تخاطب الكونغرس انطلاقا من نقطتين: الأولى حماية المصالح العليا للدولة الأميركية من الانهيار. والثانية ضمان أمن «إسرائيل» من مخاطر استراتيجية في المستقبل القريب.

«حماية المصالح العليا» وضمان أمن «إسرائيل» توضحان أسباب عودة الإدارة إلى نغم القرع على طبول الحرب وهي سياسة تلجأ إليها واشنطن حين يكون الكونغرس في صدد مناقشة موازنة حرب أو تغطية نفقات احتلال كما هو حاصل الآنَ في أفغانستان والعراق. فالقرع ضرورة سياسية؛ لأنه يسد حاجة مالية تريدها الإدارة؛ لتلبية رغبات شركات النفط ومؤسسات التصنيع العسكري وأسواق المال. وبما أن الرئيس بوش يطالب الكونغرس الموافقة على موازنة هائلة (196 مليار دولار) لتأمين حاجات الجيش الأميركي في البلدين المحتلين فلابد أن ترتفع أصوات التخويف من «حرب عالمية ثالثة» والتهويل «بعواقب وخيمة» والتهديد بوجود مخاطر إقليمية؛ لإقناع أعضاء المجلسين (النواب والشيوخ) بضرورة تمرير المشروع حتى لاتنهار المصالح ويتزعزع الأمن.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً